مروى جوهر تكتب: داعى السماء

هل من السهل أن تنغلق على نفسك ولا تتأثر بما يدور حولك من أحداث، ربما لا تتماشى مع عقيدتك أو أفكارك، ربما تثير الغثيان في كثير من الأوقات؟ فساد، مشكلة قمامة، مشكلة تعليم عتيقة، مشكلة صحة في حالة مزرية، غلاء فاحش تجاوبنا معه، مشكلات أخلاقية جديدة، فتاوى “دينية” لا أجد لها التعليق المناسب، دائرة مُغلقة تسحق فيها ما تبقى من عمرك الثمين، تعيش بنصف روح ونصف ذهن وجسد يعانى أمراض تعرفها أو لا تعرفها، لكن مع ذلك تهتم لكل التفاصيل على السوشيال ميديا في شغف، حتى الفن، وسيلة الترفيه الوحيدة التي من المفترض أن ترتقى بنا، ذهب كثير منها تحت القاع، هل تستطيع أن تلقى بكل هذا وراء ظهرك، تنغلق على نفسك وتعيش في سلام؟ الاجابة المؤلمة: لا.
 
 
المواقع الاجتماعية تحتوى على كثير من الطاقة السلبية، كثير من الهوجات التى يجب عليك قبل الاندفاع ورائها أن تفكر قليلا، مثل هوجات شيرين عبد الوهاب التي طالما تعمدتها وتركت الباقى للسوشيال ميديا تهتم للباقى في ذكاء، آراء كثيرة تمجد فلان وتطلعه سابع سماء، وفيديو أو تصريح يجيبه سابع أرض، وتنقسم الناس، شويه مع وشوية ضد، وتأتى هوجة شيرين رضا بداية من رأيها في الزواج والعزوبية وتمجيد الكثير لرأيها بناء على خيبات كثيرة بحياتهم، إنتهاء برأيها في صوت الآذان كما وصفته بالجعير في الفيديو الشهير، وأننا ننتظر يوم القيامة مع جرافك جهنم في الخلفية، وبعيدا عن معتقداتها الشخصية ومسألة السياحة وآراءها المختلفة، أو أسلوبها الصريح دون مراعاة لعقول لن تتسع لرؤية أخرى، الفيديو ذكرنى بواقعة حقيقية حدثت قبل انتشار السوشيال ميديا منذ أكثر من سبعة عشر عاما لأحد أقاربى، كان المسجد شبه ملاصق لبيت جدتى بأحد المحافظات، صوت الميكرفون عالى حد الفزع، لم نتضايق من الصوت على إزعاجه، لكن صوت المؤذن كان بشعا لا يطاق، لا يجعلك تلتفت الى ما ينادى اليه، انما الى بشاعته فقط، حتى أن الأطفال كانت تسد أذنها عند سماع صوته، لم يجرؤ أحد على الإعتراض، لأن الناس سوف تفسر الاعتراض على الآذان لا على الصوت، إلى أن انتفض أحد أفراد العائلة وخرج فجراً، عرفنا بعد ذلك أنه ذهب إلى المسجد وصلى، ثم نصح الإمام بهدوء ألا يؤذن أبدا لبشاعة صوته، فإذا كان صاحب علم فإنه مشكورا يستطيع أن يخطب الجمعة أو يُدرس ما تعلمه، وأوضح له أن الآذان يحتاج الى صوت يرق القلب معه ويحث الناس على الصلاة، هاجت الدنيا وكانت مشاجرة كبيرة، فضها بعض المصلين، فما كان من الرجل الا العناد والجعير بصوت أعلى، وما كان من قريبى الا أن توعده مرة وتشاجر معه مرات.
 
في هذا الزمن لم يفهم الناس قريبى هذا واعتبروه فاسق، الناس لا تعقل أن الثوابت لا نملك أن نختلف عليها، لا تستطيع شيرين رضا أو قريبى أو أي أحد أن يحتج على الآذان، ولا يستطيع أحد أن يشكك فى قوة ايمانهم من عدمها، إنما فقط المعايير التي يجب أن يُختار على أساسها المؤذن، تماما كما نفعل لأى وظيفة أخرى في كل المجالات، أليس انعدام المعايير التي تجاوزنا عنها عقود لكثير من الخطباء هو ما أوقعنا في إرهاب نحاربه الى الآن؟
 
لكنى تذكرت أيضا حلاوة صوت مؤذن في جزر المالديف، ولا أستطيع أن أنسى عذوبة صوت مؤذن بمسجد السيدة نفيسة ومسجد عمرو بن العاص، ونقاء صوت مؤذن فى أحد مساجد البحرين رغم إختلاف الآذان، وانتظار بعض الأصدقاء الأجانب لموعد الآذان لسماعه، وفى كتاب “داعى السماء” لعباس محمود العقاد أن إدوارد وليام لين صاحب كتاب (أحوال المصريين المحدثين وعاداتهم): “إن أصوات الآذان أخاذة جدا، ولا سيما في هدأة الليل، وقرأت عن كثير من المستشرقين والمتصوفين في وصف الآذان والأصوات، ولنقتدى بالرسول الكريم (ص)، فقد كان سيدنا “بلال بن رباح” مؤذن الرسول جميل الصوت والاحساس، فالآذان رسالة متحركة في الهواء، لابد معها من الخشوع والخضوع، فكيف نخشع إذا كان الصوت مُنفراً؟!
 
فإذا ما كنا نتحدث عن الأصوات المؤذية، نعم أؤيد إختيار الأصوات المؤذنة بشدة، تذكروا أنه نداء الرحمن للصلة معه، فيجب على أولى الأمر احترام الأمر.