محمد مصطفى أبو شامة يكتب : التوأم السيامي.. والتوأمة السياسية

نقلاً عن المصري اليوم

ذَكَّرَني الأمر الملكي الصادر بنقل التوأم المصري السيامي (منة ومي) إلى مدينة الملك عبدالعزيز الطبية لبحث إمكانية فصلهما، بمقال سابق لي نُشر في إبريل 2015 تحت عنوان «مصر والسعودية .. التوأم العربي الملتصق».

كنتُ قد افتتحت مقالي القديم بالحديث عن تجربة فصل التوائم في المملكة قائلًا: «اشتهرت السعودية في الربع قرن الأخير بقدرات طبية كبيرة في العملية الأكثر تعقيدًا وصعوبة على مستوى العالم، وهي عملية فصل التوائم الملتصقة، التي جعلت من مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني، وقبلها مستشفى الملك فيصل التخصصي، ملاذًا وملجأً لكل جنسيات العالم من آباء وأمهات يطلبون الشفاء لأبنائهم ممن ابتلاهم الله بهذه المشكلة الصحية الصعبة.

ومثلما أنعم الله على المملكة بهذه القدرة الطبية في مستشفياتها وعلى يد أبنائها من الأطباء (قدرة الفصل)، فإن الله قد سبق وأنعم عليها بالقدرة العكسية (قدرة الجمع)، ولكن في السياسة؛ فلقد امتلك بيت الحكم السعودي منذ عهد الملك المؤسس (رحمه الله) مهارة فائقة على توحيد الصفوف وصناعة التحالفات، وهو ما مَكَّنَه من تأسيس المملكة، وساعده بعد ذلك في أن يصوغ لها مكانتها المرموقة بين دول العالم. وخلفه من بعده- خير خلف- من ملوك (حكماء)، امتلكوا وطوروا قدرات دولتهم في السلم والحرب».

وكان داعي الحديث عن براعة المملكة طبيًّا في فصل التوائم، وقدراتها السياسية على جمع الشمل، هو الجدل الدائم الذي لم ينقطع عن توتر العلاقات المصرية- السعودية منذ تولى الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة وحتى اليوم، وهو يقترب من نهاية عامه الثاني في الحكم، شهدت خلالهما العلاقات بين البلدين صعودًا وهبوطًا حتى وصلنا إلى أكتوبر 2016، عندما ظهر ما أخفته الكواليس ووضح للرأي العام العربي والدولي أن هناك خلافًا واختلافًا بين الكبيرين العربيين المسلمين.

لم تفلح الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين إلى القاهرة في إبريل الماضي، والتي سبقها تشكيل اللجنة التنسيقية «المصرية – السعودية» المشتركة باجتماعاتها المتعددة، وبرئاسة رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في أن تذيب هذه الاختلافات أو تحل أوجه الخلاف بين الشقيقين.

بل إنه بعد قصة «الجزيرتين» الشهيرة إعلاميًّا، تزايدت الأحاديث وتكاثرت الإشاعات وتباعدت المسافات، وحملت النفوس بما لا يُستَحَب بين الإخوة، وبما يُكرَه الخوض فيه، لكنها عاداتنا العربية التي تقبِّح كل مختلف وتستدعي من الذكريات خيالات وأوهامًا تدعم النفور وتشجع على البُعد.

حتى كانت الأيام الأخيرة من ديسمبر ومن عام 2016 عندما صدر الأمر الملكي الخاص بالتوأم السيامي، الذي هزَّ حاجز الصمت الرسمي بين البلدين، هذا «الحاجز» الذي شبَّهَه الأستاذ عبدالرحمن الراشد بـ«السد» في مقال له حمل عنوان «السد الإثيوبي بين مصر والسعودية»، وقد سبق الأمر الملكي السعودي بيوم واحد، قرار حكوميّ مصريّ بالموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، وإحالتها إلى مجلس النواب.

وهكذا تداخلت من جديد صورة التوأم الملتصق مع المشهد السياسي المضطرب، لنقف ثانية عند مأزق الحدود بين شقيقين، وكأنني سبقتُ الأحداث بالمقال القديم الذي توضح خاتمته المغزى وتفسِّر المعنى: «والمتأمل الجيد للعلاقات المصرية السعودية سيشعر أنها تتشابه إلى حد كبير مع قصة (التوأم الملتصق). علاقة التوأم الملتصق مربكة لطرفيها؛ فهي علاقة قَدَرِيَّة أكثر منها اختيارية، وهي علاقة أبدية تستدعي التنسيق المستمر كي يتمكن الطرفان من العيش المشترك دون أن تطغى رغبة أحدهما على الآخر، وتتطلب دومًا أن يحرص كل طرف في حركته كي لا يؤذي توأمه بحركة فجائية، وهي أيضا تستلزم تفهُّمًا لاحتياجات ورغبات كل طرف واحترامًا لحقه في الخصوصية. وعلى كل من يريد أن يتعامل مع ملف العلاقة بين البلدين تفهُّم الفكرة السابقة وتخيُّل تفاصيلها؛ فعندما تخيِّم على العلاقة بين مصر والسعودية سحابة صيف عابرة، أو سحابة شتاء ثقيلة، في كل الأحوال تُستأنَف الحياة بين الشقيقين. فلا عيش لأي منهما دون الآخر حتى (لا قدر الله) لو تم فصلهما، وهو ما لا أظن حدوثه في ظل وجود الأسرة السعودية الحاكمة في المملكة وأبناء المؤسسة العسكرية الوطنية في مصر».

ولم أجد جديدًا أضيفه على مقالي القديم رغم مرور أكثر من عشرين شهرًا على نشره، إلا هذه الكلمات: «لو قريت الرواية.. كنت عرفت النهاية». وهي آخر ما قاله الممثل القدير أحمد فؤاد سليم في الفيلم الكوميدي «حسن وبقلظ» الذي عُرِضَ العام الماضي في دور السينما بمصر، والفيلم هو أول فيلم سينمائي عربي يناقش قصة «التوأم الملتصق»، وهو يقدمها بشكل ساخر وبسيط يعكس قسوة العلاقة وصعوبتها بين الشقيقين الملتصقين، وقد سبق أن عالج عميد الرواية العربية نجيب محفوظ الموضوع ذاته في قصته القصيرة «قسمتي ونصيبي»، التي نُشِرَتْ ضمن مجموعته القصصية «رأيتُ فيما يرى النائم» عام 1982، وقد نُقِلَت القصة دراميًّا إلى المسرح عام 1986، ثم قُدِّمت في مسلسلٍ تليفزيونيٍّ عام 2001.

وفيلم «حسن وبقلظ»، رغم ضعفه الفني، فإنه يستحقُّ المشاهدة، خصوصًا مع نية صنّاعه إنتاجَ جزءٍ ثانٍ منه، وهو ما أكدوه في ختام فيلمهم الأول، وقد اختاروا للفيلم الجديد عنوانًا موحيًا هو «حسن وبقلظ وكوهين»!