رائد عزاز يكتب: أخطاء الحكام.. حلال أم حرام؟

عندما يتجمع أنصار الفريقين لمتابعة أحداث المباراة عبر الشاشات أو من داخل المدرجات، تجدهم لا يتفقون أبدا على شيء سوى كراهية ذلك الرجل الذي يقف وحيدا على أرض الملعب دون سند أو مساندة؛ المهزومون يؤكدون أنهم تعثروا نتيجه تعنته ضدهم والفائزون يجزمون أنهم ربحوا رغما عنه، أما المتعصبون فيعتبرونه سببا لكل النكبات والخسائر والتعادلات.. إنه حكم الساحة الذي تلاحقه دائما وأبدا اتهامات بالانحياز والرشوة وربما العمى أيضا، إذا شاء حظه التعس أن لا يحتسب مخالفة لم يلحظها هو أو غيره من ملايين المشاهدين إلا عند إعادة اللقطة بالتصوير التليفزيوني البطيء من زوايا مختلفة.

لا ننكر أن عددا من أصحاب هذه المهنة لا يمتلك الموهبة المطلوبة؛ ولا نخفي أن بعضهم يتعمد التلاعب بالنتائج، لكن هل ينطبق ذلك عليهم جميعا؟ سأستعرض معكم أبرز الصعوبات والضغوطات التي يواجهها أفراد تلك الفئة الأكثر تعرضا للظلم في منظومة كرة القدم، راجيا أن تحكموا عليهم بعقولكم قبل أن تحاكموهم بألسنتكم:

أولا: مطلوب من الحكم أن يتخذ القرار الصحيح في جزء من الثانية بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى مثل أن تكون زاوية الرؤية غير متاحة له بصورة جيدة أو تكون اللعبة ملتبسة نظرا لتزاحم اللاعبين وتدافعهم نحو الكرة بعشوائية تختلط فيها الأقدام والألوان بشكل يستحيل معه تحديد البادئ بالخطأ.

ثانيا: كل العناصر المتنافسة داخل الميدان تستطيع الكف عن الجري بين الحين والآخر من أجل الراحة والتقاط الأنفاس؛ أما هو فمكتوب عليه الركض في كل مكان طالما اللعب مستمرا ولا يسمح له بالتوقف حتى لشرب المياه أو تجفيف عرقه؛ ورغم ذلك نطالبه بالحفاظ على هدوئه وحسن هندامه!

ثالثا: الشهرة الإعلامية التي ينالها تكون غالبا سلبية حيث إن الأضواء لا تسلط عليه إلا عند ارتكابه هفوة فادحة أو بسبب وجود شيء غريب في شكله مثل الإيطالي كولينا، لكن إذا كانت هيئته عادية وأدى دوره على أكمل وجه فلن يلتفت إليه أحد وسيكون محظوظا إذا كتبت عنه بضعة سطور.

رابعا: صعوبة مهمته تتمثل في ضرورة فرض سيطرته وشخصيته على 22 شابا معظمهم ينتمي لفئة المراهقين ويندرج تحت بند أصحاب الملايين الذين يرفضون غالبا الانصياع للأوامر خصوصا لو كانت صادرة من شخص يرونه أقل منهم مالا وجاها؛ هذا هو التحدي الأكبر الذي يلاقيه على أرض الواقع.

خامسا: المتفرجون يسامحون المدرب إذا أخطأ في وضع التشكيل أو اختيار البديل، ويغفرون للمهاجم حين يضيع فرصا محققة ثم يسجل بعدها هدفا ربما جاء بمساعدة الحظ، لكن من المستحيل عليهم أن ينسوا هفوة حكم احتسب مرة ضد فريقهم تسللا غير صحيح أو فاول مشكوك في شرعيته.

سادسا: ننتقده إذا تغاضى عن إشهار البطاقة الصفراء أو الحمراء في وجه أحد المنافسين، لكننا ننسى أنه بشر مثلنا بداخله عاطفة اسمها الرحمة وصفة عنوانها التردد وقت الاضطرار لتوقيع عقوبة قاسية. ندعوه أن يكون قويا متجبرا حينما يكون القرار في صالحنا و أن يصير رؤوفا رحيما إذا حدث العكس.

سابعا: عندما يخطئ تنهال عليه اللعنات والإهانات من كل الجمهور الذي يتحول وقتها صغيره قبل كبيره إلى عالم في قانون الكرة وخبير في فن التحليل التحكيمي! لو تعرض واحد منا لنفس الموقف لربما ألقى الصافرة على الأرض وهرب من الملعب على طريقة أبو العربي في الفيلم الكوميدي الشهير.

ثامنا: الحكام المحليون لم يجدوا من يصد عنهم الهجمات الشرسة والاتهامات الصريحة التي طالتهم من أعضاء بارزين في مجالس إدارات الأندية الكبري، بل إن عصام عبد الفتاح -الرئيس السابق للجنة الحكام- كان يفند أداءهم على الشاشات مما أسهم بشكل مباشر في كسر هيبتهم و تهميش حصانتهم.

تاسعا: القاضي الشرعي يأخذ وقته كاملا في دراسة الحيثيات وسماع المرافعات وعقد المشاورات قبل أن يصدر الأحكام التي يمكن تعديلها وإلغاؤها عند عرض الواقعة أمام دوائر الاستئناف، أما قاضي الملاعب فقراره يجب أن يكون نهائيا في التو واللحظة دون أن تتاح له فرصة إعادة التفكير والتقدير.

الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) نشر مؤخرا على موقعه الرسمي، تقريرا قال فيه إن بدايات ظهور اللعبة لم تشهد وجود حكم، حيث كانت الخلافات التي تحدث على البساط الأخضر تحل بواسطة قائدي الفريقين، لكن مع ازدياد حدة المنافسات ارتفعت نسبة الاحتجاجات، فبدأ التفكير في تعيين شخص محايد يتواجد بين اللاعبين بغية الفصل بينهم. مع انطلاق أول نسخة من كأس أنجلترا تم اعتماد محكمان؛ واحد لكل فريق، مع وجود ثالث يقف خارج الخطوط لاحتساب الوقت وإبداء الرأي إذا لم يتفق زميليه على قرار موحد. لكن كل ذلك تغير عام 1891 حين قرر المسؤولون تنصيب طاقم تحكيم رسمي لكل مواجهة كروية، يقوده حكم الساحة الذي يمتلك كافة الصلاحيات لإدارة الأمور وفقا للقواعد المعمول بها وقتها، ويعاونه مساعدان يحملان الرايات للإشارة إلى التسللات والمخالفات التي تحدث بالقرب منهما على أن تكون أراؤهما استشارية غير ملزمة.

عنوان المقال يسأل: هل أخطاء الحكام حلال أم حرام؟ الإجابة هي: حلال إذا كانت عفوية وحرام لو وقعت بسوء نية!