وليد رشاد يكتب: الهند بلد العجايب

 

​علاقة الهند بكرة القدم علاقة غريبة ومثيرة للعديد من التساؤلات، لأن الهند ثانى أكبر دولة فى العالم فى عدد السكان وأهم المستعمرات البريطانية حيث كانت درة التاج البريطانى، وكما نعرف كرة القدم لعبة إنجليزية المنشأ ومعظم أبناء المستعمرات البريطانية عشقوا كرة القدم عندما شاهدوا الجنود الأنجليز يلعبونها، وتحول الأمر لدى بعض شباب المستعمرات إلى رغبة عارمة في إجادة تلك اللعبة التى تتمحور حول كرة من الجلد المنفوخ بالهواء، وذلك رغبة فى إظهار البراعة والتفوق على الإنجليز فى اى ميدان بعيداً عن النواحى العسكرية والسياسية، وربما تطور الموضوع لدى بعضهم وأعتبروها تحدى لإثبات الذات وتحقيق الإستقلال الوهمى الذين فشلوا فى إنتزاعه فى الحقيقة.

وتزامناً مع تنظيم الهند لكأس العالم للناشئين تحت 17 سنة قدم الهنود أغنية مميزة للدعاية للبطولة الكروية الأهم فى تاريخ الهند، وهى البطولة الكبرى الأولى التابعة للإتحاد الدولى لكرة القدم والتى يتم تنظيمها فى الملاعب الهندية، ولكن ما هى حدوتة الهند مع كرة القدم ؟! الحدوتة تتميز برائحة التوابل الهندية الشهيرة وتشمل خليط من الحقائق والمبالغات والأساطير.
 

والحقائق تقول أن الجنود البريطانيين بدأوا ممارسة الكرة مع الهنود فى القرن التاسع عشر، ثم أنطلق كأس دوراند في 1888 وهو يحتل المركز الرابع في قائمة أقدم بطولة كرة قدم في العالم عقب كأس الإتحاد الإنجليزي وكأس أسكتلندا وكأس ويلز، كما شهد العقد التالي إنطلاق بطولات كثيرة وأحتكرت الأندية الإنجليزية جميع هذه البطولات، حتى أنكسرت القاعدة في 1913 بفوز “موهون باجان” على كتيبة “إيست يوركشير” بنتيجة (2-1) في نهائي درع الإتحاد الهندي لكرة القدم، وهو الإنتصار الذي ساهم في رفع شعبية اللعبة.

 

 
وقد شهدت المسابقة الأوليمبية لكرة القدم التي أحتضنتها لندن في 1948 أول مشاركة رسمية دولية للمنتخب الهندي، الذي أصطدم بالمنتخب الفرنسي وفوجئ البعض بلاعبى المنتخب الهندى يدخلون أرض ملعب “كريكيتفيلد” حفاة القدمين، ورغم تقدم الفرنسيون لكن المنتخب الهندي مدعوماً بالجمهور الذي تعاطف معه بسبب عدم إرتداء لاعبيه للأحذية نجح في إحراز هدف التعادل فى الدقيقة 70، واستمر فى مهاجمة الديوك و بعد إهدار ركلتي جزاء خسر المنتخب الهندي المباراة وأنتهت رحلته فى البطولة بهدف أحرزه “رينيه برسيلو” في اللحظات الأخيرة، وبعد المباراة قائد المنتخب الهندي “تاليمران آو” قال (أن الأميرة “مارجريت” كريمة الملك “جورج السادس” آخر إمبراطور للهند (قبل الإستقلال) عبرت عن مدى إندهاشها من الأداء الجيد الذي ظهرنا به رغم خوضنا المباراة بلا أحذية).
 
 
ونجح المنتخب الهندي بما يضمه من مواهب متميزة مثل “بي كيه بانجيري”، “نيفل دي سوزا” فى البقاء على عرش الكرة فى آسيا طوال 15 سنة بعد الأوليمبياد، شهدت تتويجه بلقب أول نسخة للألعاب الآسيوية فى نيو دلهي 51 بعد تغلبه على ايران (1-0) فى المباراة النهائية بقيادة المدرب “سيد عبد الرحيم”، ثم خرج من الدور الأول لدورة هلسنكى الأوليمبية 52 وخسر بهزيمة ثقيلة (1-10) أمام يوغوسلافيا، وبعدها ألزم الأتحاد الهندى اللاعبين بإرتداء أحذية، ثم حقق مفاجأة كبيرة بتأهله إلى نصف نهائي المسابقة الأوليمبية فى ملبورن 56 وفشل فى الحصول على الميدالية البرونزية أمام بلغاريا بالخسارة (0-3)، وحقق نجمه الفذ “نيفل دي سوزا” أول هاتريك أسيوى فى تاريخ الأوليمبياد فى مباراة أستراليا صاحبة الأرض فى ربع النهائى، ثم حقق المركز الرابع فى دورة الألعاب الأسيوية فى طوكيو 58، كما حصد اللقب الثانى فى تاريخه بالفوز (2-1)على كوريا الجنوبية في نهائي النسخة الرابعة للألعاب الآسيوية في جاكرتا 62، وبعدها بسنتين حقق المركز الثانى في كأس الأمم الأسيوية بعد إسرائيل المستضيف بفارق نقطتين، وفى عام 70 فى بانكوك حقق المركز الثالث فى دورة الألعاب الأسيوية وتغلب على اليابان (1-0) فى مباراة الميدالية البرونزية، قبل أن تتراجع تدريجياً الكرة الهندية ويخفت بريقها وتوهجهها، وتظل أشهر قصتين عن الكرة الهندية تنتميان إلى عالم الروايات الغريبة أو الأساطير.
 
تقول الرواية الغريبة أنه قبل كأس العالم 1950 بالبرازيل قرر الأتحاد الدولى لكرة القدم تقسيم المنتخبات المشاركة إلى سبعة من أوروبا وستة من الأمريكتين ومنتخب وحيد من آسيا، والمشكلة أن المنتخبات الآسيوية الأربعة التي دعيت إلى نهائيات كأس العالم أنسحب ثلاثة منها قبل التصفيات وهم (الفلبين وإندونيسيا وبورما)، لذلك حصل المنتخب الرابع الهند على فرصة ذهبية وهى الوصول التلقائي للمشاركة في نهائيات كأس العالم لأول مرة فى تاريخ الهند، ولكن تصاعدت الدهشة الدولية حينما أعلنت الهند إنسحابها، وتردد وقتها في وسائل الإعلام أن السبب الرئيسي وراء إنسحاب الهند هو رفض الفيفا طلب الفريق الهندي باللعب دون أحذية (كما تعودوا) !!
 
ولكن على الجانب الآخر بررت الهند إنسحابها بأسباب أخرى، منها إقامة البطولة فى البرازيل مما يعقد من مهمة السفر، وأكدت الحكومة الهندية وقتها أنها غير مستعدة لتحمل نفقات السفر الباهظة، كما أنها في هذا التوقيت لم تكن تعترف بأهمية كأس العالم مقابل إهتمامها بدورة الألعاب الأوليمبية فى مبرر آخر لرفض تحمل النفقات، ولم تكن تلك الحجة منطقية على الإطلاق خاصة بعد أن كشفت دراسة متأنية في إحدى المجلات المهتمة بكرة القدم، إستعداد اللجنة المنظمة تحمل جزء كبير من نفقات سفر الفريق، وهو أمر يجعلنا نعود ونؤكد أن إنسحاب الهند حدث فى الغالب لرفض الفيفا خوضهم البطولة بدون أحذية.
 
بينما تقول الأساطير التى يتداولها البعض دون اى سند أو اى معلومة موثقة أو حتى أخبار صحفية، أن منتخب البرازيل بقيادة الجوهرة السوداء “بيليه” بعد فوزهم بكأس العالم ذهبوا لأداء مباراة ودية فى الهند، وتضيف الأسطورة أن الفريق الهندى سحر لاعبى البرازيل، لدرجة أنهم زعموا بأن حارس البرازيل قال (كنت ارى لاعبى الهند أشبه بالثيران المتوحشة ذات القرون الطويلة ويصيبنى الرعب)، وأن “بيليه” قال (كنت اذا استلمت الكرة وأنطلقت بها ارى المرمى يبعد أكثر وأحاول اللحاق به)، وتتردد أساطير حول أرقام جنونية عن عدد الأهداف التى سجلها الهنود قبل إلغاء المباراة ما بين 18، 30، 81 هدفاً، ولكن بالطبع لا يوجد اى دليل عملى على تلك المباراة من الأساس إلا مجموعة من الخزعبلات والنكات والحكايات المسلية المنتشرة على شبكة الإنترنت، ولو كان السحر له ذلك التأثير على مسار كرة القدم لتغير تاريخ اللعبة بالكامل.