محمد إبراهيم طعيمة يكتب: عباس العقاد وداوود عبد السيد وبينهما "جوهرة"

قرأت قبل فترة عن قصة غريبة حدثت بشكل غير مباشر بين عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد، وبين الفنان الكوميدي محمود شكوكو، حيث سأل أحد الصحفيين العقاد ذات مرة: من أشهر.. أنت أم محمود شكوكو؟! فرد العقاد مستغربًا: من محمود شكوكو؟!.

كان ممكن أن تنتهي القصة على ذلك غير أن الصحفي وجدها فرصة لعمل موضوع شيق يحقق به خبطة صحفية طرفاها نجمًا في منطقته، فذهب الصحفي إلي شكوكو الذي كان نجمًا سينمائيًا كبيرًا في هذا التوقيت، وقال له عندما سألت العقاد من الأشهر أنت أم هو فاستنكرك وقال: من محمود شكوكو؟! فاستشاط شكوكو غضبًا – وهذا حقه -، وقرر أن يرد فقال للصحفي: اذهب إلي العقاد وقل له: “شكوكو بيقولك انزل ميدان التحرير واقف علي رصيف وينزل هوّ ويقف علي الرصيف المقابل، وشوف مين اللي الناس هتتلم عليه”؟!.

نقل الصحفي الرسالة إلي الأديب الكبير الذي جاء رده بسيطًا ولكنه كما نقول الآن “قصف جبهة”، فقال للصحفي: “قول لشكوكو ينزل ميدان التحرير ويقف علي رصيف ويخلّي واحدة رقاصة عريانة تقف علي الرصيف التاني ويشوف الناس هاتتلم علي مين أكتر”؟!.

نرشح لك – د.سمير محمود يكتب: في قلب عمان

هذا الموقف المحزن المفرح تذكرته ليلة أمس وأنا أتابع تهافت المواقع والصحف على نشر أخبار الراقصة جوهرة التي تم القبض عليها من قِبل شرطة الآداب لقيامها بالرقص ببدلة مخالفة للمواصفات ودون ارتداء “شورت” أسفل البدلة، لتصبح هذه الجوهرة حديث الشارع المصري والسوشيال ميديا التي تسابقت لنشر صورها مرة أمام الأهرامات ومرة وهي ترقص، لدرجة أن البعض أطلق هاشتاج الحرية لجوهرة، خوفًا على السياحة.

الغريب أن كل هذا يأتي في نفس الوقت الذي تقدم فيه محام ببلاغ للنائب العام يتهم المخرج الكبير داوود عبدالسيد بمحاولته قلب نظام الحكم والإضرار بالاقتصاد والأمن القومي المصري، فقط لأنه قال إنه لن يصوّت في الانتخابات الرئاسية القادمة، والأغرب أن الجميع – إلا من رحم ربي-، لم يحاول أن يكتب عن داوود أو أن يوضح أن هذا حقه القانوني والدستوري الذي كفل له حرية الرأي والتعبير.

حالة العقاد مع شكوكو هي نفسها حالة داوود مع جوهرة، فالعقاد وداوود حالة استثنائية في تاريخ الفكر والثقافة والأدب المصري، الأول قدم عشرات الأعمال التي رسخت للأدب المصري ويكفيه سلسلة “العبقريات” بأجزائها المختلفة، والثاني هو الآخر قدم عشرات الأعمال التي زانت بها السينما المصرية ويكفيه “الكيت كات” و”أرض الخوف” و”رسائل البحر”.

وحتى لا يُفهم كلامي بطريقة خاطئة فأنا لا أقصد إطلاقًا التقليل من الفنان محمود شكوكو الذي أمتعنا بنكاته واسكتشاته ومونولوجاته التي قدمها في أعماله السينمائية أو الإذاعية أو المسرحية، ولكني استشهد فقط بموقف الراقصة وكيف أن لديها القدرة الكبيرة على جمع الناس حولها وإبعادهم عن المثقف الذي يحمل فكرًا وإبداعًا وحتى الفنان الحقيقي.

يا سادة.. إن محاولات إبعاد الناس عن مفكريهم ومبدعيهم أمثال عباس محمود العقاد، الذي لم يتعلم في أي مدرسة، وعلّم نفسه بنفسه حتى أصبح واحدًا من أهم المفكرين المصريين الذين عرّفوا العالم كله بمصر وثقافتها وبالدين الإسلامي وثوابته وشخصياته، أو عن داوود عبدالسيد بما قدمه من فكر وثقافة في أعماله الفنية التسجيلية والروائية، لهو أمر خطير، حيث سينشأ جيل مثله الأعلى وقدوته في الحياة الفنانة المناضلة جوهرة ومن على شاكلتها، يا سادة.. استقيموا يرحمكم الله.