مديحة كامل.. رابعة العدوية من القمة إلى الاعتزال

أسماء شكري

ربما لم يخطر ببالها وهي تجسد شخصية رابعة العدوية بالحجاب على مسرح المدرسة، أنها سوف تأخذ في أواخر حياتها نفس الإتجاه من الزهد والبعد عن الأضواء وترك الحياة الصاخبة، لتشاء الأقدار أن تكون آخر سنوات حياتها تشبه إلى حد كبير آخر سنوات في حياة أول شخصية مثلتها.

مديحة كامل، التي تحل ذكرى وفاتها العشرين اليوم 13 يناير، بعد حياة فنية امتدت لثلاثين عامًا، حافلة بالنجاحات والتكريمات وحب الجمهور، لتقرر بعدها ارتداء الحجاب والاعتزال في صمت تام وهدوء شديد، وسط صدمة المحيطين بها خاصة من الوسط الفني، لتختار أن تعيش آخر أربع سنوات من حياتها في منزلها بحي العجوزة، برفقة ابنتها الوحيدة “ميريهان” و زوج ابنتها.

نرشح لك: 8 حكايات عن حسين رياض.. أشهر أب في السينما المصرية

طلاق مبكر

ولدت “كامل”في 3 أغسطس سنة 1948 بالإسكندرية، التي قضت فيها أوائل سنوات حياتها، حتى انفصال والداها، وانتقالها مع والدتها للعيش في القاهرة، لتلتحق فيها بالدراسة الثانوية، ولتعمل كعارضة أزياء في بداية حياتها، ومع رفض عائلتها في بداية الأمر احترافها الفن، قرروا تزويجها في سن مبكرة، من شخص يكبرها بما يقرب من الخمسة عشر عامًا، فوافقت “كامل” بعد أن وعدها بالعمل في الفن، وأنجبت منه ابنتها “ميريهان”، ليقع الطلاق بعد أعوام قليلة بسبب غيرته عليها، وعدم تقبله لنجاحها المتزايد في السينما، ولفكرة استمرارها كممثلة، ليخيّرها بين حياتها معه وبين الفن، لتختار الفن.

اكتشاف سمير غانم

لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في حياة “كامل”، خاصة في دخولها عالم الفن، فقد لا يعلم الكثير أن السبب في اكتشافها هو الفنان سمير غانم، والذي يروي قصة معرفته بها، بأنه كان قد رآها تسير في أحد شوارع الإسكندرية، مرتدية الزي المدرسي وحاملة كتبها، ليلفت نظره جمالها الساحر “كما يقول”، فيعرض عليها العمل معه في فرقة التمثيل بكلية الزراعة “التي هو طالب فيها”، لتحقق نجاحًا باهرًا وتتفوق على ممثلات باقي الفرق، ومن هنا بدأ ولعها بالتمثيل.

الانتشار أولًا

وللمرة الثانية تلعب الصدفة دورًا أهم في حياتها، عندما قابلت المخرج أحمد ضياء الدين في المصعد، فعرض عليها العمل في السينما، لتقدم معه أول أفلامها “فتاة شاذة” في عام 1964، وبعدها مجموعة من الأدوار الثانوية، حققت لها الانتشار.

وتحكي “كامل” عن هذه الفترة، وكانت قد أتمت الخمس سنوات في العمل بالسينما، قدمت فيهم 45 فيلمًا، قائلة إن مرحلة الإنتشار تعتبر مرحلة مهمة جدًا في بداية أى فنان، ورغم ما لها من مساويء، من سوء إختيار وكثرة عدد الأعمال دون تخطيط أو تنظيم، إلا أنها تعتبرها مرحلة مهمة جدًا للفنان، لأنها السبب في أن يعرفه الجمهور، موضحة أنها تخطت هذه المرحلة لتبدأ مرحلة جديدة صعبة، وهي مرحلة الاختيار.

اعتزال الحب من أجل الفن

“مديحة” الفنانة التي تميزت بأدوار الفتاة الجميلة الرقيقة، التي تلفت الأنظار بجمالها الهاديء، ويتهافت عليها الشباب، لم تكن تؤمن بالحب كثيرًا في حياتها الشخصية، بل وتعترف في أحد لقاءاتها التليفزيونية في أوائل سنوات عملها بالفن، بأن الحب يتعارض مع الذكاء، قائلة: “أنا لما بحب بسخّر كل حاجة في للحب وما بعرفش اشتغل، واكتشفت بعد عدة تجارب لي في الحب، أن مهما كان الحب قوي، فحبي لفني وعملي أقوى”. وعندما استنكر المذيع رأيها موضحًا أن الإنسان الذي يعيش حالة حب يلمع ذكائه، أجابته دون تردد: “إطلاقًا” مستطردة: “أنا ما بعرفش أخدم (سيّدين)، فأنا اعتبر الفن هو (سيّدى)، وكذلك الحبيب (سيّدي)”.

في لحظة جرأة ربما تصدم الجميع، تعترف “كامل” بأنها ليست متزنة وهوائية جدًا، قائلة: “أنا حسّاسة وعاطفية ومتطرفة في مشاعري جدًا، ما عنديش أنصاف حلول، لا في حياتي ولا علاقاتي ولا أحاسيسي، ما ليش ترمومتر.. ويمكن لو كان لي ترمومتر كنت ما نجحتش كفنانة، لأنى أرى أن الفنان الحقيقي ما بيكونش ليه ترمومتر”.

عبلة الجاسوسة

قد يعتقد البعض أن طريق “كامل” في الفن كان سهلًا ومفروشًا بالورود، وأنها أصبحت نجمة في يوم وليلة، أو جاءتها الفرصة على طبق من فضة، كباقى نجمات جيلها وأشهرهم نجلاء فتحي ومرفت أمين، ولكن الواقع مغايرًا لذلك تمامًا، فقد ظلت ما يقرب من خمس عشرة سنة، تقدم أدوارًا سينمائية ما بين أدوار ثانوية مثل أفلام “العقل والمال، مطاردة غرامية،المراهقان” ودور ثاني مثل أفلام “أختي، حب وكبرياء،أغنية على الممر،30 يوم في السجن”، حتى جاءتها أول فرصة للبطولة في عام 1978 في فيلم “الصعود إلى الهاوية” لتؤدي شخصية عبلة “الجاسوسة”، ولهذا الفيلم قصة أخرى.

فقد رفضت آداء هذا الدور أشهر نجمات الصف الأول في تلك الفترة، مثل سعاد حسني ونجلاء فتحي ومرفت أمين ونيللي وشمس البارودي، ظنًّا منهم أن دور “جاسوسة” سيجعل الجمهور يكرههم، ويقلل من شعبيتهم، فذهب الدور لـ”مديحة” التي قبلته دون تردد، ليشهد انطلاقتها الحقيقية في السينما، وبداية تألقها كنجمة شباك، لتتوالى أدوار البطولة فيما بعد في عدة أفلام مثل الرغبة، والجحيم، وعذاب الحب، والعرّافة، وعندما يبكي الرجال، وشوارع من نار، والعفاريت،المزاج.

أسباب نجاحها

قد يتساءل البعض، كيف استطاعت “كامل” أن تلمع وتنجح بل وتصل للقمة، في وسط كل هؤلاء النجمات السابق ذكرهن؟ تجيب عن هذا السؤال الكاتبة والناقدة الفنية ماجدة خير الله، بأنها تكونت فنيًا بشكل صحيح، فقد مثلت للمسرح، وهو مدرسة هامة، فأفادها كثيرًا لأنه يتطلب حضورًا قويًا وذهنًا حاضرًا وجرأة مواجهة الجمهور مباشرةً، كما أنها كانت تتمتع بقدر كبير من الثقافة وحب الإطلاع، فكانت قارئة جيدة للمدارس المختلفة للمسرح، وللروايات العالمية والأدب، بالإضافة إلى أنها كانت غزيرة الاهتمامات، وتستطيع التحدث في مجالات كثيرة ومختلفة.

شبح الاعتزال بالرغم من النجاح

تجلّت موهبة “كامل” الكبيرة في التمثيل، من خلال تقديمها لأدوار مختلفة في السينما، فهي “الجاسوسة عبلة” في فيلم “الصعود إلى الهاوية”، و”ماما كريمة مذيعة الأطفال” في فيلم “العفاريت”، و”سامية الثائرة الوطنية” في فيلم “العرّافة”، و”سلوى الفتاة الرومانسية” في فيلم “بريق عينيك”.

وفي المسرح قدمت أعمالًا عديدة كان أهمها “هاللو شلبى” و”لعبة اسمها الفلوس” و”يوم عاصف جدًا”.

وقدمت للتليفزيون أعمالا عديدة هامة كان أشهرها، “الورطة، والأفعى، واللقاء الأخير، وينابيع النهر، والبشاير.

رغم كل النجاح الذي حققته “كامل”، ظلت تراودها فكرة الإعتزال وترك العمل الفني أكثر من مرة خلال مشوارها، وقامت بتنفيذها بالفعل لفترة قصيرة ثم تراجعت، وقد تحدثت عن سبب ذلك في حوار مع الإعلامي طارق حبيب، قائلة: “مشاعري والظروف المحيطة بي في ذلك الوقت خلّتنى أبعد واشتغل في أى حاجة تانية، فأنا بفهم في الديكور وتصميم الأزياء، فقررت وقتها العمل في أحدهما”.

https://www.youtube.com/watch?v=F3JKgff5Wzw

وفي 2 أبريل سنة 1992 قررت ارتداء الحجاب واعتزال الفن نهائيًا، وكانت وقتها تصور فيلم “بوابة إبليس”، وحاول مخرج الفيلم عادل الأعصر اقناعها بالعدول عن هذا القرار واستكمال تصوير الفيلم، ولكن دون جدوى، لدرجة أنه استكمل الفيلم بالإستعانة بـ”دوبليرة” لتؤدي باقي مشاهدها.

نهاية مختلفة

وفي 13 يناير سنة 1997 والذي وافق الرابع من شهر رمضان، توفيت مديحة كامل بمنزلها، بعد أن أدت صلاة الفجر جماعة مع ابنتها وزوج ابنتها، لتسدل الستار على حياة مليئة بالعمل والنجاح والتميز.