في ذكرى وفاتها.. 5 عمالقة يتحدثون عن أم كلثوم

إيمان مندور

من المعروف أن سيدة الغناء العربي أم كلثوم، كانت صارمة جدًا في اختيار كلمات وألحان أغنياتها، ووصفها البعض بأنها “ذات حساسية فنية زائدة” نتيجة لهذا التدقيق والتفحيص “المبالغ فيه” _على حد وصفهم_، لكن ما تركته خلفها من إرث فني عريق، تتداوله الأجيال المتعاقبة جيلًا بعد جيل، كشف سر هذا الحرص الشديد في اختيار كل ما أنتجته خلال مسيرتها الفنية.

فلو لم تحرص كوكب الشرق “بشدة” على حسن اختيار ما قدمته من فن، لما استمرت أغنياتها بيننا حتى وقتنا هذا، لكن هكذا يخلد الفن الحقيقي، ويندثر نقيضه من الفن “الهابط والمبتذل” أو حتى الضعيف.

تحل اليوم ذكرى مرور اثنين وأربعون عامًا على وفاة سيدة الغناء العربي، لذا يستعرض إعلام دوت أورج أبرز ما قاله عمالقة الفن والأدب عنها وعن مسيرتها الفنية.

عباس العقاد

في حوار تليفزيوني أجرته الإعلامية الراحلة أماني مع الأديب الكبير عباس العقاد في منزله بحلمية الزيتون، تحدّث الأخير عن رأيه في الموسيقى في عهده، وتحديدًا عن محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، واصفًا عبد الوهاب بأنه “موسع السلم الموسيقي العربي”، حتى أصبح يتناول الأغاني التي لم تكن مألوفة في الماضي للأذن الشرقية، مضيفًا “استطاع أن يسوغ هذه الأغاني، ويقرب بين الأنغام الأوروبية وكثير من الأنغام الشرقية العربية”.

أما سيدة الغناء العربي أم كلثوم، فقد قال عنها نصًا “فضيلتها الكبرى في صوتها، وصوتها أعطى للفن قيمة جديدة”، معتبرًا أن صوتها مؤثر في النفس، كما أنه مستقل عن الملحن والآلات.

 

فريد الأطرش

رغم معاصرة  الفنان والموسيقار فريد الأطرش لكوكب الشرق وهو في عز مجده الفني، إلا أنه رحل وهو مازال غاضبًا منها، بسبب تجاهلها لألحانه، ورفضها أو تهربها من الغناء من ألحانه، لأسباب وصفها هو بأنها غير معروفة، رغم اعترافها بعبقريته الفنية.

“معندوش حظ”

في حوار للفنان فريد الأطرش مع الإعلامية ليلى رستم عام 1966، أبدى عن مدى الحزن الذي كان يمر به في حياته وقتها، خاصة بعد وفاة شقيقته أسمهان، حيث وصف حياته بعد رحيلها قائلاً “أنا تعبان وحزين، وبعد وفاة أختي أسمهان انقلبت حياتي إلى حزن وألم”.

لكن عندما سألته المذيعة في نفس اللقاء عن تعاونه مع أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، أجاب بأنه حقق نجاحًا منقطع النظير وألحانه تشهد بهذا الأمر، لكن كانت أمنيته الدائمة أن يلحن لأم كلثوم وعبد الحليم، لكنهم كانوا يرفضون هذا الأمر، قائلاً “يتهربوا ليش؟ ما أعرفش. فيه شيء مش عارف أوصلو.. فيه ناس غيري عندهم حظ، بيغني لهم الفنانين وأنا لا”.

تهديد غير معلن

استمرار عدم موافقة أم كلثوم على الغناء من ألحان فريد الأطرش، زاد من غضبه تجاهها، لكنه أوضح في أحد حواراته أن هناك جهات “لم يسمها” مارست ضغوطًا وتهديدات كبيرة على كوكب الشرق كي لا تغني من ألحانه.

وقال “الأطرش في حواره “أم كلثوم بكل أسف في حاجة بنفسها مش عاوزة تتعاون معايا، أنا حاولت وقلت هذي أمنيتي في حياتي وتواضعت وحتى جرحت نفسي لما قلت لها أمنيتي.. مش فاهم ليه دايماً تتردد في الغناء لي، ولما تسألها تقول لك هذا فنان عظيم ومش عارف إيه، أروح أقدم لها ألحان رائعة مش عايزة تغنيها”.

محمد عبد الوهاب

 

بمجرد البحث والقراءة عن علاقة كوكب الشرق أم كلثوم بالموسيقار الكبير الراحل محمد عبد الوهاب، تشعر بأن الأخير عندما يتحدث عنها، كأنه عثر على كنز ثمين في حياته، فقد وصفها بـ”المعجزة الكبيرة” ووصف صوتها بـ”النادر”، وعندما سُئل عن من صنع أسطورة أم كلثوم موهبتها فقط أم شيء آخر يُضاف إلى الموهبة؟، أجاب بأن مواهبها الفنية وسلوكها الاجتماعي هما سبب ذلك.

أضاف الموسيقار الكبير الراحل قائلاً “الألحان الكلثومية وجدت للحنجرة الكلثومية، إن لون أم كلثوم يعتمد على القفلات «قفلات الطرب»، وأم كلثوم أقدر الجميع على أداء القفلة التي تعتبر أصعب امتحان للصوت، والتي تحتاج الى شجاعة واحساس عميق، وصوت سليم مدرب وقوي وهذه المزايا من الصعب أن تتجمع في حنجرة واحدة بعد أم كلثوم”.

ورغم أن أم كلثوم قدمت 10 أغنيات فقط من ألحان عبد الوهاب، بداية من “أنت عمري” في 6 فبراير 1964، انتهاءًا بـ”ليلة حب” عام 1972، إلا أن النقاد أوضحوا أن سبب النجاح الشديد لتلك الأغنيات _بخلاف صوت أم كلثوم_ هو تكريس عبد الوهاب للمقدمات الموسيقية لأغانيها كجزء أساسى فى اللحن، واستعماله فيها كل ما أوتي من موهبة لتكون “تحفًا موسيقية” وليس فقط تمهيدًا للغناء، كما أوضحوا أنه بالرغم من أن جمهور أم كلثوم هو جمهور صوت وليس موسيقى، إلا أن عبد الوهاب حقق معادلة غاية في التعقيد بتلك الألحان.

بوب ديلان

 

تحدث المغني الأمريكي بوب ديلان الفائز بجائزة نوبل للآداب، عن حبه للموسيقى العربية والشرق أوسطية، وتعرّفه على صوت أم كلثوم لأول مرة عندما كان في زيارة للقدس، واصفاً إياها بـ “مطربة مصر العظيمة”، وبأنها تقدم فناً يتغنى بعاطفة الحب، ثم أضاف قائلاً “كان والدها منشداً دينياً، وتفوّقت في الغناء معه إلى الحد الذي جعله يسمح لها بالغناء واحترافه.. إنها ميتة الآن لكنها لم تنس. إنها عظيمة، إنها حقاً حقاً عظيمة”.

نجيب محفوظ

“من شدة إعجابي بها سميت ابنتي الكبرى على اسمها والصغرى على اسم أمها وأمي”.. هكذا وصف الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ سيدة الغناء الغربي أم كلثوم.

وقد ذكر الكاتب يوسف القعيد في كتابه “نجيب محفوظ إن حكى” أنه توقف أمام “محفوظ” عن شخصية أم كلثوم، قائلاً “الرجل كان متيَّماً بها، يحب الاستماع إليها، وعندما كان توفيق صالح يتجول بنا في سيارته الصغيرة على ضواحي القاهرة، كان يضع شرائط أم كلثوم في كاسيت السيارة، ورغم عدم قدرة نجيب محفوظ على الاستماع الدقيق، إلا أنه كان يتمايل مع غنائها”.

وفي حوار مطوّل لنجيب محفوظ، نشر في مجلة “فن” في 11 يوليو ١٩٩٤، أكّد أنه يعشق أم كلثوم وعبد الوهاب ويطرب لعبد الحليم حافظ، موضحًا أنه من باب العلم بالشئ استمع إلى كل الأصوات التي شدت والتي نشزت أيضاً، وأن ماضي الغناء كان عريقًا، لكن في فترة التسعينات أصبح الغناء بحاجة إلى “فض استباك” بعدما اختلط فيها الجاد والهزلي واللامعقول من الغناء.