وائل لطفي يكتب: عمرو خالد.. في خدمة من؟

نقلًا عن “الوطن”

فى عام ٢٠٠٢ كان هناك ظاهرة لافتة فى مجال الدعوة.. آلاف الشبان يتدفقون كل يوم ثلاثاء على مسجد المغفرة فى العجوزة وتسد سياراتهم الأنيقة الشوارع المحيطة بالمسجد وتحولها إلى (بارك) كبير.. كانوا يجلسون فى السيارات ليستمعوا إلى الدرس الذى يلقيه داعية شاب وقتها وكأنهم يشاهدون فيلمًا فى سينما السيارات!

كمهتم بهذا الملف ذهبت لأحقق في الظاهرة، بالصدفة البحتة كان الداعية يتحدث عن فائدة أن يكون المسلم ثريًا، وفضل هذا على الإسلام وفائدته له (عاوز أبقى غنى علشان أعزم الناس وأحببهم فى دين ربنا)!!

كان ما يقوله عمرو خالد لافتًا لى، فاشتريت الشريط الذي سجل فيه خطبته ولفت نظري مجموعة من الأخطاء العملية والمنطقية، كتبت ملاحظاتي في مجلة «روز اليوسف» على مدى أسبوعين، وفى الأسبوع الثاني تلقيت اتصالًا من قيادي سابق في جماعة الإخوان، قال لي ما كان معلومًا بالضرورة لجهات الأمن.. عمرو خالد كان من قيادات الإخوان في الجامعة.. بل كان رئيسًا لاتحاد طلاب كلية التجارة، فضلاً عن أنه كان مسئول الحملة الانتخابية للمستشار مأمون الهضيبى.. نشرت المعلومات وفوجئت بصدور قرار بإيقاف عمرو خالد عن الخطابة للمرة الأولى.

     نرشح لك: انتقادات حادة لـ عمرو خالد بسبب هذا الدعاء

كانت وجهة نظري أن عمرو خالد يكتسب جماهيريته المتسارعة من حالة الفراغ وغياب المشروع التى تسيطر على الشباب المصرى والتى كنت أعتبر نظام مبارك المتسبب الأول فيها، كتبت مقالاً عبرت فيه عن وجهة نظرى بعد منع عمرو خالد بعنوان «قاوموه ولا تمنعوه»، قلت فيه إن المنع دون مشروع سياسى وثقافى يستوعب الشباب المصرى لا يؤدى إلى شىء، عاد عمرو خالد بعد قليل أقوى مما كان، وكان السبب هو وساطة رجال الأعمال وزوجات بعض كبار المسئولين.. كان التفسير بالنسبة لى أن عمرو خالد انتقل (فى الظاهر) من خدمة قيادات جماعة الإخوان إلى خدمة تيار هائل من رجال الأعمال.. قدم لهم تديناً مريحاً واستهلاكياً يبرر تضخم ثروات بعضهم غير المنطقى ويخبره أن مكانه الجنة بكل تأكيد مهما فعل للحفاظ على الثروة.. الأكثر من هذا أنه ومع تنامى ظاهرة نفوذ ابنى الرئيس مبارك فى الحياة العامة سعى جاهداً للتأثير عليهما وتقديم نفسه كظهير دينى للمشروع برمته، وقد نجح فى التأثير على أحدهما بينما تعامل مع الآخر كمنافس وكخطر محتمل، وأذكر أن صديقاً لعمرو خالد قال لى مازحاً «كل ما نريده أن يتغير اسم فريق (الصقور) ليصبح اسمه فريق (القدس)».. وكان فريق الصقور هو فريق كرة القدم الذى يشارك به ابنا الرئيس فى الدورة الرمضانية التى تنظمها وزارة الشباب كل عام.. ولعل المعنى واضح!

عمل عمرو خالد إذن فى خدمة رجال الأعمال مبتعداً على المستوى الشكلى عن جماعة الإخوان المسلمين، لكن الحقيقة أنه لم ولن يقدم أى نقد لمشروعها لأنه ما زال وسيظل واحداً من أبنائها المخلصين حتى وإن نالته سهام أعضاء الجماعة ممن كانوا ينتظرون منه موقفاً أكثر تشدداً فى نصرة الجماعة صاحبة الفضل عليه.

أسهمت الأحداث المتتالية، وآخرها ثورة ٣٠ يونيو، فى انكشاف جزء من معدن عمرو خالد وحقيقته، لكن هذا لا ينفى أن قدرته على خداع البسطاء باسم الدين ما زالت قائمة، ومن وجهة نظرى فإن مشروعاً مثل أكاديمية الشباب، فى حالة تطوره ونجاحه، قد يكون أول خطوة فعلية يتم اتخاذها لمواجهة عمرو خالد بعد عشرين عاماً من ظهوره كداعية.

مطلوب أن يخرج عمرو خالد من المجال العام لفترة ربما يستطيع فيها أن يصوغ خطاباً يتخلى فيه عن كل هذا الابتذال.. وفى رواية أخرى عن كل هذا “الرخص”.

                 نرشح لك: شاهد: طفل يسخر من دعاء عمرو خالد