محمد مصطفى أبو شامة يكتب: "كنافة جاكسون" بين المنشد والمخزنجي

المشهد العام هذا الأسبوع، لا يختلف كثيرًا عما سبَقَه من أسابيع مَضَتْ، ولن يزيد عليه أي جديد في الأسابيع المقبلة، الطبق الرئيسي هو «الكنافة»، وحتي لا تصابَ بالملل فسوف تجدها أسبوعًا بـ«المانجو» وآخر بـ«الكريمة» أو المكسرات، وأسابيع أخرى سادة (لظروف التقشُّف وضِيق الحال) وقد تُجبَر (عزيزي القارئ) ذات أسبوع على أن تلتهمَ «صينية كنافة» ملسوعةً أو محروقةً إرضاءً لزوجتك (الأصيلة) التي منَّت عليك بالحلو وأنت عيشتك كلها مرّ.

وللعلم، فإن كنافة هذا الأسبوع حائرة «الحشو» رغم تكاثُرِ الطلب عليها، حتى إنَّ طابور الزبائن ممتدٌّ من مبنى وزارة الأوقاف في باب اللوق وحتى عزبة آل ساويرس في الجونة.

وكي لا تختلط الأمور بأكثر مما هي عليه، فإن الطابور أوله عند ساويرس في الجونة، وآخره عند وزير الأوقاف في باب اللوق بالقاهرة.

أما بعد،

فإن شيخًا أزهريًّا ومنشدًا دينيًّا معتبرًا (ومهذبًا) يتسلطن ويتجلى فيصدح برائعة أم كلثوم «لسه فاكر» في برنامج تلفزيوني شهير، فتعنّفه وزارته ويُحوَّل للتحقيق معه، ويوقَف عن العمل بعد أن «هيَّج» عليه «السوشيال ميديا»، في المقابل فنان موهوب (وموهوم) يمارس السخافة طوال حفل افتتاحِ مهرجانٍ سينمائيّ يُبثّ على الهواء أمام العالم، ويختتم المشهد بكلمة قذرة تفسد الحفل والمهرجان، وتغطي برائحتها على أغلى صنوف «البرفانات العالمية» التي رَشَّها الحضور ليتطهروا من كلمته، بينما لم تعلن أي جهة عن اتخاذ أي إجراء عقابي معه، بل اكتفى الجميع بمشاهدة فيلمه «الشيخ جاكسون» الذي افتتح به مهرجان الجونة، وقيل إنه سيمثِّل مصر في مسابقة الأوسكار العالمية.

أما الأديب والكاتب الكبير الدكتور محمد المخزنجي، فيبدو أنه استشرف ملامح المشهد قبل اكتماله في قصته القصيرة البديعة «عزوز جاكسون» المنشورة قبل أيام، وكان قد استَبَقَها بالكلمات التالية: «أحياناً يُضطَّر العمل الأدبي إلى التدافع ذوداً استباقياً عن أصالة فكرته مع احترام أصالة أية أفكار مُشابِهة أو مُناظِرة!».

وبعيدًا عن مغزى الكلمات، فإن عبارات موحية من رَحِم القصة يمكن أن تلخص القصد: «أعجوبة. ضحكة مرح وتنهيدة أسى. مايكل جاكسون قروي صغير أعمى، لم يولَد أعمى، لكنه فقد بصره في التاسعة»، «عندما تأكد عماه لم يعد أمامه مدارس يدخلها غير المدارس الأزهرية»، «تلقَّى عزوز إنذار الشيخ مدركًا أو متوهمًا أن ثمة رسالة في قلب الإنذار، وأنه فهم الرسالة. لم ينقطع عن الحضور الراقص والصخب الموقَّع وسط بهجة وتصفيق الطلبة في فترات الفسحة، لكنه راح يفعل ذلك في ركن الفناء الخلفي الذي لا تقع عليه عينا الشيخ إن أطل من نافذة مكتبه. وظل الشيخ يعرف باستمرار هذا ويتغاضى، لكنه لاحظ باستغراب شديد أن شكاوى المحرضين على الراقص الضرير بدعوى نشر الفسق والفجور قد انقطعت، انقطعت تمامًا، فارتاب الشيخ الكبير.. واستشعر الخطر».

وأخيرًا..

* لماذا أصبَحَتْ عقولنا مثل الكنافة، ملتفَّة ومتداخلة.. ملخبطة وملعبكة.. مستهلَكة ومهلِكة؟

* كيف لا يُحاسَب ابن الفيشاوي على مجمل تصرفاته المستهترة وأخلاقه المهترئة؟

* ما المشكلة في أن يغني شيخ أزهري؟

* كيف اختلَطَتْ علينا الأمور إلى هذا الحد، حتى أمسينا عميانَ عن الحقيقة الشاخصة أمامنا بكل وضوح؟

هي أسئلة لا تنتظر إجابات، بل هي على سبيل «الحشو» كي نتوه في التفافات «الكنافة» وحبالها التي لا تنتهي، وكي تنسينا حلاوتُها الخادعة مرارة الأيام. ولكن قبل أن تشتهي «صينية» اليوم، تذكر أن الحشو كان على طريقة «ابن الفيشاوي».