سناء جميل.. "نسيبة المصريين" التي طردتها أسرتها بسبب الفن

أسماء بركة

إتقان العمل والنجاح فيه، أمر شاق، وضريبة مُتبادلة بين الطرفين، وإتقان عمل الفن “فن” لا يَملكه الكثير، وحتى ينجح الفنان يجب أن يكون لديه هدفا محددا، وإطارا يسعى لرسم سيرته الذاتية داخلة، بضوابط وقوانين من نشأته هو، لذلك كان للفنانة الراحلة سناء جميل وعي تجاه مسؤوليتها من أجل إيصال ذاتها الفنية والإنسانية لـ “بَرّ النجاح” البارز الدائم، ومن ضمن مبادئها تركيزها على العمل الفني الذي يتضمن معنى ورسالة مُحددة، واحترامها للنص ورفضها للارتجال والتزامها بكلمات وحروف النص وعدم التجويد عند تقديم الشخصيات، فهي ترى أنه لا يحق لها أن تتعدى على النص بأحاديث خاصة، وترى أن من أهم عوامل نجاحها هو صدق إحساسها، وإخلاصها، والتزامها بمواعيد العمل، كل ذلك وأكثر جعل لاسمها، وشخصها، وفنها احترامًا وتقديرًا طيلة حياتها وبعد رحيلها، وبذلك أصبحت “حبيبة ونسيبة كل المصريين” كما أحبت أن تتوج بهذا اللقب.

نرشح لك – كيف استعدت سناء جميل لمشهد “إحنا صغيرين أوي يا سيد”؟

وحدة الطفولة والنشأة

ولدت ثريا يوسف عطا الله، في 27 من أبريل 1930 بمحافظة المنيا، لأسرة قبطية صعيدية، ثم انتقلت مع أهلها للعيش بالقاهرة؛ فأودعها والديها في مدرسة داخلية لتتلقى تعليمها باللغة الفرنسية، وذلك منذ أن كانت في التاسعة من عمرها، ليختفي والديها بعدها إلى الأبد ولم تعلم عنهما شيء، ولم تكن تعرف من المقربين لها غير شقيقها وزوجته لتعيش معهم، حتى أنهت تعليمها الثانوي، لتولد بعده رغبة التحاقها بمعهد الفنون المسرحية، فقامت بتزوير أوراق التقديم للالتحاق بالمعهد بمساعدة “ابن الجيران”، ليعلم شقيقها فيما بعد ويقوم بطردها من منزله حتى تتراجع عن قرار دراستها ونيتها في التمثيل، فتُفضل قرارها وتتمسك به، ليكون سببا في القطيعة بينهما.

وفي لقاء نادر معها مع الإعلامية فريدة الزمر، تحدثت عن مشوارها الفني، وقالت إنه كان صعبا وشاقا، لأن أهلها كانوا رافضين عملها بالتمثيل، وتسبب ذلك في طردها من المنزل، وتلقت المساعدة من الفنان الراحل ذكي طليمات، عميد المعهد آنذاك، ومن المواقف الداعمة التي قدمها لها، إلحاقها بفرقة “المسرح الحديث” التي كوّنها، وإعطائها مبلغ 6 جنيهات راتبا شهريا لها، وتسكينها ببيت الطالبات، مع أخذ تصريح تأخير استثنائي لها، حتى تتمكن من إتمام بروفات وعروض المسرح حتى نهاية اليوم، لكنها بعد فترة قامت بالبحث عن وظيفة إضافية في مجال الخياطة والتطريز، نظير 6 حنيهات إضافية، ليكون إجمالي تحصيل راتبها الشهري 12 جنيهًا، فـ”التمثيل” و”الخياطة” موهبتان تملكتا من “عطا الله” جيدًا، وبذلك تمكنت من تأجير منزل مستقل بها في أرض شريف باشا، وتطرقت خلال حديثها مع “الزمر” إلى أن ما مرت به في بداية حياتها محنة شاقة، خاضتها دون إدراك أنها تجربة ستصنع منها إنسان، لذلك أصرت أن تبذل كل ما في وسعها لكي تُثبت لأهلها ما تؤمن به، وأن اتخاذ قرار “التمثيل” كان جادا بالنسبة لها.

نرشح لك – 5 حكايات من عمارة الإيموبيليا.. أبرزها إسلام ليلى مراد

 

اسم بديل للشهرة والتخفي

كانت بدايتها من خلال خشبة المسرح، وأكثر الأدوار التي قدمتها طيلة حياتها الفنية كانت للمسرح، عن السينما والتليفزيون، حيث قدمت 51 مسرحية، الغالبية العظمى منهم لم يتم تصويرهم، وأول دور فِعلي على خشبة المسرح أمام جمهور كبير، كان في مسرحية “الحجاج ابن يوسف”، وبعدها طلب منها ذكي طليمات تغيير اسمها، واختار لها اسم “سناء جميل”، وعلل ذلك أنه لا بد أن يكون لها اسم شُهرة فني، وتطرق أيضًا لرفض عائلتها الصعيدية لتمثيلها، فبتغيير اسمها لن يعرف منهم شيئا عنها، ولن يستطيع أحد إيذائها، فوافقت “ثريا” أن تحيا داخل سناء جميل للأبد.

نرشح لك – هناء الشوربجي.. بونبوناية “سابع جار”

في لقاء تليفزيوني على هامش مهرجان الإسكندرية عام 1993، قالت “جميل”، إنها “بتحس” الدور الذي تقوم بتجسيده؛ فتتخيل تصرفات وتحركات الشخصية، وتهتم بعامل الصدق في الأداء، وقول الحقيقة والتلقائية، فهما أسرع طريقة للوصول لقلب المتفرج.

لذلك كان من بين أدوارها، شخصيات بارزة، عرفها بها المصريون، فأنشأوا لها أكثر من بطاقة شخصية بأسماء ومهن مُختلفة، في بلد واحدة، فاستخرجوا لها بطاقة “نفيسة، فضة المعدواي، حفيظة، الهانم، أم سيد”، ونستعرض معكم بعض المواقف التي تتعلق بأهم أعمالها:

بداية ونهاية

عند البدء في اختيار فريق عمل فيلم “بداية ونهاية”، الذي عُرض عام 1960، من إخراج صلاح أبو سيف، وتأليف نجيب محفوظ، وحوار كامل عبد السلام، لم يقع الاختيار عليها ضمن فريق العمل، لكن بعدما اعتذرت الفنانة فاتن حمامة عن دور “نفيسة” التي تعمل فتاة ليل بدون علم أسرتها، أسند “أبو سيف” الدور إلى “جميل”، ليكون علامة مميزة وبداية انطلاق حقيقية لها في عالم السينما، وقد لاقت نجاحًا كبيرًا، حتى أنها في أثناء حضورها عرض الفيلم في السينمات داخل مصر وخارجها، كان ينهال عليها الجمهور بالهتاف “نفيسة.. نفيسة”، ويُحييها بالتصفيق الحاد، وقد تم ترشيح الفيلم لنيل جائزة مهرجان موسكو السينمائي الدولي عام 1961، و احتلت “جميل” المركز الثالث في جائزة أفضل ممثلة بين ممثلات العالم.

نرشح لك – “بنات” إعلام دوت أورج يكتبن عن “بنات” سابع جار

الزوجة الثانية

بعدما تواترت الأخبار ببدء الفنانة سناء جميل، التحضير لدور فلاحة في فيلم سينمائي، تابعها عدد من التساؤلات حول قدرة سناء جميل على القيام بدور “الفلاحة”، وخلعها رداء المرأة الأرستقراطية والبرجوازية، ليأتي عرض الفيلم في عام 1967، من إخراج صلاح أبو سيف، وتأليف أحمد رشدي صالح، ومحمد مصطفى سامي، ليجيب على تلك التساؤلات، فقد قامت “حفيظة” بإقناع الجمهور بأنها “فلاحة” منذ نشأتها، حتى اللهجة لم تتأثر باللغة الفرنسية أو اللغة العربية التي تُعيق “اللكنة”. فإحساسها بالدور، طغى ليُقنع الجمهور دون تمييز بين “سناء” وحفيظة”.

الراية البيضاء

قال الكاتب بلال فضل، في حلقة عرضها عن الفنانة سناء جميل في برنامجه “الموهوبون في الأرض”، إن مسلسل “الراية البيضا” ظل لفترة ممنوعا من العرض في التلفزيون المصري على الرغم من عرضه على شاشات التليفزيون العربي، ولاقى نجاحًا كبيرًا، مما شجّع الفنانة سناء جميل على المُبادرة بسؤال صفوت الشريف، في أحد احتفالات أكتوبر ، عن سبب منع الرقابة لـ”الراية البيضا”، لكنه أخبرها بأنه لا يعلم شيئا، ومن ثم أرسل للمخرج محمد فاضل، لمقابلته في مكتبه، ووافق على عرضه، خاصة مع عدم وجود أي سبب لمنعه رقابيًا، ورغم تخوفها من مُقابلة الدور بالاستياء والغضب من فئة المثقفين والمحافظين، إلا أنها حققت نجاحًا غير متوقع، تسبب في عرض المزيد من الأعمال عليها فيما بعد، وعُرفت بجملتها الشهيرة “ولا يا حموو.. التمساحه ياللا” التي تبدأ بها فضة المعداوي في تتر البداية للمسلسل، الذي عُرض عام 1988، من إخراج محمد فاضل، وتأليف أسامة أنور عكاشة.

نرشح لك – نجلاء فتحي.. في عيد ميلاد “ملكة الضحك والابتسامات”

حبيبة المصريين والنمر الأسود

كان من أمنيات سناء جميل، تجسيد عمل فني مع النمر الأسود أحمد زكي، هدتها أمنيتها، لمهاتفة “زكي” للاتفاق على عمل يجمعهما سويًا، ليرسل لها بعدها سيناريو لفيلمين متتاليين، أولهما “سواق الهانم” الذي عُرض عام 1994، من إخراج حسن إبراهيم، وتأليف يوسف جوهر، وجسدت فيه سناء دور لطيفة هانم، المُتكبرة المتسلطة، من سلالة الأسرة المالكة، التي تعيش على أنقاض الماضي، وتدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي يجمع بينها وبين سائقها حسن، الذي يقوم ببطولته أحمد ذكي

أما فيلم “اضحك الصورة تطلع حلوة” الذي عُرض عام 1998،من إخراج شريف عرفة، وتأليف وحيد حامد، هو آخر أعمالها السينمائية، فكان لقيامها بدور الأم لـ”سيد” الذي لعب دوره أحمد ذكي، وجدة لـ”تهاني” التي لعبت دورها منى ذكي، أثر قوي في صدقها، وتلقائيتها، وواقعيتها، ومن أشهر جملها بالفيلم “ده إحنا صغيرين أو يا سيد”، التي ظلت تُرددها أمام المرآه عدة مرات حتى وصلت للنبرة، والصوت التي تُحب، ليُصدقها الجمهور، ويُصدق إحساسها.

https://www.youtube.com/watch?v=vjYkkKKO5-M

 

شريكة الحب والحياة

“سناء رغم رحيلك.. كل شيء حولي يذكرني بكِ.. لن أنساكِ يا حبيبتي.. سأظل على عهدي معكِ.. لن أتخلى عنكِ أبدًا”، هكذا قال الكاتب الصحفي لويس جريس، عن حبيبته وزوجته الراحلة سناء جميل، في تقرير أذاعة الإعلامي معتز الدمرداش، في برنامج “90 دقيقة”، عندما كان يُقدمه على شاشة المحور، في شهر يوليو الماضي.

تحدث “جريس” عن شريكة الحياة والحب، بعيون دامعة قائلًا: “أول شيء بفتح عيني عليها سناء، وآخر حاجة بقفل عيني عليها سناء”، لتكون نبرة الكلمات بإحساس طبيعي لحالة حب مُختلفة، خاصة، جمعت بينهما منذ أغسطس 1960 وحتى يوم 22 ديسمبر 2002، يوم أفلتت يدها من يده، بعد زواج 40 عاما، ليتجرع “جريس” مرارة فراقها، ويُناجي روحها، إلا أنه لم يمتنع عن ترديد اسمها، أو رؤية صورها، التي يُخلدها على جدران المنزل.

 

حكاية سناء.. مسك الختام

أخرجت روجينا بسالي فيلما تسجيليا، مدته 60 دقيقة، تعرض من خلاله حياة سناء جميل، اتسم الفيلم ببساطة عنوانه فـ”حكاية سناء” تكفي، والاسم يحمل كل المعاني ، تحدث فيه زوجها الكاتب لويس جريس عن بداياتها، وحياتها، ونشأتها، ومشوارها الفني، شارك فيه أيضًا الإعلامي مُفيد فوزي، الناقد طارق الشناوي، الفنان سمير فرج، جميل راتب، سميحة أيوب، منى ذكي، فاروق الفيشاوي، وصوت ماجد الكدواني. وعُرض عام 2016.