أحمد فرغلي رضوان يكتب: يوم للستات.. يا له من يوم!

يوم للستات عندما تسمع تلك الجملة يتبادر لذهنك أنك في إنتظار حدثا ما “جلل” للنساء سيتم في هذا اليوم المنتظر! في إطار نضالهن لنيل المزيد من الحقوق والحريات المهدرة ولكن المفاجأة أن اليوم الموعود بالفيلم الذي يحمل نفس الأسم هو مجرد منحهن حق السباحة داخل حمام مركز الشباب بالمنطقة العشوائية التي يعيشون بها، ويعاني أهلها من فقر شديد يجعل هذا المطلب أخر همومهم! الفيلم بدء عرضه تجاريا هذا الأسبوع بمصر وفضلت الكتابة عنه بعد مشاهدته وسط الجمهور بعيدا عن أجواء مهرجان القاهرة السينمائي “الملتبسة”.

رؤية الفيلم ورسالته غير واضحة للجمهور والذي لا يعرف ماذا أراد صناع الفيلم من وراء طرحهم لتلك الفكرة التي بدت “ساذجة” للكثيرين وبعيدا عن مشكلات واقع العالم الذي تدور فيه الأحداث وجاءت معالجة الفيلم غارقة في كثير من الكليشيهات والمشاهد المستنسخة إلى جانب شخصيات “مبتورة” تظهر وتختفي في مشاهد متتالية بإيقاع ممل، شخصيات سلبية وفاشلة ومضطربة نفسيا ملأت الشاشة،فلم نشعر بهموم وقهر المرأة عبر الشخصيات الكثيرة التي ملأت الحمام !وربما أعتراف صناع العمل أثناء ندوتهم بمهرجان القاهرة أنهم حذفوا جزءا كبيرا من الفيلم بعدما رفضه مهرجان فينيسيا يدل على أن السيناريو من الأساس كان”سيئا” إلى جانب التصوير المتقطع للفيلم على مدار أكثر من ثلاث سنوات! كل ذلك جعل العمل ناقصا أشياء كثيرة بسبب التردد الذي أصاب صناعه قبل خروج النسخة النهائية !ولم يفلح المونتاج في علاج الرتابة والملل التي طغت على الأحداث، شاهدت الفيلم في داري عرض مختلفتين ولم أجد إلا جمهور قليل جدا في المرتين! وكانت التعليقات حولي سلبية من النساء قبل الرجال.

يحسب للفيلم وأحداثه التي تعود لنهاية عصر نظام “مبارك” وهو يترنح في أخر أوقاته إشارته إلى أن هذا النظام كان يبحث عن مسكنات للشعب تلهيهم عن مشاكله المستعصية على الحل من تعليم وصحة ومستوى معيشة منخفض وغيرها، ولكن لأن الفكرة “التي تبدو جيدة”لم يتم البناء عليها لتعرية هذا النظام بطرح قضايا المجتمع عن طريق “المرأة” فلم نشاهد أحداث بما يكفي وأفاض العمل في تصوير حمام السباحة بمشاهد مكررة، تشعر أنه فيلم تسجيلي قديم عن أهل العشوائيات!باختصار لم تصلني حالة سينمائية صادقة من صناعه.

المشهد المتكرر لتخطية أبطال الفيلم من فوق “المجاري” يذكرك سريعا بمشهد عادل إمام بفيلمه الشهير “الأفوكاتو”! وقيس على ذلك كم من الكليشيهات وأداء مفتعل من كتيبة الممثلين “الكبار” موهبة وتاريخا! مثل مشهد المواجهة بين الفيشاوي “الأب والإبن” ومشهد إعتراف الحبيب لحبيبته وبكاءه بين يديها في مشهد مفتعل وواحد من أسوأ أدوار محمود حميدة في السينما المصرية وشخصية مسؤول حمام السباحة “اياد نصار” والذي بدى غير مناسب للشخصية التي يلعبها وتشعر أنه طبيب وليس مسؤول بمركز شباب في حي شعبي! الشخصية الوحيدة بالعمل التي نستطيع أن نقول واضحة نوعا ما هي شخصية عزة التي جسدتها الممثلة الشابة ناهد السباعي “بوعي” فني وأداء جيد لفت أنظار المشاهدين وأعضاء لجنة تحكيم مهرجان القاهرة لتحرز جائزة أفضل ممثلة والتي حازت عليها زميلتها بالفيلم نيللي كريم قبل 12 سنة.

سؤال عن الحرية ؟

بالطبع كانت المخرجة كاملة أبوذكري وصناع الفيلم يريدون عملا ينتصر لحرية المرأة المصرية ومشكلاتها الكثيرة ونقدر تلك المحاولة ولكننا لم نشاهد منها شيئا في هذا العمل ليدل على قهرها من جانب المجتمع الذي تعيش فيه، وأقتصر الأمر على المطالبة بيوم واحد لممارسة جزء من “حريتهم المفقودة” وأشارت لذلك المخرجة في مشهد جماعي للنساء وهن يخلعن فيه غطاء الرأس ويتحررن من الملابس الثقيلة والكثيرة ويقفزن في حمام السباحة بسعادة!وهو مشهد جيد وغير ذلك كان المرور عابرا على قضايا هامشية للمرأة! وكان الأجدر بالمؤلفة التركيز على عدد من القضايا الحالية للمرأة نشاهدها بتفاصيل أكثر عبر شخصياتها الكثيرة بالعمل لو أرادوا صناعة فيلم يذهب للمهرجانات ويتحدث عن المرأة في المجتمع المصري ومشكلاتها.

ولا نحتاج لنذكر باسهامات السينما المصرية في تسليط الضوء على قضايا المراة بشكل سينمائي رائع أحدث تأثيرا مهما في المجتمع على رأسها أريد حلا، أنا حرة، دعاء الكروان، الباب المفتوح والقائمة تطول وأيضا حديثا كانت هناك تجارب جيدة عن مشاكل المرأة الحالية مثل 678 وبنتين من مصر وأحكي يا شهرزاد.

المرأة المصرية في أسوأ صورها!

ربما لو أراد أحد أن يصور المرأة المصرية بهذة الصورة “الفجة” لن يجد أكثر مما فعله صناع يوم للستات بها، مجموعات من النساء “الدميمات” الشكل وبأجساد مترهلة يقفزن في أكثر من مشهد داخل حمام السباحة!، كان يجلس خلفي أثنان من الجمهور القليل جدا بصالة العرض تسرب لي هذه الجملة من حديثهما “الشباب سوف يعزف عن الزواج بعد هذا الفيلم”!

الهام شاهين تحاول أن تستعيد ذاكرتها السينمائية كبطلة لتكمل ال100 فيلم ولذلك كان لابد أن تتصدى للإنتاج أيضا ولكنها يبدو أنها توقفت عند سينما التسعينيات فالموضعات التي تختارها غير مقبولة للجمهور الحالي للسينما وفكرة الفيلم غير واقعية وتحاول أن تقترب من مشكلات المرأة المصرية والتي هي أكبر بمراحل من مجرد منحها يوم داخل حمام سباحة وهذا لا يمنع التقدير لخطوتها الإنتاجية في ظل ظروف غاية الصعوبة حينها ونتمنى تكرار التجربة ولو حتى بدون أن تكون هي البطلة.

نيللي كريم عرض الفيلم في هذا التوقيت “أضر” بها كفنانة وكانت مثار للسخرية من الجمهور بمجرد ظهورها لانه تقدم كاركتر قريب مما قدمته في الدراما مؤخرا! وعليها أن تتحول 180 درجة بأسرع ما يكون حتى لا تفقد جمهورها الذي أصبح كبيرا في السنوات الأخيرة.

ليس في صالح كاملة

المقارنة مع فيلمها السابق “واحد صفر” لن تكون في صالح الأخير بالطبع والسبب سيناريو مريم ناعوم الجيد والمحكم والذي صور حال مصر في يوم وليلة،مما أعطاها فرصة لصناعة عملا سينمائيا جيدا، أعرف المخرجة كاملة أبوذكري ومدى شغفها بالسينما “روت لي في حوار معها عام 2003 أنها ذهبت للمخرج عاطف الطيب وهي صبية لا تتجاوز 15 سنة وقالت له ممكن أحمل أسلاك الإضاءة المهم أن أعمل معك!” ولكن يبدو أن عملها في السنوات الأخيرة بالدراما التليفزيونية والتي حققت معها نجاحا لافتا قد كان له تاثير على رؤيتها السينمائية.