"اختبار".. ثلاثية الغاية والوسيلة والضمير

حسين إسماعيل
تصوير| مدحت صبري

ثمانية أشخاص يتصارعون على وظيفة في إحدى الشركات الكبرى، تلك الشركة وضع مؤسسها قانونه الخاص وتعاليمه الصارمة، يقف على بابها حارس، من يخالف قواعده الخاصة يطرد منها، الثمانية أشخاص لا يعرفون نشاط الشركة، لكنهم ينجذبون للوظيفة لما فيها من امتيازات وراتب عالي يمكنهم من العيش حياة كريمة، يترشح لهذه الوظيفة أشخاص لا نعرفهم إلا بصفاتهم مثل الأسود، البني، الشقراء… إلخ من استخدام الألفاظ العنصرية التي لا تساوي بين الناس ولا تعطيهم حق العدالة.

يدخل المرشحون إلى قاعة الاختبار مُطالب منهم أن يجاوبوا على سؤال واحد، خاضعين لتلك القواعد التي يخبرهم بها الحارس؛ وهي أنه على المرشح ألا يحاول التواصل مع الحارس، وألا يفسد ورقته سواء عن قصد أو عن غير قصد، وأنه من حقه أن يغادر القاعة متى يريد.

يبدأ الاختبار ويكتشف الجميع أنه لا يوجد سؤال وأن الورقة بيضاء، يتصارع الجميع ويحاولوا اكتشاف المغزى من وراء هذا الاختبار ويدوروا في حلقات مرهقة من التفكير ويتأمر بعضهم على بعض، إلى أن تحدث اكتشافات شديدة الخطورة في نهاية الأمر، فقد جمع مؤلف الفيلم ثمانية شخصيات لثمانية نماذج في المجتمع، شخص صامت منطوي لا يستطيع البوح بأفكاره، شخص متسرع في اتخاذ قرارته، شخص يخاف كل غريب، وأخر قوي واثق الخطى لا ينساق وراء أفكار الأخرين، شخص شجاع وأخر مسالم، أحدهم هادئ موزون العقل، والأخر ذكي يعرف جيدًا كيف يفكر بشكل علمي.

ثمانية أشخاص يمثلون ثمانية أنماط مجتمعية ربما تلتقي بهم في حياتك يوميًا دون أن تشعر أو تحلل أو تدقق النظر فيما يخفونه بداخلهم من خير أو شر.

هكذا حاول المخرج ميدو عبد القادر أن يقوم بإعداد الفيلم السينمائي لعرض مسرحي مع مراعاة الفروق المجحفة والقاسية بين السينما كوسيط والمسرح كوسيط كلٌ منهم له تفاصيله الفنية، لكن المخرج ميدو عبد القادر كان شديد الأمانة في نقل أفكار الفيلم حتى لا يضيع الهدف العام والأسمى لهذا الفيلم والذي يلخص الحياة التي يعيشها البشر يوميًا والأشخاص الذين نلقاهم في حياتنا، حتى أنه حاول البحث جاهدًا عن ممثلين يشبهون الممثلين الأصليين في الفيلم حتى لا يختلط الأمر على من شاهد الفيلم والمسرحية ولا يحاول أن يقارن، وسعى مهندس الديكور الذي لاقى صعوبة بالغة التعقيد في تنفيذ توصيات المخرج واستعاض عن تفاصيل كثيرة داخل الفيلم بأدوات أقل خطورة وذلك للحفاظ على حياة الممثل، لأنه كما قلنا تغير الوسيط من سينما إلى مسرح يحتاج إلى جهد كبير واستبدال تفاصيل.

المسرحية بالنسبة لعرض الليلة الأولى جيدة الصنع مع تدارك أخطاء الليلة الأولى والاهتمام أكثر باللغة العربية وبمخارج الألفاظ، لكن أداء جميع الممثلين حسب أدوارهم كان بعضهم أقرب إلى الممتاز والبعض الأخر جيد جدًا، الجميع حافظ على أداءه وتصاعد انفعالاته وتأكيد كلماته، الجميع تعامل مع مفردات العرض من ديكور وإضاءة وإكسسوار ملابس وإكسسوار ديكور بحرفية شديدة دون وقوع أخطاء تذكر، بعيدًا عن التمثيل ومفرداته وجب علينا الإشادة بالمؤلف الموسيقي محمود شعراوي الذي حاول دائمًا الحفاظ على مفردات العرض بتغليفه بتفاصيل موسيقية تعكس الحالة الدرامية.

عرض مسرحية اختبار عرض جيد الصنع يستحق العمل على تكراره وعرضه على الجمهور من خلال مسارح الدولة والقطاعات الفنية المختلفة.