يوسف بطرس غالي على dmc .. مظلوم بمجموع أحكام 65 سنة!

فاتن الوكيل

إجراء حوارات تلفزيونية مع الشخصيات التي توارت عن الأنظار قصرا أو طوعا عقب ثورة 25 يناير التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، أمر هام وجدير بالتفكير في زمن الفرصة الذي نعيشه. لكن مع هذا يجب على الإعلامي أو الصحفي أن يضع عدة نقاط إذا تحققت يمكنه إجراء الحوار بضمير مستريح حتى إذا كان مع مبارك شخصيا بعيدا عن إغراء مانشيت “انفراد.. فلان ينفرد بالحوار مع …”. أولها “ما الهدف؟”، وهل هناك جديد وهام يمكن الخروج به من الحوار.

في العموم أرفض أسلوب الحوار الذي يشبه “تحقيق النيابة” لكن في المقابل ألا أسمح بالضيف أن يستغل الحوار لتحقيق أهدافه، ويبدو أن هذه النقطة على وجه التحديد تمت بالتراضي بين الإعلامي أسامة كمال الذي أذاع حواره مع يوسف بطرس غالي وزير المالية في عصر مبارك مساء أمس الأربعاء ببرنامج “مساء dmc” على قناة dmc. وبما أن أسامة كمال هو إعلامي معروف عنه الابتعاد عن الإثارة والرغبة في الانفرادات من باب الضربة الإعلامية وفقط، فيجب علينا التأكيد على عدة ملاحظات.

لماذا الحوار؟

حسب المقدمة التي بدأ بها أسامة كمال حواره مع “غالي” قال: “إحنا مش عايزين حالة القلق ويتقال إحنا بنعمل ايه.. إحنا عايزين صالح البلد.. وعشان ده يتحقق الشخصيات المصرية الأصيلة اللي ليها ارتباط بمصر وما زالت ومنهم الدكتور يوسف بطرس غالي اللي متأخرش إنه يدينا روشتة لتعافي الاقتصاد المصري”.

الحقيقة أن غالي إذا أراد إعطاء حلولا لمشكلات الاقتصاد فالمنطقي أن يتوجه بها إلى النظام وليس المشاهد المصري –وهو ما يحدث فعليا- طبقا لما جاء بالحوار بعد ذلك، لكن كان واضحا من مقدمة أسامة كمال أن المحاور متعاطف فعليا مع غالي وأطلق عليه عدة أوصاف مثل “الوطني” و”المحترم”، بالإضافة إلى الوصف الذي يفضله غالي “ميكانيكي اقتصاد”.

وما يمهد إليه الحوار – بعيدا عن نظرية المؤامرة- هو الإيحاء بأن قيادات نظام مبارك تعرضت لظلم كبير ولديها نقاط قوة يمكن الاستعانة بها.

وباعتبار “غالي” أحدها بالتالي فهناك حاجة إلى أن يتقبل الجمهور على وجه السرعة هذه الوجوه التي أبعدتها الثورة، للاستعانة بها مرة أخرى.

عبارات عاطفية

بعض العبارات العاطفية مثل “انت قاعد في الغربة وشايل هم البلد”.. قالها كمال لغالي. وهو ما يؤكد أننا أمام إعلامي متعاطف تماما مع أحد رموز مبارك وهو يوضح لنا أن الهدف بالفعل ليس فقط إعطاء إرشادات حول إصلاح الاقتصاد ولكن لجعل القناة بوابة يعود من خلالها غالي لاستعطاف الجمهور، متحججا بالـ 7% نمو الذي لم ير الشعب المصري أي من خيراتهم الوفيرة!.

مغازلة للنظام أم للمشاهد؟

رغم أن معلومة تواصل غالي مع المسئولين في الدولة من وقت لآخر للحديث حول الاقتصاد وأحواله، ليست جديدة، حيث أشارت الإعلامية لميس الحديدي في حلقة من برنامجها “هنا العاصمة” بتاريخ أكتوبر 2016 إلى اتصالات بين غالي والمسئولين لكنها طالبت بشدة وقتها أن تنتهي القضايا المرفوعة ضده سريعا ليعود إلى مكانه.

وبات من الواضح أن غالي لا زال في حاجة ماسة إلى أن يضمن عودته قانونيا وشعبيا وأن الاستعانة به لن تؤثر على شعبية الحكومة بالتالي فإن الحوار بالون اختبار، إذا نجح في أن يمر دون سخط كبير كان بها، وإلا فإنه يبقى مستشارا من الخارج كما يردد البعض.

يضاف إلى ذلك ما قاله أسامة كمال من وجود اتصالات بين غالي وصندوق النقد وسعيه للحوار مع المسئولين هناك لمحاولة تخفيف الإجراءات عن مصر، وهي الحوارات التي رفض غالي الإفصاح عنها.

غالي ينتقد نظام مبارك!

من المتوقع وقت مشاهدة الحوار أن نسمع غالي يشيد بأداء الرئيس السيسي، وهو ما قاله بالفعل عندما قال : “عندنا قائد داخل المشكلة بصدره ومستعد يحط مستقبله السياسي على الميزان عشان ينقذ مستقبل البلد الاقتصادي”، لكن غير المتوقع هو النقد الذي جهه للنظام السابق الذي شغل فيه منصب وزير المالية، حيث قال: “قبل كدة كان بيتقال لا بلاش عشان متزعلهمش والمشاكل بتتراكم”، ناصحا الشعب بـ”مساعدة الرئيس شوية”.

مشروع قومي عن “الفقراء”

من الساخر أن تجد وزير مالية دفعت إجراءاته الشعب إلى القيام بثورة أن يطرح “مشروع قومي” يتعلق بالفقراء، ملخصه حصر أعداد الفقراء خاصة في العشوائيات وفتح حسابات باسمائهم وتقديم دعم نقدي لهم.

ما حدث يشبه الاستوديو التحليلي لكرة القدم. الجميع يضع التصورات ويعدل على قرارات المدير الفني، لكن عند تحمل أحدهم المسئولية يلعبون مثل فرق دوري المظاليم.

مظلوم بمجموع أحكام 65 سنة!

سأل “كمال” غالي متعجبا “ليه مرجعتش مصر.. إيه لسة بيمنعك إنك ترجع”، حيث أصبح الحديث عن تقبل الشعب لفلول مبارك أمرا عاديا، لكن غالي نفسه أكد أنه لم يحصل على أي براءة في جميع القضايا المتهم بها. مؤكدا أن حتى قضية “اللوحات المعدنية” حصل جميع المتهمين فيها على البراءة ماعدا هو، ثم قال بابتسامة “كل الأحكام على بعض يجيلها 65 سنة” ثم يؤكد أن “الغربة وحشة والظلم وحش”.

تصرف الرجل وهربه خارج مصر لا يوحي أنه قوي الحجة، وفي خطوة لاستعطاف المشاهد أوضح أنه “مش معصوم من الخطأ” واتكب أخطاء وطبق سياسات وفشلت ولم تحقق ما يراد منها، لكنه أصر على أن القضية التي صدر حكمها ضده لم يرتكب فيها أي جرم.

كان رد “كمال” متعاطفا مع غالي بشكل يدفع إلى الاستفراز. ففي الوقت الذي يُتهم فيه أحد الوجوه المعارضة -مجرد اتهام- يتم وصمه بالمخطئ، أما غالي الذي صدرت ضده مجموع أحكام بـ65 سنة، لم يجد إلا كل اللطف من “كمال” عندما أراد تبرير هذه الأحكام باحتمالية ضعف المحامي!.

سؤال ضعيف من إعلامي كبير

“تربحت يا دكتور؟ أنا آسف إني بسأل كدة”.. بهذا السؤال الضعيف رأى “كمال” انه يسأل سؤالا صادما، لكن الحقيقة أن هذه النوعية من الأسئلة الضعيفة تسمح للضيف أن يكون رده أقوى حتى وإن قال فقط “لا لم أفعل” بشكل عاطفي كما حدث، حيث قال “غالي”: “لا متربحتش.. ده شكل واحد متربح؟ وبعدين أنا جاي من أسرة ليها 200 سنة في السياسة”.

ختم كمال هذه النقطة بعدم رغبته في الاستغراق في الأمور الشخصية. لكن بالطبع هذه القضايا ليست “أمور شخصية” لكنها فترة من تاريخ مصر، تتطلب من الكل أن يتحمل نتيجة أفعاله.

توقيت التصوير

هذا الحوار بات من الواضح تصويره و”ركنه” إلى حين اختيار الوقت المناسب لعرضه حيث قال غالي خلال حديثه عن صورة مصر في الخارج إنه اتصل بالعديد من الصحف العالمية التي لم تنشر أي خبر عما قامت به الدولة من ترميم للكنسية البطرسية في 12 يوما فقط عقب التفجير الإرهابي الذي خلف عشرات الشهداء والحرجى، قائلا خلال الحوار: “والكلام ده كان من شهر”، أي أن الحوار تم تسجيله مع نهاية يناير 2017 تقريبًا، لكنه لم يُذع إلا في 1 مارس.