حسام حسن.. دراما وتكريم ورهانات خاسرة

محمد حمدي سلطان

لا تخلو حياة أي إنسان من الدراما، ولكنها تكون أشد حضورًا في حضرة الأشخاص الاستثنائين، وهذا ما يحدث بالضبط مع حسام حسن. المتأمل لمسيرة حسام حسن في الملاعب كمهاجم عبقري قلما يجود الزمان بمثله، وكلاعب مشاغب، منفلت العيار، يخلق لنفسه المشكلات، ويتعرض كثيرًا للإيقافات، فيغيب عن الملاعب لفترات طويلة، ولكنه دائمًا ما كان يعود أكثر بريقًا ولمعانًا وتعطشًا لهز الشباك، ثم لا يلبث أن يعود سيرته الأولى مع المشاغبات التي لم تكن تنتهي. هو كتلة من الروح والموهبة، والغضب، والحماس، والجنون، والشغف، والتحدي، والصبر، والمثابرة.

رغبته الجنونية الدائمة في إثبات الذات: فكان يلعب في كل مرة، وكأنها أول مرة، وكأنه يريد أن يثبت إنه الأفضل. رغم أن الجميع، كارهيه قبل محبيه، كانوا مدركين لهذه الحقيقة، ومعترفين بها.

تعطش دائم للفوز: الكرة في تعريفه لا تعنى سوى الانتصار أو الانتصار، فعقله لا يقبل أو يستوعب أو يرضى بأى احتمال آخر، يفقد صوابه عند الهزيمة، ويجن جنونه. يفرح كثيرًا بالانتصار، ولطالما أحرزه عن جدارة، وغالبًا ما يكون هو المتسبب فيه. لا يكتفى ولا يشبع من الفوز، فالمباراة القادمة والتي لم تُلعب بعد، هى أهم مباراة في مسيرته، ولابد من الفوز بها، حتى ولو كانت مباراة ودية.

إحساس أبدى بالاضطهاد: كثيرًا ما حاربوه، وعلقوا له المشانق، ولكنه للأسف كان أول من يساعد المتربصين به، فتسبب بزلاته في تسهيل مهمتهم في تشويه صورته، وتعطيل مسيرته، حتى تحول الأمر لعقدة تظهر جليةً في تصريحاته، وتصرفاته، وعصبيته المستمرة.

المتأمل لهذه المسيرة سيجد الدراما حاضرة بكثافة، وفى كل لحظة. حياة حسام تصلح جدًا للتجسيد على شاشة السينما، فهو بطل في الملاعب، وبطل في الحياة، والسينما خلقت لتخلد أمثاله من الأبطال الاستثنائيين، المتمردين، غريبى الأطوار.

البداية بالفوز على الزمالك بكامل نجومه 3-2 بفريق يتكون من ناشئى الأهلي فى مباراة الكأس الشهيرة عام 85 .. هدف الجزائر التاريخي والصعود لمونديال 90 .. تسببه في ضربة جزاء هولندا بكأس العالم في مشهد لا تنساه أبدا ذاكرة جماهير الكرة المصرية .. الاحتراف بأوروبا في سويسرا واليونان .. سوبر هاتريك بمرمى سيلتك الاسكتلندى كأحد اللاعبين القلائل الذين سجلوا أربعة أهداف بمباراة واحدة في دورى أبطال أوروبا .. مكالمة صالح سليم، والعودة لمصر من أجل إنقاذ الأهلي المتعثر تمامًا في بداية التسعينات .. تعود البطولات للأهلي بمجرد أن يعود .. صيام طويل عن التهديف والجميع يعلن نهاية عصر حسام حسن .. البعث من جديد في بوركينا فاسو .. الأهلي يتخلى عنه .. الانتقال للزمالك .. يسجل في مرة الأهلى بالفانلة البيضاء مرة واثنان وأربعة.

4 أعوام خيالية يحقق فيها كل شىء مع الزمالك .. يرحل من الزمالك .. يرفض الإعتزال .. ينتقل بين أندية المصري، والترسانة، والاتحاد .. يسجل في الزمالك بقميص المصري، ويسجل في الأهلى بقميص الترسانة .. هدف الكونغو في بطولة الأمم 2006 وقبلة للسماء وسط دموعه التي هزت قلوب المصريين في مشهد ختام درامي ومؤثر لمسيرة الهداف التاريخي للمنتخب فكانت هذه مباراته الدولية الآخيرة.

لا يجرؤ على مصارحة نفسه بحقيقة اعتزاله للكرة فلا يعلن الخبر .. لم يترك الملاعب لحظة ولم يبتعد عن الكرة ولو لدقيقة فنستيقظ في يوم ونجد حسام حسن وقد أصبح مدربا للمصري. لتنتهى مسيرته كلاعب، وكما تلاحظ معي، لم تغب عنها الدراما، من لحظاته الأولى بالملاعب وحتى الثانية الآخيرة لوجوده بداخلها.

حسام حسن لاعب الكرة نجح في معظم تحدياته، وفاز بأغلب رهاناته. تقريبًا حقق كل شىء. أما مسيرته كمدرب ورغم شهادة الجميع بتميزه، واجتهاده، وبصمته التدريبية الواضحة على أغلب الفرق التي دربها، إلا أنها لا تخلو من الكثير من الرهانات الخاسرة.

اللحظة الأسوأ في مسيرة حسام كمدرب والتى بالتأكيد ما زال يندم عليها حتى يومنا هذا، هى عندما قرر ترك تدريب منتخب الأردن قبل مشاركته بكأس آسيا، ليعود لتدريب الزمالك عام 2014 ليقيله مرتضى منصور بعد تعادل الزمالك في 3 مباريات متتالية فى بداية الدورى، غير عابىء بتضحية العميد وتركه للأردن من أجل الزمالك، وغير مدرك بأن الفريق كان يتكون أغلبه من عناصر جديدة تحتاج للوقت لكي تنسجم.

عاد حسام لتدريب الزمالك ليحقق البطولات مدربًا، مثلما حققها كلاعب، فهو اعتاد على منصات التتويج، ولكنه أفاق على كابوس الإقالة من مرتضى، ليبقى حتى يومنا هذا بلا ألقاب في مسيرته التدريبية. ليذهب لتدريب زعيم الثغر، ويلقن الأهلي درسًا ويهزمه 4-1 فى قلب استاد القاهرة في مباراة تاريخية لا تنسى. ليدرب المصرى بعد ذلك، وما زال يدربه حتى يومنا هذا.

ارتاح حسام حسن لبورسعيد، ووجد فيها ضالته، وارتاحت بورسعيد لحسام حسن، ووجدت فيه ابنها البار. كلاهما يشبه للآخر، فحسام طريد جنة الأهلي، والمغدور به من الزمالك، يذهب بعقدة اضطهاده المزمنة ليرتمى فى أحضان المدينة المنبوذة المنسية، والتى أسقطها الجميع من حساباته، فبات أبناؤها يقضون أيامهم ما بين إحساس بالمرارة، وشعور عميق بالظلم والاضطهاد. ولا أعرف متى سنخصص يومًا لنقول للعميد شكرًا. إننا نحبك ونقدرك ونعرف قيمتك، نحترم جهدك وكفاحك وتاريخك في الملاعب، فشكرًا على كل ما قدمته. ولا أعرف أيضًا متى سنخصص يوما آخر لنتصالح مع مدينة بورسعيد، لنأخذ أهلها في أحضاننا، ونقول لهم نحن معكم، ونشعر بكم، فأنتم منا ونحن منكم. هل هذا كثير؟ ألا يوجد رجل رشيد في أي موقع مسئولية فكر ولو حتى مجرد تفكير في ذلك؟ أم أننا سنبقى إلى الأبد ننبذ بورسعيد ونلعب مباريات الكرة دون جماهير؟

تواصلت بعد ذلك رهانات حسام الخاسرة، وتحديدًا في الفترة الأخيرة، مع أنه يسير بخطًا جيدة مع الفريق البورسعيدي.

في البداية خسر جماهير الزمالك التي لم ير منها إلا كل خير، فرفع لهم تيشرتًا أحمرًا في لقاء المصري، والزمالك الأخير، فنال عداوة مجانية من جماهير كانت تتغنى باسمه وتذكره بالخير، والكثير منهم كانوا يحلمون بعودته لتدريب الفريق مستقبلاً، لكنه على ما يبدو قرر أن يغلق صفحة الزمالك للأبد، مغازلةً لجماهير الأهلي رغم إدراكه أن العداوة بينه وبين جماهير الأحمر، أصبحت شبه مترسخة، ومن الصعب جدًا أن يذوب بينهم جبل الجليد لمجرد أن حسام رفع تيشرتًا أحمرًا لجماهير الزمالك. فكانت المحصلة النهائية أن العميد خسر الزمالك ولم يربح الأهلي.

أما الرهان الأخير، والذى أثبت به العميد أنه لن يتنازل بسهولة عن حلمه بتدريب الأهلي، ومحاولته المستمرة في تحقيقه، عندما خرج عقب مباراة المصري، والأهلي الأخيرة وأعلن دعمه لمحمود طاهر في انتخابات رئاسة الأهلي. فحسام يدرك أن بقاء طاهر في رئاسة الأهلي كان سيعنى الإبقاء على بصيص الأمل لديه في أن يدرب الأهلى يومًا ما إن تغيرت الظروف والمعطيات مستقبلاً. أما فوز الخطيب فيغلق الباب تمامًا أمام العميد، ويجعل من عودته للأهلي هى المستحيل بعينه. وهو ما حدث، ليواصل حسام رهاناته الخاسرة، والتي يبدو أنه أدمنها فى الفترة الأخيرة.

ولأن حسام حسن في النهاية – رغم كل أخطائه – شخص واضح، نقى، وغير متلون. تعرض للظلم بالفعل، ويعاني كثيرًا في وسط رياضي يمتلىء بمجموعة من البهلونات من أردأ أنواع البشر، تدخلت دراما السماء في نفس يوم خسارته لرهانه الأخير، ومنحته لحظة تكريم لطالما تمناها.

نرشح لك.. صورة: “سيلفي” حسام حسن مع بوتين

في نفس اللحظة التي أدرك فيها العميد تراكم خسائره، وضياع أحلامه، وآماله المستقبلية، كان يتواجد في قصر “الكريملن” بالعاصمة الروسية موسكو في حفل قرعة كأس العالم 2018 بدعوة رسمية من “الفيفا” تقديرًا لمسيرته الحافلة في الملاعب كواحد من عظماء اللعبة بقارة أفريقيا على مدار تاريخها، وكهداف تاريخي لمنتخب مصر، وعميد سابق لاعبي العالم عام 2001، وأيضا كأحد أهم عناصر منتخب مصر المشارك بمونديال 1990.

أتى هذا التكريم وفي هذا المحفل العالمى في وقته المثالى تمامًا ليكون كـ “طبطبة” من السماء على كتف حسام في لحظة درامية تحولت فيها مشاعره من المرارة، والإحباط على خسائره المتتالية، لفرحة وزهو وامتنان، وطمأنينة بأن تعبه وعطاءه لم يذهب سدًا.

على المستوى الشخصى أعتبر رؤية الفرحة في أعين حسام حسن وهو يقف بجوار الرئيس الروسى بوتين من أجمل الأشياء التي حدثت في عام 2017.

وبقى أن أسال: ها هو العالم يكرم حسام حسن فمتى تكرمه بلاده؟ وهو أحد أفضل وأهم وأنجح من ارتدوا قميص منتخب مصر لكرة القدم على مر التاريخ.. متى؟