مي سعيد تكتب: عمرو حسن صانع الأسطورة

الزمان : السادس و العشرين من شهر فبراير

المكان : مسرح جامعة القاهرة العظيم

الحدث : لا ليس حدثاً بل أسطورة

امتلئ المسرح بهمهمات الحاضرين شوقاً لوصوله ووقوفه على تلك الخشبة المهيبة بينما هرولنا نحن إلى أماكن جلوسنا مدهوشين مشدوهين بهذا الحدث، وهذه الهمهمات الطازجة لشباب إرتسمت على ملامحهم آمال قادمة لمستقبل هذا الوطن، و بعد القليل من الوقت، والذي بدأ كثيراً جداً في انتظاره، طل علينا عمرو حسن بخطوات واثقة ليعلن من مكانه هذا موعد بداية الاسطورة.

بدأ العزف، وساد الصمت الناعم بين أفواه الحاضرين بينما أدار عمرو حسن صوته الكثيف مع عمارة المكان، أخذ صوت عمرو حسن يضئ المكان تباعاً ثم دس في أرواحنا أبيات شعره التي ظن كل منا أنها كتبت خصيصاً له، وكأنها تنادي كل منا بإسمه، تراكمت أبياته في زوايا أرواحنا حتى فاضت عشقاً، وقمحاً قد جمعه عمرو حسن لنا عبر سنين عمره خصيصاً لهذا المشهد، وهذا المسرح.

عاد الدم يتدفق فى أوردتنا بعد أن هجرها لسنين طويلة باردة خالية من الشعر، قرر عمرو حسن دون أن يدري بأن يحمل عنا حقائب الشتاءات الطويلة، لا صوت غير صوته، وصوت الجدران يمكنه أن يكثف انسانيتنا هكذا.

ظلت ايدينا تنزف تصفيقاً مدوي دون توقف بينما تستجير به ليكمل قصيدة تلو أخرى ليلون بها الواقع الرمادي اليى نعيش فيه، كان صوته غائراً يجفف ذكرياتنا الوارفة، ويعيدها إلينا على استحياء، تلى أناشيده الشعرية المتفردة بلون الحياة، وصاغ بداخلي تساؤل يشطرني إلى نصفين : كم مرة سأكون إنسانة في اليوم الواحد، وكم مرة سأتذوق الكلمات الطازجة، والصور التي تنير ثغر الحياة، ظل صوته يربك اللحظة بداخلي، وأنا استحضر سنوات طفولتي، وكأننى تربيت، وكبرت على شعر هذا الرجل، لا صوت يعلو فوق صوت الكلمات التي تتسلل إلى ذكرياتنا فتذكرنا بكل ما قمنا به من اختيارات ربما تبدو غير مهمة على الإطلاق لأن الأهم في حقيقة الأمر هو التعايش معها، و قبولها، وقبول كل ما تنجب من نتائج ، خلعت كلماته ثوب أنوثتي، وأعادت لي ضفيرتي التي ارتد ظلالها على جدران هذا المسرح الممتلئ عن آخره بعشاق شعره، ومشاعره، وكلماته المرتبة التي تشبه المصابيح الصغيرة تلك التى تعيد إليك تفاصيل المدن الغائبة، والأرواح المغادرة، عزفت فرقته الموسيقية موسيقى بطعم الملح، كانت تلك الموسيقى هى مؤامرته الصغيرة في صياغة الحدث، و كلماته كانت كما يمامة بيضاء يركب لها أجنحة جديدة مع كل قصيدة يلقيها سهماً يصيب به خيباتنا، وانكساراتنا هكذا فقط يمكننا أن نتقبل المرارة بشكل حضاري، هدهدتنى قصائده و كأنها تأخذني إلى سريرى فأغفو على وشوشته الحنون بينما أراقب وجوه الحضور تراقب كلماته المتطايرة ملصقين طفولتهم فى حوائط المكان، فتح عمرو حسن بأبيات شعره صمامات قلبى لمعجزة هذا المشهد، وتلك الأسطورة و بينما يشدو “الحلوة فص ف خاتم الدنيا” همهمت أنا لا بل شعرك أنت

أنت من تجعل خيالنا المنتفض يتسع لألف قصيدة مما تكتب فتدوم كلماتك كسحابة ماطرة تسكن فى قعر أفكارنا الطازجة ، ايقنت مع قرب انتهاء الحفل أن شعر عمرو حسن قادر بلا أدنى شك على منازلة الإنتهاك الذى يمارسه الكثيرون بحق الكلمات و قادر أيضاً على تفريغ الحياة من رتابة الكلمات الضالة التى يكتبها الكثيرون من مدعى الشعر هذه الأيام، وعرفت حينها أن الشعر باق و حى و أن بقائه لم يعد أسطورة بعد وقوف عمرو حسن يشدو على خشبة هذا المسرح الحنون .