إسلام وهبان يكتب: فيلم "redu".. عندما تنتصر للفطرة

قديما كنت أكره متابعة الأفلام الهندية لما فيها من إطالة ومشاهد خارقة للطبيعة، لكن في السنوات الأخيرة استطاعت “Bollywood” أن تقدم العديد من الأفلام العالمية، التي تحمل قدرا هائلا من الرسائل، وإخراجها بشكل درامي متميز، يجعلك تغوص في البيئة والأجواء الهندية بشكل بديع.

لكن في فيلم “redu” أو “راديو”، الذي يشارك ضمن المسابقة الرسمية بالدورة 39 من مهرجان القاهرة الدولي السينمائي، ستدخل وتعيش في بيئة وأجواء لم تشاهدها من قبل، فالفيلم يقدم وللمرة الأولى -بحسب ما قاله مخرج الفيلم ساجار فانجاري- الحياة الريفية في الهند، لكن في فترة السبعينات.

تدور أحداث الفيلم حول رجل في الأربعين من عمره، يدعى “تاتو”، يعيش في إحدى القرى الريفية في الهند، ويعمل باليومية في حفر آبار المياه. حياة فقيرة تساعده فيها زوجته لتوفير قوت يومهم بالكاد، إلا أن ذلك الرجل الفقير لم تمنعه ظروفه البائسة عن الحلم، فقد كانت كل أمنياته أن يمتلك “راديو”، ذلك الاختراع الذي لم يكن قد وصل لقريته لكنه فقط يسمع عنه.

ولع “تاتو” بأن يسير وهو يحمل جهاز راديو ويستمع إلى أصوات أشخاص أخرى تتحدث، أو إلى أغنية يحبها، شغله حتى عن النوم، فأصبح لا يرى سوى شكل هذا الجهاز، ولا يسمع غير صوته، إلى أن جاءته الفرصة على طبق من ذهب، حين أهداه أحد أقاربه جهازا كان قد اشتراه من “مومباي”، ليصبح قصة “تاتو” وجهازه هي الأشهر بالقرية، لكن لسوء قدره يسرق ابن اخته الراديو ويرهنه لشيخ مسلم في قرية مجاورة.

نرشح لك.. فيلم عن أزمة الهوية الجنسية بـ”القاهرة السينمائي”

هنا يتسلل اليأس والإحباط لقلب “تاتو” ويرى أن الفقراء خلقوا فقط ليعيشوا تعساء، لكن كما يقال “ستكون محظوظا حين يقسو عليك العالم فتجد زوجتك هي جيشك الوحيد”، لم تقف زوجته مكتوفة الأيدي، بل احتوته وتفهمت كل ما به من ضعف، فالرجل إذا لم يجد من يفهم دموعه يتحول إلى كائن آخر، ولأن الكلمات وحدها قد لا تكفي أحيانا فقد قررت أنت تعمل بشكل أكبر في كل شيء حتى في المنازل لتوفر المبلغ المطلوب لفك الرهان، ولأن الفارق بين الحلم والحقيقة هو العمل، فقد عمل “تاتو” ليل نهار لتحصيل المبلغ، واستطاع المخرج بشكل مميز أن ينقل المشاعر للجمهور دون تفريط أو إفراط.

لكن بعد أن جمع “تاتو” المبلغ المطلوب، وقرر الذهاب للشيخ المسلم، يجد أن طفلة تعاني من إعاقة ذهنية قد تعلقت بالراديو وأصبح كل حياتها، ليضعنا صناع الفيلم بين أصعب مواجهة، بين المصلحة الشخصية والحسابات الخاصة، وبين الإنسانية والرحمة وإثار الغير، فالرجل تعب لفترة طويلة لجمع المال وزوجته وابنته في انتظاره للعودة بونيسهم “الراديو”، فضلا عن كونه هندوسيا وهذه الطفلة مسلمة من دين آخر، إلا أن قلبه لم يتحمل أن يشعر هذه الطفلة بمعاناة الفقد والتي شعر بها من قبل، لتنتصر الفطرة في نهاية المطاف ويترك لها الراديو ويمضي.

الفيلم رغم بساطة المكان الذي تم تصويره به، إلا أنه من الواضح أن المخرج قد اهتم بشدة بتقديم صورة مميزة، وكان هناك بحث ودراسة دقيقة لاختيار المكان وتفاصيله حتى لا يشعر المشاهد بالفاصل الزمني، إلا أن المخرج لم يكن موفقا في تصوير بعض المشاهد والتي ظهرت سريعة للغاية ومربكة للبصر في بعض الأحيان، كما أنه أطال وبشدة في بعض التفاصيل التي لم يكن لها تأثيرا في مجريات الأحداث، مثل عرضه لتفاصيل أحد الطقوس الهندوسية لمدة تجاوزت السبع دقائق، وهو ما أعطى المشاهد شعورا بالملل خاصة مع عدم فهمه لهذه الطقوس، فمن الجيد أن تنقل ثقافة بيئتك إلى العالم، لكن من غير الطبيعي أن تقدمها بكل هذا التفصيل دون حتى ذكر اسم هذا الاحتفال.

على الرغم من وجود بعض السلبيات في الفيلم، وأنها التجربة الأولى لفانجاري -والتي تحسب له- إلا أن الدراما والقصة كانتا أكثر إمتاعا، بالشكل الذي جعل المشاهد ينسى أنه قضى ساعتين في مشاهدة فيلم، كذلك كم الطاقة الإيجابية والروح الجميلة وخفة ظل البطل -والذي اعتقد أنه سيكون كوميديان مشهور خلال سنوات- بالإضافة إلى الرسائل الكثيرة التي حملها الفيلم، كلها دلالات على تميز ذلك العمل، والأهم هو أن السينما الهندية لا تقدم فقط أعمالا ضخمة ومميزة، بل سينما تبعث رسائل لا تنتهى للإنسانية، وتواجه بشكل قوي جوهر السينما الأمريكية التي تصدر دائما مشاهد القتل والعنف والدم.