محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. رمضان وسجن النسا

ما أن عبرت باب دخوله، حتى انقبض قلبي، فأنا الآن داخل سجن القناطر.

صحيح أنني في مهمة عمل لكن أسوار السجن الشاهقة ونوافذه المصمتة تلقي في نفسك كآبتها العميقة حتى وأنت تدرك أنك مجرد زائر ستغادر السجن بعد ساعات، فكيف يا ترى هو حال هؤلاء النساء اللاتي كتب عليهن البقاء هنا في السجن لسنوات.

“أهلا بيكم في سجن النسا بالقناطر” قالها مأمور السجن ثم استطرد قائلا: “في العادي يسمح لأهلية السجينات بزيارتهم مرة كل ١٥ يوم، ونحن بمناسبة ذكرى العاشر من رمضان نسمح لهم بزيارة استثنائية إضافية لا تخصم من رصيد الزيارات، ولتغطية هذا الخبر سيسمح لحضراتكم مراسلين وصحفيين بإجراء لقاءات مع السجينات وذويهم وبعض قيادات السجن، اتفضلوا ابدأوا”.

نرشح لك : محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. رمضان وذكرى الدويقة

انطلق المراسلون يسجلون اللقاءات مع السجينات وذويهم، بينما سألت أنا نفسي، كم مشاهد يا ترى سيهتم بمتابعة تقرير عن هذة الزيارة الاستثنائية، وهل يستطيع المراسل التليفزيوني أن يكسب تقرير كهذا طابعا جماهيريا؟

بينما كانت هذة الأفكار تجول بخاطري بدت هي لي من خلف قضبان السجن، خمسينية العمر، حزينة الوجه، تتابع بترقب الزائرين وهم يعبرون باب دخول ساحة الزيارة، وما إن ظهر بينهم أولادها الثلاثة حتى ابتهج وجهها ولمعت عيناها، واستقبلتهم بالأحضان الحارة.

“اسمي كريمة، عندي ٥٥ سنة، محكوم علي بـ ٣ سنين سجن في قضية شيكات، قضيت منهم سنة وربنا يهون الباقي، ليالي السجن طويلة قوي ما بيهونهاش غير الزيارة كل أسبوعين.

تعرف حضرتك أنا بقضي ليالي الأسبوع الأول كله افكر في الكلام اللي قالوه العيال في الزيارة، وبقضي ليالي الأسبوع التاني احضر الكلام والأسئلة اللي هقولهالهم في الزيارة الجاية، وهم كمان عيالي و الله بيعدوا الأيام والساعات لحد ميعاد الزيارة كل أسبوعين، عشان كده لما عرفت إن في زيارة إضافية عشان ذكرى أكتوبر فرحت قوي قوي، بصراحة قبل كده كانت الذكرى بتعدي علي من غير ما احس بيها، لكن المرة دي استنيتها بالدقيقة.”

أنهت كريمة حديثها أمام الكاميرا، ثم وقفت أنا أمامها لتسجيل ختام التقرير _الاستاند ابر_ كان يفترض أن اتحدث فيه عن الزيارة الاستثنائية و عدد المستفيدين منها، لكنني وبمجرد ما أضاءت لمبة التسجيل الحمراء وجدتني أقول

 ” في الوقت الذي يعد فيه أبناء كريمة  الساعات في انتظار زيارة أمهم السجينة مرة كل اسبوعين أو في الزيارة الاستثنائية، تمر علينا نحن الذين ننعم بالحرية الأسابيع والشهور أحيانا دون أن نزور أمهاتنا،، فعلا الحرية نعمة لا يشعر بها إلا من حرم منها”.

زوروا أمهاتكم وآبائكم، فلا أحد يعرف ماذا تحمل الأيام..