محمد وليد بركات يكتب: أشياء طلع لها علاقة ببعض!

 

ما العلاقة بين خروف العيد، وميراث الإناث، وانقطاع المياه، و”سنتر” الدروس الخصوصية؟!

(1)

“مصر برائحة الخروف”.. ربما يكون هذا هو العنوان المناسب لحالة “المجزر العام” التي تعيشها مصر خلال عيد الأضحى كل عام، الشوارع مخضبة بدماء الأضاحي، فضلات الدم، والشعر، وبقايا علف الحيوانات، ومخلفات تنظيف أحشائها، متناثرة هنا وهناك، لا يختلف الوضع في حي راقٍ وآخر شعبي، بِرَك الدم والماء الآسن في كل مكان، وحتى يجد هذا المزيج القذر طريقه إلى بالوعات الصرف الصحي، يستغرق الأمر عدة أيام، وعادة ما يسبب انسدادها!
ولست أعرف لماذا نحن – المصريين – مصرون على الذبح بتلك الطريقة العشوائية؟! ولست أعرف لماذا لم نفكر شعبا وحكومة، كأي شعب صاحب سبعة آلاف سنة حضارة، أن يكون أداء الهَدْي النبوي في ذبح الأضاحي مقصورا على مجازر مجهزة سلفا، ومزودة بالإمكانات المادية والبشرية، بما يحافظ على نظافة شوارعنا، وصورة مصر أمام ضيوفها وأمام العالم؟!

(2)

خلال جلسة عائلية أخذ عمي الأكبر يروي لي ولأحفاده كيف استطاع جدي وجدتي – رحمهما الله – الخلاص من أرضهما الزراعية في دلتا النيل! وانطلق يروي عن ألاعيب المزارعين ومكرهم، وكيف جعلت قوانين يوليو 1952 المزارع “الأجير” سيدا على صاحب الأرض في ملكه، حتى يضطر المالك إلى بيعها للمزارع بثمن بخس، وكيف أن تلك القوانين لم تراعِ الفروق بين جدتي التي امتلكت نصف فدان، وبين باشوات الإقطاع أصحاب الأبعاديات التي تقدر بآلاف الأفدنة، وأخذنا الحديث إلى توريث الأنثى الأرض الزراعية في الريف، وفقا لما نصّ عليه الشرع، وأشار إلى تعقيدات عملية تقسيم الأرض الزراعية بين وارثيها، وما يؤدي إليه ذلك من تأخير عملية “الفرز والتجنيب” لسنوات قد تمتد عقودا، حتى يصل الأمر إلى عملية ميراث عبر ثلاثة أو أربعة أجيال من نفس العائلة مما يزيد الأمر تعقيدا، وتذكرت حينها الخطوة التونسية بمساواة المرأة بالرجل في قسمة الميراث، وتساءت: لماذا لم تجتهد قرائح القانونيين المصريين لتضع تشريعا يضمن للمرأة المصرية حصولها على حقها “الشرعي” في ميراث الأرض الزراعية؟!

(3)
لسنتين تقريبا عاني أهالي حي الهرم بمحافظة الجيزة من الانقطاع المتكرر لمياه الشرب يوميا، استمرت تلك الحالة حتي سمعنا عن أن الدولة نجحت في إضافة احتياطات جديدة للشبكة لتمدنا بالمياه، واسترحنا عاما، حتى “رجعت ريما لعادتها القديمة”، وعاد انقطاع المياه في أي وقت خلال اليوم ولعدة ساعات، لدرجة أن الانقطاع دام في أحد المرات نحو ثلاثين ساعة متصلة، وقد كنت أقرأ وأسمع وأنا في المرحلة الابتدائية عن أننا مقبلون على مرحلة “الفقر المائي” وكنت أعجب.. كيف وهذا النيل يجري بكل تلك المياه؟! ومنذ سنتين تقريبا كنا في نزهة عائلية على شاطئ النيل، فسألت ابنة أخي ذات الست سنوات: يا عمو هي ليه الميه بتقطع عندنا والنيل فيه كل الميه دي؟!

(4)
لبيت دعوة أستاذ قديم عزيز من أيام المرحلة الثانوية لزيارة مركز الدروس الخصوصية الذي افتتحه مؤخرا، وحضرت معه بضع دقائق معدودة من “الحصة”، قال فيها للطلاب: “عندما يأتي سؤال عن جزئية محدودة فلا تجب عليها فقط، ولكن “سمّع” كل ما جاء تحت هذا العنوان في الملزمة”!
كثيرا ما سمعت منه هذه الجملة وأنا طالب، وكثيرا ما سمّعت أجزاءً من المقرر لم يسأل عنها المُمتحِن، ولكن يبدو أن الإجابة بهذه الطريقة تفي بالغرض، وبها أحرزت الدرجات النهائية، ولست هنا في مقام النقد لأستاذي إطلاقا، وإنما أنا في مقام النقد لنظام تعليمي، نمط وطريقة تفكير، ليس باستطاعة أستاذ واحد تغييره، وإنما هو بحاجة إلى أن تغير الدولة سياساتها إزاء فلسفة التعليم وأساليبه، وأن يُغيِّر المجتمع نظرته إلى أهداف التعليم، لتنتقل من الحفظ و”التسميع” بهدف حصد الدرجات، إلى التفكير، والتحليل، والنقد، والاختيار بين البدائل واتخاذ القرار، والتدريب على القيادة، وتقديم إجابات محددة على الأسئلة، بدلا من الحشو و”اللت والعجن”!

عندما يكون لدينا تعليم يقدم للمجتمع خريجا ممتلكا للمهارات النقدية، وملما بالقضايا العالمية، ومواكبا لتكنولوجيا العصر، ومتمسكا بهويته الثقافية، لن يكون لدينا ذبح عشوائي في الشوارع، ولن تُحرم المرأة الريفية حقها في الميراث، ولن تنقطع المياه في وجود النيل العظيم، ولن تكون لدينا مراكز دروس خصوصية!