حسين عثمان يكتب: طاقات كاجوال وعقول فورمال

قرار الدكتور علي حجازي مساعد وزير الصحة ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي، بإقالة الدكتور محمد يحيى مدير مستشفى التأمين الصحي ببني سويف أول أمس، على أثر حضور الأخير للاجتماع مع الأول ضمن مجموعة من مديري مستشفيات التأمين الصحي بعدة محافظات، وهو يرتدي جاكيت كاجوال وبنطلون جينز، يكشف من جديد أزمة تواصل الأجيال المزمنة في المجتمع المصري، وعدم قدرة أجيال الوسط والكبار، على احتواء الشباب أو التفاعل معهم، حتى يؤدوا واجبهم في الدفع بهم إلى الأمام، ولا يؤكد ما نقول، إلا ما يحمله سياق الأزمة من تناقض واضح، في سلوك رئيس هيئة التأمين الصحي، وارتباك مقومات القيادة في شخصه.

نرشح لك – شاهد: إقالة مدير مستشفى التأمين الصحي بسبب “جاكيت كاجوال”

وأصل الموضوع، أن وزارة الصحة مشكورة، تنظم دورة لإعداد القادة، خُد بالك، إعداد القادة، بمعنى أنها تتفاءل بكوادر شابة تعمل بهيئاتها التابعة، فتعمل على تأهيلهم ليكونوا قادة محترفين، فكان أن قامت الهيئة العامة للتأمين الصحي، بترشيح سبعة عشر طبيباً شاباً من مديري مستشفيات التأمين الصحي بمختلف المحافظات لحضور الدورة، ودعاهم الدكتور علي حجازي رئيس الهيئة للاجتماع بهم في القاهرة، ومن بينهم الدكتور محمد يحيى مدير مستشفى بني سويف المُقال، فما كان من رئيس الهيئة بمجرد دخوله القاعة، إلا أن أصدر قراره الفوري بإقالته من منصبه بسبب ارتدائه الملابس الكاجوال، وبعد أن وبخه قائلاً: “انت مش عارف انت جاي تقابل مين؟!”.

بعض النقاط على بعض الحروف تعطي هنا الجملة المفيدة، من أهم مقومات القيادة، وهي في تقديري أهمها على الإطلاق، تقدير العنصر البشري، والإيمان بأن تعظيم قدراته، والعمل على تطوير كفاءاته الشخصية والمهنية، جميعها يمثل المدخل الرئيسي لتحقيق أي نجاح وكل تقدم، والقائد الحقيقي لا يفرح كما يفرح بوجود قادة صغار حوله، يرى فيهم مستقبلاً مكملاً لمسيرته، وطاقة يجدد بها حياته، فيحرص كل الحرص على نقل ما حصله من معارف وخبرات ومهارات إليهم، ولا يغيب عنه الرفق في التعامل معهم، وإن قسى عليهم عند الخطأ، فإن كان الجميع يخطيء، فلا يكبر مع مرور الوقت، إلا من يتعلم من أخطائه فلا يكررها.

خطأ قائد شاب كالدكتور محمد يحيى وارد، ولكن أتى الدكتور على حجازي بما لا يجب أن يصدر عن قائد حقيقي، وهو ما نعنيه بارتباك مقومات القيادة داخله، فسلوكه لم يكن إلا سلوك إهانة، مارسه بكِبر، وفي موقف لم يكن يستحق إلا التوجيه برفق، الاحترافية تفرض على الكبار التعليم والتدريب والمتابعة والتوجيه ولفت النظر وتوقيع الجزاء، قبل أن يأخذوا برقاب الصغار إلى مقصلة الفصل، لم نُولَد نعرف تقاليد حضور الاجتماعات والمناسبات، ومن بينها ارتداء الملابس الرسمية أو الفورمال، وتعلمناها على أيدي كبار كان لنا حظ العمل معهم، وصبروا وأصروا حتى تأصل السلوك داخلنا، وصار للأمر سياسة خاصة في الأوساط المهنية المحترفة.

كم يتقاضى الدكتور محمد يحيى وزملاؤه من رواتب وحوافز وخلافه حتى نلزمهم بارتداء الملابس الرسمية؟!.. وما الإمكانيات التي توفرها لهم هيئة التأمين الصحي في المحافظات التي يعملون بها حتى يقوموا بأعمالهم على أكمل وجه؟!.. وكيف ينتقلون وقت السفر من مواقعهم في المحافظات لحضور اجتماعات الهيئة بالقاهرة؟!.. بعض أسئلة يفرضها المنطق حين تُطالع المشهد بالكامل، فقه الأولويات لا يزال يغيب عن معظم المسئولين في مختلف المواقع الحكومية، فحين تؤكد جريدة فيتو أن الديون المتراكمة على هيئة التأمين الصحي لصالح المستشفيات الخاصة، تحرم 52 مليون مواطن من العلاج على نفقة التأمين الصحي، لا تملك إلا الضحك حتى البكاء من قرار إقالة يحيى!!.