رشا سري تكتب: عين عمشة وودن طرشة

تابعت وتألمت مثل غيري من المصريين أحداث الجمعة الحزينة التي وقع ضحيتها المئات من الشهداء والمصابين في مسجد الروضة بشمال سيناء في أكبر عمل إرهابي في تاريخ مصر علي حد علمي من حيث عدد الضحايا. وتابعت أيضاً ردود الأفعال الغاضبة علي أداء بعض المذيعين والمعجبة ببعض المذيعين ومعاودة الهجوم علي جدوي الحوار مع أحد إرهابيي حادث الواحات الأخير. فتم تداول فيديو لمذيعة من ال BBC اعجابا بتصديها للضيف الإخواني بكل حزم وأدب وأيضا تداولت ال social media فيديو آخر لمذيعة في قناة فضائية مصرية والتي خانها التعبير والتصرف في تعليقها علي العمل الإرهابي الغادر. وأيضا تصرف وكلام المذيع في كل الأوقات محسوب بالميللي ولكن في أحداث عاجلة ووسط مشاعر غاضبة ومتألمة يكون أداء المذيع تحت الميكروسكوب من الجميع وهذه طبيعة العمل.

نرشح لك.. بابا الفاتيكان يقف دقيقة حداد على شهداء مسجد الروضة

وكالعادة عادت بي الذاكرة لأحداث كثيرة مرت بي وأنا مذيعة سواء في قناة النيل الدولية أو دبي الاقتصادية أو النيل للأخبار فللأسف ما أكثر هذه الأحداث سواء محلية أو عربية أو دولية. ولكني توقفت عند موقفين تحديداً:

الموقف الأول كان بعد حادثة الأقصر والتي هاجم فيها ستة رجال من الجماعة الإسلامية مجموعة من السياح كانوا في معبد حتشبسوت بالدير البحري وقتلوا ٥٨ سائح في ١٧ من نوفمبر عام ١٩٩٨. كانت حادثة مُفجعة وأثرت علي السياحة في مصر بشكل مخيف. وحاول العديد من المسؤولين تنشيط السياحة بعدة مبادرات ولكن كان الأمر شديد الصعوبة وبعدها زار الرئيس حسني مبارك الأقصر وتحدث مع صحفيين أجانب ومنهم بعض المستشرقين الذين يتحدثون اللغة العربية بطلاقة. في هذا الوقت كانت قناة Nile TV تعتمد علي مواردها في كل شيء حتي الترجمة الفورية وكانت الزميلة تغريد حسين، نائب رئيس القناة حالياً، من أهم من يقومون بالترجمة الفورية للقناة بالرغم من أن عملها الأصلي مذيعة ولكن كنا كلنا نعمل كل حاجة في جميع الأوقات. ولم تكن تغريد متواجدة هذا اليوم وتم الاستعانة بي للترجمة والتعليق علي زيارة الرئيس مبارك للأقصر. وبدأت التعليق علي الزيارة ولدي الكثير من الورق عن حادث الأقصر وكانت الأمور تسير بصورة طبيعية ولكن الجميع كان قلقاً نظراً لظروف البلد واننا التلفزيون الرسمي للدولة ونذيع باللغة الإنجليزية ويتابعنا العالم الخارجي فمن الآخر مش عاوزين أي مصايب. وبدأ اللقاء الصحفي للرئيس مبارك وقمت بالترجمة حتي سأله أحد الصحفيين الأجانب باللغة العربية: ” سيادة الرئيس لماذا لا تجري حواراً مع هذه الجماعات وتتوصلوا لحلول لمنع العنف؟” الترجمة حتي الآن سهلة ولكن رد مبارك كان يفوق خبرتي بالترجمة بمراحل: ” حوار مع مين؟؟ دول عين عمشة وودن طرشة” ووقف مخرج الهواء في هذا الوقت حسين الرزاز واضعاً يديه علي وجهه وكأنه يقول: ” ودي رشا حتترجمها ازاي دي؟؟” وفي أقل من ثانيه والتي تحس بها علي الهواء كأنها دهرٌ من الزمان قمت بترجمة المعني بأن هذه العقليات الممسوحة من الإرهابيين ليس لديهم آذان للحوار ولا نظر لرؤية الحقيقة المُغايرة لعقيدتهم”. وحتي الآن أتذكر مع كل عمل إرهابي نشهده من أول الجماعة الإسلامية وحتي داعش أن جميعهم لديهم عين عمشة وودن طرشة حقيقي ولا جدوي من الحوار معهم.

الموقف الثاني الذي تذكرته كان عن كيفية مساندة الإعلاميين للدولة والمتضررين في مثل هذه المواقف بعيداً عن الاستوديو ولكن كشخصيات عامة. وعادت بي الذاكرة لسلسلة التفجيرات الإرهابية في شرم الشيخ عام ٢٠٠٥ ووسط احتفالات مصر بعيد ثورة ٢٣ يوليو والتي راح ضحيتها ٨٨ شهيداً معظمهم من المصريين وأصيب فيها أكثر من ٢٠٠ شخص. ضربة أخري للسياحة المصرية ومحاولات عديدة للنهوض بالسياحة. وقام المسؤولين بعد الحادث بيومين بتنظيم رحلة للإعلاميين والفنانين لشرم الشيخ تتضمن زيارة المصابين وأصحاب المحال التجارية المتضررة وموقع الحادث ومسيرة بالشموع من أمام أحد الفنادق التي تم استهدافها وحتي السوق القديم في شرم الشيخ. شارك في هذه الرحلة والمسيرة أبرز الفنانين والإعلاميين وقتها وكان معظمنا يرتدي الملابس البيضاء وبدأنا مسيرة الشموع والتي استمرت ساعة تقريباً في عز الحر في شهر يوليو ورأيت بعيني الأحذية وهي تسيح علي الأسفلت والإرهاق الشديد والروح التضامنية الجميلة. وسألت أحد أصحاب البازارات في السوق القديم: “كيف يمكن أن تساعدكم هذه الزيارة؟” فرد علي قائلاً: “لما نلاقي فناني وإعلاميي مصر كلهم عندنا هنا ده يواسينا في الخراب اللي احنا فيه ده. ولما قنواتكم تنقل زيارة المشاهير لينا في السوق بعد الحادث بيومين والأجواء الحلوة دي بعد صور الخراب والموت دي رسالة للسياح انهم يرجعوا لنا تاني.” المبادرات والروح الجميلة لابد أن تعود لتنشيط السياحة وتحسين صورة مصر وهذا دور الجميع فلا يجب ان نكتفي بتغيير صورنا علي ال Facebook profile بصور تضامنية ورسائل نعي وغضب وحزن. يللا خدوا الكاميرات واطلعوا برة الاستوديو واعملوا حلقات برامج وتقارير من شرم الشيخ والغردقة والأقصر وأسوان وسيناء وسفاجا ومرسي علم وكل أنحاء مصر واعملوا لقاءات مع السكان والمسؤولين مع التجار الصغيرين والعاملين في الفنادق ما تبقوش انتوا كمان ودن طرشة وعين عمشة.

شاهد خبر “مظاهرة رموز الإعلام المصري” عام 2005..  من هنـا