محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. المذيع الذي قَتَل!

(السطور التالية من واقع تقارير أعدها الكاتب عن حادثة حقيقية وقعت صيف 2010 مع قليل من التصرف)

“هي الدنيا إيه غير ليلة زي الليلة، الليلة….” دندن المذيع مع صوت الست، ليل القاهرة كان قد انتصف منذ أكثر من ساعة، يحب هو شيفت العمل الذي ينتهي بنشرة الثانية عشر مساءً ليستمتع أثناء خروجه بعدها بروعة النيل وسحر الليل، وهدوء الشوارع، لكن إحساسه اليوم مختلف، إنه يشعر بداخله بنشوة غريبة لا يعرف سببها، هل هو نسيم ليل يوليو الرقيق الذي حرك مشاعره، أم تراه خبر الجريمة الذي قرأه منذ دقائق في متن النشرة عن عامل المصنع الذي قتل ستة من زملائه هو الذي جعله يرى الحياة هينة ولا تستحق العناء.

عادت به الذاكرة تسع سنوات مضت، تذكر زوجته الأولى زميلة عمله، كانا متشابهين في كل شيء، أحبها كثيرا، وأخطأ في حقها أكثر، ربما خدعته الشهرة، أو غرّه ملاحقة المعجبة المجنونة، أراد أن يستمتع بالنزوة معها، ولم يتخيل أبدا أن تتسارع وتيرة الأحداث وتخرج عن السيطرة بتلك السرعة، ليجد نفسه في غضون شهور قد طلق زوجته وابتعد عن عائلته وتزوج  المعجبة المجنونة التي لا تشبهه في أي شيء.

من منهما يا ترى كان ضحية الآخر؟ هل استغل هو إعجاب امرأة ثرية من محيط شعبي ليستفيد بهداياها الغالية ويستمتع بمكالماتها الساخنة حتى علقها به إلى حد الجنون الذي دفع هو نفسه ثمنه، أم تراها هي التي استغلت نزوته كرجل لتوقع به في شباكها وتورطه في علاقة تخرب بيته لتصبح  هي في النهاية زوجة المذيع؟، “انت نايم ولا سكران فوق جاتك داهية” قالها سائق تاكسي وهو يمر بجوار سيارة المذيع الذي كان على وشك الاصطدام بالتاكسي.

تدارك المذيع الموقف واستقام بسيارته في الحارة اليسرى من شارع الهرم الذي كانت السيارات تقطعه بمنتهى السرعة، وقال لنفسه “التفكير في الماضي حيقتلني، اللي حصل حصل وإذا كنت خسرت حياتي اللي فاتت وضيعت الماضي، فالعقل يقول أقبل حياتي الحالية بحلوها ومرها علشان اكسب المستقبل”. 

من شارع الهرم انعطف المذيع إلى نزلة السمان، وخلال دقيقتين كان أمام مطحنة البن، التي تمتلكها المعجبة، وتملك فوقها شقة أصبحت منزل الزوجية بعد زواجها من المذيع، الذي ركن سيارته بعيدًا عن مطحنة البن، ونزل من السيارة مسرعًا إلى داخل العمارة، فهو لا يحب أن يراه الناس أثناء الدخول والخروج لسبب لا يعرفه أو لا يريد أن يصارح نفسه به. 

نرشح لك : محمد حكيم يكتب: أنا مريض بـ”النضج”!!

فتح المذيع باب الشقة، فوجد زوجته، التي استقبلته بود وسألت: “انت مش قلتلي حتاخد شفت طول الليل وحترجع بكرة الصبح؟”.

المذيع: مفيش بس زميلي اللي كنت حبات مكانه، اتعدلت ظروفه وجه الشغل، فرجعت ولا أروح أبات هناك؟

“لا طبعا يا حبيبي، أصل أنا قلت لأختي وبنتها يباتوا معايا بس خلاص حخش اقولها تروح ونسهر أنا وانت” قالتها  الزوجة وهي تقترب من زوجها لتحتضنه، ثم صرخت فجاة:
 
“ايه ريحت البرفان الحريمي دي؟ أنت كنت مع مين، وكنت سهران فين؟”

 

المذيع: “ريحة إيه تلاقيها ريحة زميلتي اللي كانت بتقرأ النشرة معايا، ولا ريحة بتاعة المكياج”.

 “بتاعة للمكياج برده، انت فاكرني عبيطة” 

على الصوت المرتفع جاءت من المطبخ شقيقة الزوجة وابنتها:
 
 “في ايه يا جي جي، مالك يا بوب، حصل إيه؟ ما تستهدوا بالله”
 

الزوجة: البيه كان سهران مع واحدة مومس من اللي يعرفهم، وقايلي حيبات في الشغل، وجاي يحور علي، وما خدش باله ان البرفان بتاعها مغرق هدومه، مش عاوز يبطل زبالة، عشان هو زبالة”

المذيع: “فعلا أنا زبالة عشان اتجوزت واحدة بيئة زيك، تربية شوارع وأسواق”، قالها بينما كانت شقيقة زوجته وابنتها تسحبان الزوجة إلى غرفة النوم في محاولة لإنهاء المشاجرة.

لكن الزوجة من داخل الغرفة أكملت: “سامعة الواطي بيقول عليّ إيه؟ أنا اللي بصرف عليه ومعيشاه عيشة أهله ما يحلموش بيها”، فتحت دولاب الملابس، “شوفي الدولاب ده كله من خيري أنا، البدلة دي ب 5000 جنيه، ما كانش يحلم يلبسها، والقميص ده ..”، بينما كانت تسحب قميصًا من أحد أرفف الدولاب وقبل أن تكمل كلامها دخل المذيع إلى غرفة النوم غاضب: “لو ما خرستيش حقتلك”

على رف الدولاب، أسفل القميص الذي كانت الزوجة تجذبه وتقول”القميص الحرير تمنه بمرتب شهر أنا جبتهوله”، لمح المذيع طرف مسدس والده الذي كان يعمل مأمور شرطه قبل وفاته، ولا يعرف لماذا شعر أن والده يتابع إهانات زوجته وشتائمها، وينتظر رده”.

المذيع سحب المسدس ووجهه نحو زوجته: قلتك اخرسي ولا حقتلك.
 

الزوجة: ما تقدرش تعمل حاجة لو راجل اضرب.

مدير الاخبار: “الو يا حكيم، تخيل زميلنا المذيع الهادي قتل مراته، انزل بسرعة هو ساكن جنبك في الهرم”.

انا: “لا إله الا الله، ده انا لسه شايفه امبارح في النشرة كان بيقرأ خبر قتل عامل لزملائه، ايه اللي حصل في الدنيا، عموما أنا نازل حالا”.