أحمد فرغلي رضوان يكتب: داليدا..عندما تجتمع تناقضات الحياة في إمرأة

لا تستطيع أن تحبس دموعك متأثرا من سيرة حياة هذه الفنانة المبدعة والتي اسرت قلوب الملايين عبر العالم لسنوات، قبل أن تنهي حياتها بشكل مآساوي بعد أن قررت الإنتحار مكتفية برسالة كتبت فيها “سامحوني..الحياة لم تعد تُحتمل” وهي تواجه نفس النهاية الموجعة مثل نهاية من أحبتهم من الرجال، لنكتشف ان النجاح الفني والسعادة لم يسيرا معا في حياة داليدا، فنجدها تقول مع طبيبها “ابذل قصار جهدي لأكون سعيدة ..لكن الموت يحوم حولي كالوحش!”.

رغم حياتها التي تبدو معقدة ومليئة بالإنكسارات لكنها أيضا إمرأة تملك طاقة وهي تغني على المسرح مثل ضوء الشمس تملأ المكان بحيويتها! إمراة لا تملك إلا أن تحبها عندما تشاهد الفيلم الذي يمس مشاعرك بشكل كبير وبشكل مشوق جدا، ونجحت مخرجته في بناء الأحداث بشاعرية وإحساس وعوطف دفينة ومتقلبة لإمرأة تبدو حزينة وتبحث طوال الوقت عن الحب والأمان والسلام الداخلي والحنين لإنجاب طفل وكلما تجد الرجل الذي تشعر معه ببعض تلك الأمور تكون النهاية “المتكررة” الإنتحار!؟ وهو ما ركزت عليه المخرجة لتمهد لنا نهاية “داليدا” التي كلنا نعرفها، وهو بالفعل درس من المخرجة في كيفية صناعة أفلام عن السير الذاتية للفنانين.

بالتأكيد داليدا هي شخصية ثرية دراميا لتقديمها على الشاشة ولو أنك تشعر أن الساعتين وقت الفيلم لا تكفيان لسيرة هذه الفنانة، وتتمنى أن يطول الوقت لتشاهد المزيد من الأحداث،المخرجة ركزت اكثر على الجانب الشخصي والانساني لحياة داليدا على حساب الجانب الفني وتحديدا الموسيقى التي هي من صنعت هذه السيدة فكان الحضور الأكثر للاغنيات وجاءت بمثابة التعبير عن محطات حياتها وعلاقتها العاطفية التي تعيشها. اختارت المخرجة الفرنسية ليزا ازويلوس الفلاش باك لعرض أحداث فيلمها ولكن ليس بشكل زمني مسلسل بل متنقلة بين الفترات الإنسانية الأكثر ثراءا في حياة داليدا للوصول الى نهايتها المفاجئة والأليمة للعالم، الألم عنصر مشترك في حياة داليدا منذ طفولتها بمصر، كذلك الاغاني التي اختارتها كانت تعبر عما يدور داخل أعماق هذه السيدة التي عاشت حياة إستثنائية مثل موهبتها لتجد نفسك متعاطفا بكل مشاعرك مع داليدا وكأنك لا تعرف شيئا مسبقا عن تلك السيرة.

براعة المخرجة بدت واضحة جدا بشكل لافت في اختيار الاغنيات وتوظيفها بشكل رائع لخدمة الدراما طوال الأحداث وحتى مشهد “الانتحار” كذلك برعت في اختيارها لفريق التمثيل بداية من عارضة الأزياء الإيطالية “سفيفا الفيتي” والتي اختارتها المخرجة بعد بحث من بين نحو 200 ممثلة أخرى والمهم كان لديها العثور على ممثلة تستطيع تجسيد الشخصية وليس ضروري أن تعرفها وتحبها.

وتعترف المخرجة أن الموضوع كان صعبا جدا في بدايته عام 2014 عندما كان فكرة حتى خرج للنور وهو محاولة لفهم هذه الشخصية وليس محاكمتها وساعدها في العمل وشارك في إنتاجه شقيق داليدا “اورلاندو”.

الفيلم يغفل عشرين عاما عاشتهم داليدا في مصر قبل أن تغادرها إلى فرنسا، خلالهم محاولات فنية عديدة واكتفي فقط بذكريات طفولية مؤلمة لديها بالمدرسة وبعد ذلك حينما جاءت في عام 1986 لتصور فيلم “اليوم السادس” مع المخرج يوسف شاهين.

وهنا أذكر منذ عدة سنوات حكت لي صديقتي الفنانة “بشرى” عن مشروع تحلم به وبدأت خطوات فيه لمسلسل عن سيرة حياة “داليدا” ووجدتها قرأت بشكل موسع عن حياة داليدا وخاصة الفترة التي عاشت بها في مصر وهي المرحلة التي أغفل تفاصيلها الفيلم العالمي وأتمنى أن تكمل بشرى مشروعها هذا الأن فهي ممثلة وتجيد الغناء لذلك فهي مناسبة جدا لتقديم هذه الشخصية في عمل درامي.

ويبقى فيلم الفرنسية ليزا أزويلوس واحدا من الأفلام التي تثير مشاعر حنين في نفوس المشاهدين وذكريات ارتبطت مع البعض وبهذه المغنية الجميلة التي أسرت الملايين يوما بأغانيها الرومانسية.