تحليل: كيف حاصرت الدولة الشائعات بعد حادث الروضة؟

رباب طلعت

اعتدنا خلال الأحداث الدامية، التي ارتكبتها يد الإرهاب في مصر، خلال الآونة الأخيرة على انتقاد الأداء الإعلامي المصري في تغطية الحدث، لتضارب المعلومات، وندرتها أحيانًا، والتي تتحول فيما بعد لشائعاتٍ، ينفُرها المشاهد، الذي يبحث عن الحقيقة وسط الأزمة، وهو الأمر الذي اختفى تمامًا منذ أمس الجمعة، حيث إنه وللمرة الأولى لا يلجأ المشاهدون للبحث عن الحقائق من وسائل غير موثوق بها، لنيله القسط الأوفر منها من خلال المصادر الرسمية.

خلية احترافية

المتابع بموضوعية للأداء الإعلامي خلال الأزمة يؤكد نجاح الدولة في قيادة الأزمة الإعلامية منذ يوم أمس الجمعة، بجدارة، حيث اختفت الشائعات والتضارب في البيانات للمرة الأولى، لعدة أسباب، أهمها سرعة تدفق البيانات الرسمية المنظمة التي وصلت إلى وسائل الإعلام، ويعود الفضل في ذلك بحسب المعلومات التي حصل عليها “إعلام دوت أورج” إلى تشكيل خلية احترافية لإمداد المواطنين بالمعلومات، والتي اعتمدت على التواصل المباشر والربط بين الهيئات المعنية بالحادث -القوات المسلحة، ووزارات الداخلية، والصحة، والخارجية، والهيئة العامة للاستعلامات- لتطبيق مفهوم إدارة الأزمة إعلاميًا بتوجيه رسمي من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي شدد على ضرورة التواصل مع الجهات المعنية كافة، والأجهزة السيادية، لخلق منظومة أزمات إعلامية تعمل بمبدأ الشفافية وسرعة تدفق المعلومات للإعلام.

بالرغم من قسوة الحادث الإرهابي الغاشم، إلا أن حدة الغضب بعد ذلك الحادث، انصبت في سياقها، سواءً كان حزنًا على الضحايا، أو صدمة من استهداف المساجد، ولم تتجه موجات لوم المواطنين هذه المرة إلى الإعلام ولا الدولة، فلقد كان تسلسل الأحداث سريعًا ومتقنًا، حتى إن المتحدثين الرسميين باسم الجهات الرسمية أنفسهم ولأول مرة لم تتضارب أقوالهم على القنوات الفضائية، وكانت أعداد الشهداء فقط تختلف بحسب موعد التواصل مع القنوات، لأنها كانت في تزايد مستمر حتى الساعات المتأخرة من الليل، والتي اختتمها وزير الصحة ببيان رسمي.

نرشح لك: في 5 ساعات.. تسلسل زمني لتفجير مسجد العريش

مصادر رسمية

بدأ تدفق الأنباء، في الواحدة والربع تقريبًا بنبأٍ عاجل أفادت به “سكاي نيوز العربية”، ومن ثم انتقل إلى القنوات الإخبارية المصرية -extra news، ON Live، DMC، النيل للأخبار والأولى المصرية- التي تابعت الحدث لحظة بلحظة، بل واعتمدت على مصادر رسمية فقط حيث إن سرعة تحرك الأخيرة لم يعطِ أحدا الفرصة لأخذ المعلومات من مصدرٍ آخر، فبدأ ظهور الدكتور خالد مجاهد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، بعد عشر دقائق فقط من الإعلان عن الحادث ليبدأ في ضخ المعلومات الأهم وقتها -عدد المصابين والقتلى- والذي ازداد تدريجيًا، بحسب وصول سيارات الإسعاف للمستشفيات، والتي تأخرت بسبب إطلاق النيران عليها من الإرهابيين، وهي المعلومة أيضًا التي جاءت من مصدرٍ رسمي وهو الدكتور أحمد الأنصاري، رئيس هيئة الإسعاف، الذي تحدث أيضًا عن الإجراءات المتخذة لإسعاف المصابين، والمستشفيات المنقولين لها، وغيرها بما يتعلق بمسئولية هيئة الإسعاف.

نرشح لك: استهداف سيارات إسعاف مصابي مسجد العريش

حداد عاجل

بعد ساعة واحدة فقط، وتزامنًا مع إعلان وزارة الداخلية حالة الطوارئ الأمنية في سيناء للبحث عن الإرهابيين، وتحرك القوات المسلحة للرد عليهم، والأخذ بالثأر، وتلقي وزير الخارجية اتصالات الدول المساندة لمصر، والمعزية في المصابين، أعلنت الدولة الحداد ثلاثة أيام، وهو ما دفع القنوات على تطبيقه فورًا حتى إن مجموعة قنوات “cbc”، قد ضمت قناتي “cbc”، و”extra news”، لنقل الحدث، وتوقفت القنوات كافة عن محتواها الترفيهي أو برامجها المنوعة، وعلقت الشرائط السوداء، ملتزمة بمتابعة الحدث لحظة بلحظة، وهو الأمر الذي تميزت به القنوات كافة.

نرشح لك: مصر تعلن الحداد 3 أيام على ضحايا مسجد العريش

نرشح لك: ضم قناتي “cbc” و”extra news” لتغطية حادث مسجد العريش

كلمة الرئيس

لم يتأخر اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسي، باللجنة الأمنية، لبحث تداعيات حادث مسجد العريش، والوضع الأمني في سيناء بشكل عام، حيث إنه خلال ساعتين كان قد أتمه، قبل الخروج للشعب، وإلقاء كلمة عليه، مؤكدًا فيها على النيل من الجناة، والثأر للشهداء، واعدًا بأن مصر ستنتصر في القضاء على الإرهاب، وذلك كان تزامنًا مع إعلان المصادر الأمنية عن تدمير طائرتين من دون طيار لسيارتين تقلان المتورطين في حادث الهجوم على مسجد الروضة شمالي سيناء، مما أسفر عن مقتل 15 مسلحًا، ما أطفأ النار المشتعلة في قلوب المصريين بشكلٍ نسبي.

نرشح لك: السيسي: سنرد على تفجير مسجد العريش بقوة غاشمة

موضوعية بلا مزايدات

برامج “التوك شو” المسائية، التزمت أيضًا بالموضوعية، حيث إن شفافية تعامل الدولة، والتدفق السريع للمعلومات كان طوق نجاة المواطنين من المزايدات والمناقشات الساخنة والمعلومات المغلوطة التي تلجأ لها بعض البرامج، للتغطية على ندرة المعلومات عندها، فكان الحديث أمس مناسبًا أكثر لرهبة الموقف والحزن الذي غمر البيوت المصرية والعربية كافة بل والعالمية.

يجدر الإشارة أيضًا – بل والإشادة – بالتدفق المعلوماتي الرسمي، الذي أرغم العديد من القنوات والمواقع التي اعتادت على “فبركة” الأحداث والمبالغة في أعداد الضحايا والمزايدة عما حدث لشن الهجوم على الحكومة والمسؤولين، على الالتزام بالأعداد الحقيقة، والاكتفاء بما قالته الحكومة، وإن سعت في بعض الأوقات للشائعات إلا أنها لم تدم، ولم تظهر.

نرشح لك: وزير الصحة يعلن الأعداد الحقيقية لضحايا مسجد الروضة

منتدى الشباب

كان الشيء اللافت في أداء الدولة، والتواصل فيما بين أجهزتها المعنية، أمس الجمعة، هو ظهور دور منتدى شباب العالم، المنعقد في شرم الشيخ -مدينة السلام- الشهر الماضي، حيث خاطبت الصفحة الرسمية له على مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و”تويتر” كل المشاركين فيه والذين حضروا لإحدى مدن سيناء، بأن يكونوا سفراء لها في بلدانهم، وأن يصلوا ويشعلوا شموعًا للموتى في أوطانهم، وهي الرسالة التي إذا تحولت لفعلٍ وتحركٍ من هؤلاء الشباب بالفعل، ستكون رسالة أكبر وأعمق للعالم بشكلٍ عامٍ، والإرهاب بشكلٍ خاص.

نرشح لك: “شباب العالم” عن هجوم مسجد الروضة: لنصلي لكل شهيد