علي حشاد يكتب: لكل منا "جاكسون" يعيش بداخله

“أنا غريب عن هذا العالم، أنا غريب ولا يعرف أحد أي كلمة من لغة نفسي”.. تلك الكلمات للعظيم جبران خليل جبران أتت في ذهني بعد مشاهدتي لفيلم “شيخ جاكسون”. فهل تعلم أنه من الممكن أن يعيش الإنسان “غريبا” و يموت أيضا “غريبا”، دون أن يُدرك هويته ويكتشف ذاته الحقيقية التي ضاعت بين تأثيرات الحياة المختلفة من أهل ومجتمع و بيئة خارجية؟. اذا كنت من المحظوظين ستكتشف هويتك قبل فوات الآوان.

فذلك الشيخ الواعظ الذي يحرم نفسه من متعة الدنيا لكي يفوز بالآخرة ونعيمها، تتغير حياته وتنقلب رأسا على عقب بعد سماع خبر وفاة “مايكل جاكسون”، ويتذكر أنه في مراهقته كان شديد التعلق بمايكل جاكسون فقط لكي يلفت انتباه الفتاة التي أحبها لأنها كانت من عشاقه، لدرجة أنهم كانوا ينادونه بـ “جاكسون”؛ وعندما كبر ذهب للعيش مع خاله الملتحي الذي أقنعه بأن يبتعد عن هذا الطريق، فأصبح شيخا واعظا يسجل أدعية تحث الناس على التقرب إلى الله، وكان الناس ينادوه “بالشيخ” كما يظهر في بداية الفيلم، فهل هو “الشيخ”؟ أم “جاكسون”؟ أم كلاهما معا؟!.

لكل منا “جاكسون” يعيش بداخله نفتقده. ذلك الشيء أو الرمز الذي دفناه في قلوبنا -أو اضطررنا لدفنه- كان هو نقطة النور الوحيدة التي تشعرنا أننا ما زلنا على قيد الحياة، والتي تذكرنا بمن نكون وحقيقتنا التي فقدناها بين كل التأثيرات المحيطة بنا. فهذا الفيلم لا يحكي عن شيخ كان يحب مايكل جاكسون في مراهقته؛ فمايكل جاكسون هنا هو رمز يختلف من فرد لفرد عند مشاهدته للفيلم.

المخرج عمرو سلامة من وجهة نظري من أفضل المخرجين المصريين الآن، وقريبا سيصبح مخرجا عالميا. ذلك الشاب لديه خبرات واسعة؛ فمثلا، فيلمه “أسماء” حصد أكثر من 19 جائزة دولية ومحلية. وقد صرح أن فيلم “الشيخ جاكسون” فيه جزء كبير من شخصيته وقصة حياته، وذلك ظاهر وبوضوح في الفيلم. استخدم “سلامة” في هذا الفيلم الرمزية بشكل متقن؛ فمثلا “النار” التي تظهر للبطل طوال الفيلم تمثل ضميره، وتحثه دائما على أن يفعل الصواب، كما تعمد أن يجعل الجمهور لا يعلم اسم البطل الحقيقي إلا في المشاهد الأخيرة، ليؤكد على فكرته.

يقول توفيق الحكيم “إن في الدنيا أشخاصا يجري في دمائهم الفن وهم لا يشعرون”. من المؤكد أن ماجد الكدواني من هؤلاء الأشخاص!، وهو أفضل من مَثَّل في هذا الفيلم؛ عبقري في تلقائيته ووحش مفترس في أدائه، وله مشهد في الفيلم وهو يلوم ابنه على طول غيابه، يُبكيك دون حتى أن ترى عينيه!.

أعتقد أن دور البطل في مراهقته لا يستطيع أحد أن يمثله كما مثله أحمد مالك؛ ذلك الشاب كقطعة الصلصال التي تستطيع أن تشكلها أكثر من 100 شكل، فهو يثبت يوما بعد يوم أنه من أفضل من استطاعوا أن يؤدوا دور الشاب المراهق في هذا الجيل.

ابستمت وفرحت عندما رأيت “بسمة” في هذا الفيلم. بالرغم من بساطة الدور إلا أننا اشتقنا لرؤيتها على شاشة السينما؛ وسعيد أنها عادت من الولايات المتحدة، وسنراها في العديد من الأعمال الفترة المقبلة، فهي بلا شك ممثلة محترفة.

أداء “طسلمي أبو ضيف، كان بسيطا وتلقائيا وتطور بشكل ملحوظ، مقارنة بأدائها في “حلاوة الدنيا”، فهي ممثلة مجتهدة تحاول أن تطور من نفسها.

وأخيرا “أحمد الفيشاوي”؛ أداؤه في هذا الفيلم مميز، فقد ظهر بشكل جديد، وله العديد من المشاهد الصعبة التي أداها بشكل متقن.

أجمل مشاهد الفيلم من وجهة نظري هي: مشاهد ماجد الكدواني مع أحمد مالك، فهي مشاهد عفوية؛ مشاهد ظهور مايكل جاكسون بالجامع؛ ومشهد النهاية.

تم عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان تورنتو، وحاز على إعجاب النقاد؛ وعلق الناقد والكاتب العالمي “نورمان ويلنر” في مقالته التي راجع بها الفيلم عبر موقع “ناو تورنتو”، أن الفيلم يشتبك مع أعمق نقطة داخل الإنسان، وأن هذا الإحساس قد يصل إلى كل من سيشاهد الفيلم بلا شك، ووصفه بأنه جوهرة مهرجان تورنتو الخفية؛ ثم تم عرضه بمهرجان الجونة في مصر، وحاليا يُعرض في مهرجان لندن، وينافس الفيلم من خلاله على جائزة النقاد العالمية (فيبريسكي) وجائزة الجمهور، وتم اختيار الفيلم ليمثل مصر بالأوسكار.

بالرغم من أن هذا الفيلم ليس فيلما متكاملا أو خالٍ من العيوب، لكنه بلا شك فيلم يلمس القلوب ويحاول أن يبرز فكرة وقضية مهمة من خلال قصة بسيطة مؤثرة.