أحمد فرغلي رضوان يكتب: La La Land ..اترك الأحلام تداعب خيالك

يبدو أن الأمريكيين كان لديهم قرار مسبق بصناعة فيلم هوليوودي يعيد “البريق” لأمريكا باعتبارها أرض الموسيقى والأحلام، أزعم أن جميع من شاهد الفيلم تمنى ولو للحظة “العيش” مثل ذلك الحلم الجميل الذي يشاهده برومانسيته البسيطة والصادقة، لذلك تخرج مِن الفيلم بشحنة من الطاقة الإيجابية لدرجة جعلته أفضل فيلم موسيقى يصل إلى شاشات السينما منذ ثمنينيات القرن الماضي هو أكثر حيوية من فيلم “شيكاجو” هو فيلم الموسم كما يطلقون عليه الأن بعد أن ظهر “لا لا لاند” كلوحة فنية بديعة متناسقة الألوان، باختصار هو حالة سينمائية مبهجة للمشاهدين تثير التفاؤل.

 

في حياتنا سيناريو دائما نريده وهناك سيناريو أخر يتحقق هو سيناريو “القدر” وقد يكون عكس رغباتنا، البطل والبطلة جمعهما حلم واحد في شارع الفن هو يبحث عن نجاح في عالم الموسيقى وهي مثله ولكن في عالم التمثيل، وتبدو أحلامهما بعيدة وصعبة المنال ولكن ينجحان بعد عدة محاولات فاشلة ولذلك يخرج المشاهد بأنه لابد أن يتمسك بأحلامه مهما بدت صعبة وبعيدة.

عمد المخرج والمؤلف “داميان شازيل” إلي تجهيل الحقبة الزمنية ربما لكي يقول هذه هي أمريكا أرض الموسيقى والأحلام في كل العصور فتشعر إنك في السبعينيات ثم تنتقل إلى التسعينيات وتقفز لحقبة الألفية الجديدة! كل ذلك وأنت تستمتع بالحالة العامة التي برع المخرج ومعه المصور “لينوس ساندجرين” في صناعتها مع موسيقى “الجاز” وأغنيات معبرة جدا، هي في الحقيقة أقوى وأكثر بلاغة من “الحوار السينمائي” الذي جاء ضعيفا ولم يشبع رغبات بعض من الجمهور المتعطش لجمل حوارية رومانسية “عميقة” أنتظرها إلى نهاية الفيلم والتي أكتفى المخرج بأن تكون مجرد إبتسامة بين البطل والبطلة ولكنها “ابتسامة” ذات مغزى هي إبتسامة الرضا بما حدث لكل منهما في مشوار حياته بعد إنفصالهما وهي أحد رسائل الفيلم أن ترضى بما حققت ووصلت إليه ولن تحصل على كل ما تريده في هذه الحياة ولكن متعة الحب الحقيقي ستعيشها يوما ما وستكون غالبا مرة واحدة تظل تتذكرها! كما أن الاستقرار الذي بدت عليه البطلة في نهاية الأحداث لا يعني بالضرورة انها وصلت للسعادة المنشودة! ولكنه كان ضرورة من ضرورات الحياة.

الفن والحب والأحلام

بالطبع الموسيقى والتي لم يخفي المخرج عشقه لها، وبألحان نادرا ما تتكرر في عمل سينمائي نجح المخرج “داميان شازيل” في شغل عقول المشاهدين في جميع أنحاء العالم منذ عدة أسابيع حيث بدأ عرضه، فبعد فيلمان وثلاث جوائز أوسكار عن فيلمه الثاني “ويبلاش” ينجح شازيل في فرض نفسه كمخرج واعد في هوليوود ويكشف إن “لا لا لاند” كان حلمه منذ نحو عشر سنوات مع الملحن جوستين هورويتز، حين كانا لا يزالان طالبين في جامعة “هارفارد” حيث كان يرغب في إثبات أن الموسيقى يمكن أن تظل قائمة، ويمكن أن تكون مناسبة للوقت الحالي، ولا يزال بالإمكان أن تكون عصرية.

ولكن الأمر استغرق بعض الوقت لكي يقنع شازيل صناع السينما في هوليوود بإنتاجه، وهو حال صناعة السينما في العالم فمثلا صعب جدا أن يتقدم مخرج لمشروع عمل موسيقي إستعراضي لمنتجي السينما الحالية في مصر إلا اذا كان له أسم كبير ومعه نجوم أيضا بالفيلم.

يقول المخرج “شازيل” إنتاج استعراض موسيقي أصلي في هوليوود اليوم كان صعبا كما كان الإبلاغ بأني أريد أن يتولى كتابة كل الموسيقى زميل سكني الجامعي السابق، أمرا صعبا أيضا، كان الاثنان غير معروفين في صناعة السينما وكان كل ذلك مقامرة كبيرة كما قال “شازيل” واتضح فيما بعد، أنهما كانا بحاجة لصناعة فيلم آخر وكان هذا الفيلم هو “ويبلاش” الدراما النفسية التى تحكي عن طالب موسيقى الجاز وأستاذه الشرير، وهو الفيلم الذي فاز بثلاث جوائز أوسكار في عام 2015.

وبالفعل ينجح شازيل وصديق دراسته جوستين في تحقيق حلمهما المؤجل “لا لا لاند ” ويحققا نجاحا جماهيريا كبيرا وحصد جوائز “مستمر” أخرها الجائزة الكبرى من جمعية نقاد السينما في نيويورك وترشيحات منتظرة لجولدن جلوب والأوسكار.

البطلة “ايما ستون” تجذبك بشدة بأداء رائع، فتأخذك بنظراتها المعبرة بشدة عن مواقف شخصيتها فتعيش معها الحيرة والرغبة والسعادة عندما تجد الحبيب الذي تبحث عنه، في اعتقادي جائزة أوسكار أفضل ممثلة باتت قريبة منها، وتقول ستون عن الفيلم انه ذكرها باختبارات التمثيل المهينة! التي مرت بها عندما وصلت إلى لوس أنجلوس للمرة الأولى، وهذا هو ما أود أن يفعله الشبان “أن يعملوا بجد لتحقيق أحلامهم”.

أما البطل “ريان جوسلينج” فيقنعك تماما بأنه عازف بيانو ماهر وبالفعل نكتشف أنه تعلم عزف البيانو بسرعة مفاجئة للجميع بعد تدريبات وصلت ل12 ساعة أسبوعيا بالرغم انه ليس لديه خبرات سابقة في العزف ولكن هكذا يجب أن يكون الممثل.

مجرد أمنيات !

أستوقفني إقبال الشباب على مشاهدة الفيلم بشكل لم يحدث في دور العرض المصرية منذ سنوات والإجابة أن الفيلم يعطيهم جرعة من التفاؤل عبر ساعتين ممتعتين فالشباب “المغلوب على أمره” يبحث عن متنفس لرغبات دفينة في مجتمع “قاس” لم يساعده إطلاقا على مجرد أن يحلم بل العكس بات يخاف من مستقبل مجهول والسينما هي الحالة الوحيدة التي يعيش معها أحلامه!