من الإخوان للسادات.. محطات في حياة عبد المنعم مدبولي

إسراء إبراهيم

عُرف كأحد أبرز عملاقة الكوميديا في الفن المصري، وعلى الرغم من ذلك تستطيع أن تُلقبه بـ “المُضحك المُبكي”، إنه عبد المنعم مدبولي أو “بابا عبده” الذي ضحكنا وبكينا معه، بمشهد واحد فقط أو غنوة فيستطيع أن يصل بك من الفرح حد البُكاء.

على مدى 6 عقود قدم لنا “بابا عبده” نحو 200 عملًا فنيًا، غلب عليها قالب الكوميديا، إلا من بعض الأعمال التي أظهر فيها براعته في تقديم التراجيديا، كما قدم مجموعة كبيرة من الأغاني والبرامج للأطفال، بجانب الإخراج والتأليف.

تحل اليوم الإثنين ذكرى رحيل عبد المنعم مدبولي، إذ أنه غادر عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 2006، وفيما يلي يُقدم “إعلام دوت أورج” أبرز المحطات التي مر بها “مدبولي” خلال رحلة حياته:

النشأة

وُلد عبد المنعم مدبولي حسن 28 ديسمبر 1921، في الحي الشهير بالقاهرة “باب الشعرية”، وفي عمر الـ 6 أشهر توفى والده، لتتكفل والدته إلى جانب جدتيّه بتربيته إلى جانب أشقائه.

كان “مدبولي” يتمتع بالموهبة منذ صغر سنه، حيث اشترك في المسرح المدرسي، حينها أُعجب به ناظر المدرسة وأسند إليه مهمة تدريب الفريق المسرحي، مُقابل إعفائه من المصروفات المدرسية.

أول أجر فني

التحق بعد ذلك بمدرسة الفنون التطبيقية، وأثناء الدراسة مارس التمثيل كهواية، كما انضم لعدة فرق مسرحية للهواة، ثم التحق بفرقة “جورج أبيض”، الذي كان يراه “تراجيديان” وليس كوميديان، حيث قدم دور رجل عجوز وهو في سن 18 عامًا.

وفرقة “فاطمة رشدي” التي انضم لها عند طريق الصدفة كما قال خلال حواره مع الإذاعية أمينة صبري في برنامج “حديث الذكريات”، حيث كان صديقه عبد البديع العربي ضمن أعضاء الفرقة وطلب من “مدبولي” الحضور لأداء دور كوميدي في إحدى المسرحيات.

استجاب الفنان القدير لصديقه وذهب معه إلى المسرح، لكن الغريب أن “رشدي” لم تُبالِ بوجوده وتعطيه اهتمامًا، ما جعل صديقه يطلب منها أن تمنحه فرصة أداء الدور، وبالفعل وافقت، وعندما انتهى من تجسيد الشخصية طلبت منه “رشدي” أن يأتي لها في اليوم التالي، ليقوم ببطولة مسرحية أخرى مقابل 20 قرشًا في اليوم، وهو أول أجر حصل عليه من التمثيل.

ترميم قصر المانسترلي

أوضح عبد المنعم مدبولي خلال حديثه في البرنامج الإذاعي “حديث الذكريات”، أنه عمل كرسام في وزارة الأشغال، حيث كان يُشارك في ترميم القصور الأثرية، إذ أنه شارك في ترميم قصر “المانسترلي”، لافتًا إلى أن أجره وقتها كان 25 قرشًا، كما عُيّن في مدرسة الفنون التطبيقية التي تحولت إلى كلية فيما بعد كمدرس بقسم النحت عام 1944.

خلاف على الالتحاق بمعهد التمثيل

أُنشأ معهد التمثيل عام 1944، وتقدم “مدبولي” للالتحاق في أول دفعة للعهد لكنه فشل في دخول المعهد، وفي العام التالي تقدم مرة أخرى لكن اللجنة اختلفت عليه بسبب قصر قامته.

كشف “مدبولي” أنه لم يكن ضمن أسماء المقبولين في الدفعة الثانية من معهد التمثيل لكنه انضم كمستمع، إذ أن اللجنة التي كانت مكونة من نجيب الريحاني، وحسين رياض، وزكي طليمات، اختلفت على قبوله، حيث أن”طليمات” كان لا يرى أنه لا ينفع ممثلًا بسبب قصر قامته لكن مع إصرار “الريحاني” وحسين رياض، التحق بالمعهد كمستمع وكان من بين زملائه في الدفعة عبد المنعم إبراهيم وفاتن حمامة.

“بابا شارو” باب الدخول للإذاعة

دخل “مدبولي” الإذاعة عن طريق برنامج الأطفال الشهير في ذلك الوقت “بابا شارو”، حيث كان يؤدي صوت الطفل في الحلقات، وإلى جانب تقديمه صوت الطفل كتب بعض الحلقات للبرنامج الإذاعي، إذ أن “بابا شارو” طلب منه تقديم حلقات “فرس” للأطفال.

أعقب ذلك تقديم عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس البرنامج الإذاعي الشهير “ساعة لقلبك”، الذي حقق نجاحًا كبيرًا، بل أنه تحول إلى لعنة يحتاج من شارك فيه إلى التغلب على نجاحه ليُقدم أدوارًا أخرى.

ثنائي الكوميديا

شكل الفنان عبد المنعم مدبولي مع الفنان فؤاد المهندس ثنائي تمثيلي رائع، وكانت بداية معرفة الثنائي ببعضهما عن طريق برنامج “بابا شارو” حيث كان يُقدم “المهندس” شخصية “طرزان”.

نرشح لك: أشهر 5 أدوار لـ”صانع البهجة” أمين الهنيدي

قال “مدبولي” خلال برنامج “حديث الذكريات”، أن فؤاد المهندس كان صديقه، وأنهما كانا يحبان بعضهما البعض، لدرجة أن “مدبولي” اختار أن يسكن بالقرب من سكن فؤاد المهندس، وعن عملهما معًا قال: “كنا فاهمين بعض كويس”.

وبسؤال “مدبولي” في إحدى حلقات البرنامج عن الفنان الذي يثير ضحكه قال: “زميلى فؤاد المهندس، أقعد جنبه من غير مايتكلم أضحك حتى ولو نتحدث فى موضوعات جادة، لأنه ممثل حتى في حياته الطبيعية وخفة دمه ماحصلتش”.

تلك الحالة الفنية التي شكلها ثنائي الكوميديا لم تمنع وقوع خلافات بينهما، حيث كان فؤاد المهندس يقدم فوازير “عمو فؤاد” ووقع خلاف بينه وبين المخرج وقرر عدم العمل معه، فقررت إدارة التلفزيون استبعاده، ولجأت إلى “مدبولي” لتقديم فوازير”جدو عبده”، تواصل عبد المنعم مدبولي مع “المهندس” ليستأذنه في تقديم الفوازير، وأخبره بأنها ليست لها علاقة بفوازير “عمو فؤاد”، لكن “المهندس” غضب من “مدبولي”،ولكن سرعان ما تصالح النجمان خلال عرض مسرحي كان يقدمه فؤاد المهندس، حيث ذهب له “مدبولي” ليهنئه بنجاحه.

الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين

التحق “مدبولي” بجماعة الإخوان المسلمين قبل ثورة يوليو 1952، وذلك بسبب هوسه بالتمثيل إذ أنه كان تربطه علاقة صداقة بشقيق حسن البنا مؤسس الجماعة، عبد الرحمن البنا الذي أنشأ تجربة المسرح الإسلامي في الجماعة.

بعد ثورة يوليو ترك “مدبولي” مسرح الجماعة، ولكن لم يكن معروفًا للعامة أنه انضم لجماعة الإخوان المسلمين لفترة، حتى هاجم عبد الرحمن البنا النجم عادل إمام وقتها بسبب عدم تقديمه كوميديا إسلامية، واستشهد خلال حديثه بواقعة انضمام عبد المنعم مدبولي لمسرح الجماعة من قبل، وفقًا لما ذكره الكاتب بلال فضل في برنامج “الموهوبون في الأرض”.

مدبولي Case

أثناء مشاركة “مدبولي” في مسرحية “ريا وسكينة”، تعرض لأزمة صحية، كان يعتقد بأنها مجرد إرهاق من العمل، لكنه تفاجأ بوجود ورم على الكبد.

سافر الفنان على إثرها إلى لندن من أجل العلاج، وهناك استأصل الفص الأيمن من الكبد، وكان أول مريض يُشفى من الكبد وظلت العملية التي قام بها تُدرس لفترة في إنجلترا تحت اسم “مدبولي Case”.

ناظر مدرسة المشاغبين

ذكر بلال فضل خلال برنامج “الموهوبون في الأرض”، أن “مدبولي” شارك في المسرحية الشهيرة “مدرسة المشاغبين” بدور الناظر، وكان يرى أن مساحة الدور في الفصل الثالث صغيرة، ووعده المخرج جلال الشرقاوي بحل الأمر.

أضاف “فضل” أن أجر عبد المنعم مدبولي كان 250 جنيهًا، وعادل إمام وسهير البابلي 150 جنيهًا، وسعيد صالح 120 جنيها، وحسن مصطفى وعبدالله فرغلي 80 جنيها، وأحمد زكي ويونس شلبي وهادي الجيار 30 جنيهًا.

وفي الموسم الثاني نُقل العرض من الإسكندرية إلى مسرح الحرية بالقاهرة، وقتها طلب “مدبولي” زيادة أجره ليكون 500 جنيه، وانقطع عن العرض وادعى المرض وهدد بالانقطاع عن العمل في حال عدم الزيادة، وبالفعل تم الموافقة على ذلك وبأثر رجعي.

تابع “فضل” بعد شهران فقط على ذلك الخلاف، كرر “مدبولي” نفس الأمر، طالبًا زيادة أجره هذه المرة إلى 1000 جنيهًا، ويتم تطبيقه بأثر رجعي كذلك، ليوافق المنتجون أيضًا.

ومع بداية الموسم الثالث طلب زيادة أجره إلى ألف و500 جنيهًا، وهو ما رفضه المنتجون، ليتفقوا سرًا مع الفنان حسن مصطفى على تجهيز نفسه لتجسيد شخصية الناظر، في حين استعانوا بالراحل عبدالله فرغلي في دور المُعلم، ويتم تصوير المسرحية لتُعرض على شاشة التلفزيون بدون عبد المنعم مدبولي.

اكتشاف الكوميديان عادل إمام

ذكر الفنان عبد المنعم مدبولي، خلال حوار قديم له مع الإعلامية نجوى إبراهيم أن الفنان عادل إمام كان يرى نفسه ممثل تراجيدي أكثر من الكوميدي، قائلًا: “وأنا بادوّر على واحد يمثل دور الباشكاتب في مسرحية أنا وهو وهي، أول دور طلع فيه، قلت لعادل إمام فقالي لأ أنا بلعب تراجيدي، وأخدت في الجامعة كأس عن مسرحية الإخوة كاراموزوف”.

أضاف: “قولتله بلاش الكلام ده وتعالى، أنت ماتنفعش تراجيدي، لأنّي كنت عارف إنه ييجي منه كوميدي”.

بابا عبده والسادات

ذكر “مدبولي” خلال حديثه مع عمار الشريعي في برنامج “سهرة شريعي”، أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات، كان معجبًا بمسلسل “أبنائي الأعزاء شكرًا”، الذي قدم خلاله “مبولي” شخصية “بابا عبده”، والذي حقق نجاحًا كبيرًا وقت عرضه.

أشار إلى أن “السادات” قال له: “”كنت أتابع المسلسل وألغي أي ارتباطات لأشاهده في موعده، وكنت أسجله لأشاهده مرة أخرى قبل النوم”.