5 حكايات من عمارة الإيموبيليا.. أبرزها إسلام ليلى مراد

نرمين حلمي

ما زالت “القاهرة الخيديوية” أو “وسط البلد” تحتفظ بتراثها الفني والثقافي، رغم فقدانها لجزء من ثقافتها الفنية، لغلبة الطابع التجاري والإداري عليها تدريجيًا بفعل الأزمنة المختلفة، فهي تلعب دور الأم الشاهدة والراوية على أساطير الكثير من الفنانين والأدباء والصحفيين والسياسيين، في شتى العصور وخاصة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، الذين عاشوا بها وتنسموا بشوارعها حتى خلفوا وراءهم العديد من القصص الفنية والإنسانية، محفورة في أراضي وجدران مبانيها المختلفة.

نرشح لك: خالد جلال ومحمد دسوقي يفتتحان “تلك الليلة” في الهناجر

ومن أبرز تلك المباني، عمارة الإيموبيليا ، فهي أقدم العمارات الفنية وأشهرها على الإطلاق في منطقة وسط البلد، هي المبنى الوحيد الذي يستقبل زواره، بملصقِ ذهبي، موضوع على إحدى أعمدة العمارة، يحتوي على أسماء العديد من الفنانين، البارزين في تاريخ الفن المصري.

لم تكن “الإيموبيليا” مجرد عمارة سكنية غريبة الأطوار في عدد طوابقها، أو طرازها الفريد فحسب، بل عمدت أيضًا تميزها بما شهدته من محطات هامة في حياة فنانيها، خلال السطور التالية يرصد “إعلام دوت أورج” أبرز المحطات الفنية والإنسانية في تاريخ أبرز مشاهير الفن، الذين قطنوا تلك العمارة.

فوبيا عبد الوهاب من الزلازل

بُنيت عمارة “الإيموبيليا” في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، وتظل محتفظة برونقها الخارجي حتى يومنا هذا، وتقع في نقطة التقاء شارعي شريف وقصر النيل، متخذة شكل حرف U باللغة الإنجليزية، لتنقسم العمارة إلى برجين، ويضم كل برج عدة طوابق، بإجمالي 27 مصعدًا في البرجين، وتطل على حديقة بنافورة من الرخام، بالإضافة إلى وجود جراج خاص بالعمارة، يسع لأكثر من مائة سيارة، كما يوجد مداخل خاصة “السكوندو”، خاصة بالخدم وعمال النظافة، وكان للبناية العقارية نظام تدفئة خاص، حيث كانت توضع نفايات الشقق فيها، في مواسير ضخمة، كي تصل إلى بدروم العمارة، ومن ثًم تُحرق وتمد كل الشقق بوسائل تدفئة عبر مجموعة مواسير ضخمة، جميعها عناصر ومميزات متنوعة، قد جذبت الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب -بحسب رواية حُراس العقار- كي يستأجر مكتبه بها، لما سمعه ولاحظه عن صلابة العمارة وقوتها وقتئذ، وحرصه على التأكد من متانتها، وذلك لخوفه الدائم من الزلازل.

مائدة إسلام ليلى مراد

تزوجت الفنانة الراحلة “ليلى مراد” من الفنان والمخرج الراحل أنور وجدي عام 1945، بعدما تعاونا في أول فيلم سينمائي يجمعهما معًا، وهو فيلم “ليلى بنت الفقراء”، وكانت “الإيموبيليا” هي عرش الزوجية الذي جمعهما، حتى شهد على أبرز المحطات الفنية والإنسانية في حياتهما معًا.

ومن أبرز تلك المشاهد الإنسانية كان لحظة إعلان ليلى لزوجها عن رغبتها في إشهار إسلامها، وكان ذلك في إحدى ليالي عام 1946، والمتزامن مع ليالي شهر رمضان الكريم من هذا العام، بعدما قضى “وجدي” عامًا معها، و بات يسمع في كل ليلة شكواها المتكررة، حينما كانت تؤرق من نومها كلما سمعت صوت الأذان من الجامع المجاور لمنزلهما، فتضطرب وتنزعج وتطلب منه أن يعزلا من تلك الشقة.

ظلت تلك القصة تتكرر مرارًا وتكرارًا حتى حفظها “وجدي” عن ظهر قلب، ثم جاء اليوم الذي أيقظت فيه ليلى زوجها وطلبت منه إشهار إسلامها على الفور، ومن غرابة الموقف، أجابها “وجدي”، وهو غير مكترث بأن عليها أن تنطق الشهادتين، ثم أكمل نومه، ولكنها أخذت تناديه وتؤكد على كلامها أن صوت الأذان أصبح يطرب اَذانها وهى تريد إشهار إسلامها بالفعل، ومن ثمً ذهبت إلى مشيخة الأزهر وأعلنت إسلامها، ثم أقامت مائدة رحمن كبيرة، بعرض شارع شريف أمام عمارة الإيموبيليا، وشهدت وقتئذ على فرحة كثير من العابرين وأصحاب السيارات وجمعت معهم أصدقائهم من أهل الوسط الفني والإذاعي.

غيرة أنور وجدي

طبقًا للمثل الشعبي الدارج، “النبي وصى على سابع جار”، شهدت “الإيموبيليا”على أبرز مشهد إنساني ودور اجتماعي قام به الفنان الراحل محمد فوزي تجاه جيرانه، نظرًا للمشاحنات الكثيرة التي طالت علاقة أنور وجدي وليلى مراد، وتنوعت ما بين الغيرة الفنية والإنسانية، حيث كان يكره “وجدي” أن تعمل زوجته مع منتجين ومخرجين غيره، مما دَفعه لطلاقها في أكثر من مرة مختلفة، وهو الأمر الذي كان يتدخل فيه “فوزي”، جارهم في نفس العمارة وصديق الأسرة وقتئذ، كي ينهي مشاكلهما ويعيدهما لبعضهما من جديد.

أمنية الريحاني قبل الموت

“أنا عايز أمثل معاكِ قبل ما أموت”.. هكذا قالها ذات يوم، الفنان الراحل نجيب الريحاني لجارته، الفنانة ليلى مراد، حينما كانا يصعدان معًا، في “أسانسير” عمارة الإيموبيليا، وتأثرت الأخيرة بالجملة، مما جعلها تنقلها نصًا إلى زوجها، أنور وجدي، فنتج عن تلك الجملة عمل سينمائي خالد، فيلم “غزل البنات”، حوار نجيب الريحاني، وقصة وسيناريو أنور وجدي، ومن إخراج أنور وجدي، ومساعد مخرج حسن الصيفي، وقد جمع كوكبة من نجوم زمن الفن الجميل، من بينهم: ليلى مراد، ونجيب الريحاني، ويوسف وهبي، وأنور وجدي، ومحمد عبد الوهاب، وسليمان نجيب، ومحمود المليجي، وإستيفان روستي، وفريد شوقي، وهند رستم، وزينات صدقي.

والمفارقة القدرية تأتي في لمح البصر، حيث إنه قد توفى “الريحاني” بالفعل بعد تصويره الفيلم، إثر إصابته بمرض التيفوئيد، في يوم 8 يونيو 1949، ولم

يمهل له القدر وقتًا كي يشاهد الفيلم في أول يوم عرض في السينمات، في يوم 22 سبتمبر 1949.

شركة ماجدة الصباحي

اختارت “عذراء الشاشة”، الفنانة ماجدة الصباحي، طريق الإنتاج الفني بعد خوضها تجربة التمثيل، وكونت شركة أفلام ماجدة لإنتاج الأفلام، ثم استقرت على إحدى الشقق، الكائنة في عمارة “الإيموبيليا”، في شارع شريف، في وسط البلد، لتكون مقر شركتها الإنتاجية حتى يومنا هذا، مما جعلها منبرًا فنيًا وثقافيًا، يتوافد عليه الكثير من نجوم الفن والإعلام.

أنتجت شركتها الإنتاجية العديد من الأفلام، التي أثرت التاريخ السينمائي المصري، بحوالي 12 فيلمًا، منها: “الناس اللي تحت” عام 1960، و “أنف وثلاث عيون” عام 1972،و”من الذي قتل هذا الحب” عام 1980، ووزعت ثلاثة عشر فيلمًا، منها: “قبلني في الظلام” عام 1959، و”هجرة الرسول” عام 1964، و”ابن تحية عزوز” عام 1986، كما مثلت “الصباحي” مصر في معظم المهرجانات العالمية وأسابيع الأفلام الدولية واختيرت كعضو لجنة السينما بالمجالس القومية المتخصصة وحصلت على العديد من الجوائز من المهرجانات المختلفة.