وليد علاء الدين يكتب: واقعة "محمد الشناوي" ثقافيًا!

زوبعة أثارها محمد الشناوي حارس مرمى النادي الأهلي والمنتخب المصري في كأس العالم 2018 برفضه استلام زجاجة البيرة المصاحبة لجائزة “رجل المباراة” التي استحقها لبراعته في حراسة مرمى فريقه في مباراته ضد فريق الأوروجواي.

ليست هذه الزوبعة رياضية، إنما هي ثقافية في المقام الأول، تستدعي وقفات تروٍ للدراسة، لمحاولة فهم موقف الشناوي، بمعنى: دوافع بناء واتخاذ هذا الموقف، ثم –وهي نقطة شديدة الأهمية: كيفية تعبيره عن موقفه في لحظة الحدث، وفي اللحظات التالية عبر تصريحاته في المقابلات الإعلامية.

ثم السعي نحو فهم أعمق لمواقف البشر -أفرادًا ومؤسسات- في تراوح ردود أفعالهم على موقف الشناوي، بين الرفض والقبول، لأن الاشتراك في الرفض (الذي وصل إلى حدود الاستنكار والتنديد والإدانة والإهانة) أو القبول (الذي وصل إلى تحويل الرجل إلى رمز وبطل)، لا يعني في حالتنا هذه -على الإطلاق- اشتراكًا -ولو بنسب ضئيلة في الدوافع والمبررات التي اجتمع فيها الفكري بالديني بالاجتماعي بالأسطوري… وهو أمر في حد ذاته يُغري بالتأمل والدرس، وربما نجح باحث ماجستير أو دكتوره برصد ذلك في أطروحة علمية متماسكة.

لن أذهب بعيدًا في تحليل دوافع الشناوي، فالغالب على ظني أنه شاب قروي بسيط التكوين ثقافيًا مثل الكثيرين من الشباب المصريين في عمره، وردّ فعله يتسق تمامًا –كما أراه- مع قناعات الفئة التي ينتمي إليها؛ لن يخرج الأمر عن خلطة من معرفته التلقينية بالدين، أبرز ما فيها الخوف من نزع البركة من عمله –بينما هو في مستهل تألق هذا العمل- أضف إلى ذلك قدرًا كبيرًا من الحرص والقلق على صورته الاجتماعية وسط من يحبهم ويحرص على مشاعرهم.

هذه الخلطة الثقافية والفكرية التي يمثلها الشناوي مرشحة للتغير سلبًا أو إيجابًا بتغير مكونات المشهد ومع التجربة والعمر والمعرفة، وليس لنا أو لغيرنا الحق في تقييمه على أساسها، فقد أغلق بمهارة الباب ولم يترك الفرصة لأحد في مؤاخذته، ببساطة لأنه أجاد التعبير عن موقفه بشكل إنساني راقٍ ومتحضر، سواء في لحظة مفاجأته بوجود زجاجة الخمر عند لحظة التكريم، أو في تصريحاتٍ تلت ذلك أجاد اختيار كلماتها فلم تخرج عن: “رفضتُ الجائزة لأسباب شخصية وأكتفي بالتكريم”.

بذلك أغلق الشناوي دائرة الفعل الإنساني المتحضر التي تعني في أبسط تعريفاتها ممارسة القناعات الشخصية من دون تحقير قناعات الآخرين أو إيقاع الأذى بهم، ضاربًا النموذج للإنسان المتحضر، فالتحضر لا يشترط دينًا ولا جنسًا ولا لونًا ولا قالبًا واحدًا.

نرشح لك: الدين والجنس في المونديال!

بالتوازي؛ كشفت واقعة الشناوي أقنعة الكثيرين من مدعي التحضر، وأوقعتهم في تناقضات تشير بعمق إلى أنهم ليسوا أكثر من “إعلاميين” –اي يمارسون الحضور في وسائل الإعلام- ولكنهم لا يملكون فكرًا إنسانيًا حقيقيًا، يكرهون ويحبون علة محور الاختلاف أو التشابه معهم، بل ويتربصون بالمخالفين لهم في الفكر والدين والعقيدة، حتى لو أجادوا استخدام حقوقهم بشكل متحضر!

كذلك سلطت الواقعة خيط ضوء -على ضآلته- كان كفيلًا للتنبيه إلى مساحة شديدة التعقيد، تتعلق بالوزن الذي تمنحه مؤسسات ومنظمات كبرى تجارية أو اجتماعية، لشعوب العالمين العربي والإسلامي- ممثلين في مشجعي كرة القدم، تتمثل هذه المؤسسات في الشركة المعلنة الراعية لجائزة “رجل المبارة” التي لم تجد حرجًا في إزالة زجاجة الخمر من باقة الجائزة إذا تعارضت مع عقيدة أو أفكار الحاصل عليها، وكذلك في الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” التي وضعت هذا الشرط ضمن معاييرها للمستقبل. فللشركات والمنظمات والمؤسسات الدولية ثقافاتها كذلك التي تستحق الدرس والتأمل والتحليل. ولقناعات الشعوب وثقافتها ومبادئها أهميتها وقدرتها على التأثير إذا تمت بشكل متحضر ومن دون تقليل من شأن المخالفين.

ما أجمل أن نمارس قناعاتنا برضا وهدوء وتحضر من دون خجل، ومن دون “شو إعلامي” والأهم من دون فرضها على أحد، وهل يحتاج عمران الكون إلى أكثر من تلك المعادلة البسيطة؟