الإبراهيمان .. عيسى والرفاعي : كل هذا الحب

فاتن الوكيل

لم يحظَ أىٌّ من أبطالنا فى القوات المسلحة ممن شاركوا فى الحروب المختلفة التى خاضتها مصر، بمثل ما حظى الشهيد البطل إبراهيم الرفاعى، من حب، لشخصه بعيدًا عن بطولاته العسكرية، فهناك شىء غير مفهوم «عقليًّا» فى شخصيته التى جذبت الجميع تجاه هذا البطل الذى استشهد يوم 19 أكتوبر عام 1973، بعد أن شاهد بنفسه العبور العظيم، على الرغم من أنه عبر قناة السويس مع رجاله عشرات المرات، خلال عمليات المجموعة «39 قتال» التى أسسها خلال حرب الاستنزاف.

كتائب محبى الشهيد الرفاعى تعدَّت المقاتلين من رجاله، الذين دائمًا ما يتخطون سريعًا الحديث عن بطولاته العسكرية، خلال الحوارات الصحفية التى أجريت معهم، ليتحولوا إلى الحديث عنه كأب وأخ أكبر لهم، على الرغم من صغر عمره، لكنّ هؤلاء المحبين لم يكونوا فقط من المحاربين، بل امتدت المحبة إلى الكتاب والأدباء والصحفيين، والآن نستعرض جزءًا من علاقة المحبة الموجهة من الكاتب إبراهيم عيسى إلى إبراهيم الرفاعى، أو كما يُسميه «أمير الشهداء».

(1)

البداية بالنسبة إلىَّ فى اكتشاف اسم الرفاعى لأول مرة كانت عام 2010، فى جريدة «الدستور»، بعد أن أبلغنا الكاتب الصحفى محمد توفيق، بتكليفنا من قِبَل إبراهيم عيسى رئيس التحرير، لإعداد ملف عن حرب أكتوبر، نُجرى خلاله حوارات مع أبطال المجموعة الفريدة فى تاريخ الصاعقة المصرية، «39 قتال».

بالصدفة تحصَّلت على رقم «ليلى الرفاعى» ابنة الشهيد إبراهيم الرفاعى، وسرعان ما تحدَّد ميعاد اللقاء لإجراء حوار مع أسرة الشهيد فى منزله الذى عاش فيه، وبعد الانتهاء من إعداد الملف، تمهيدًا لنشره فى ذكرى انتصار أكتوبر، اهتم عيسى بمراجعة الملف، خصوصًا حوار أسرة الرفاعى، لكن ما حدث بعد ذلك كان صدمة للجميع، فقبل نشر الملف بيوم تمت إقالة عيسى من رئاسة تحرير الدستور، فى 5 أكتوبر، وبذلك لم يُكتب اسم عيسى على الجريدة فى يوم نشر الملف، وكانت هذه غصة لجميع مَن عمل فى الملف، حتى المختلفين مع الكثير من سياسات عيسى.

ملف الرفاعي
ملف جريدة الدستور عن الشهيد إبراهيم الرفاعي

(2)

خلال فترة اعتصام الصحفيين فى «الدستور» بمقر الجريدة بعد إقالة إبراهيم عيسى من رئاسة التحرير، تساقطت بعض الصور والأوراق من مكتبه الخاص، خلال عملية نقل المكتب من مقر الجريدة، حيث لم يتمكن من الوصول إلى المقر، لجمع متعلقاته بعد قرار الإقالة، من بين هذه الصور كانت صورة متوسطة الحجم لإبراهيم الرفاعى، وهو يؤدِّى التحية العسكرية.

لم أكن أعلم أن حب عيسى للرفاعى بهذا الحد، وهو ما زاد من اهتمامى الشخصى بمعرفة المزيد عن الشهيد، وإعادة الاستماع إلى حديث رجاله من أبطال المجموعة «39 قتال»، وشعرت بعد ذلك أنه مع مرور الوقت يتحول الاهتمام بهذا البطل إلى دين فى رقبة كل مَن عرفه ولم يرَه، دين بتقديم المزيد من الحب والوفاء.

(3)

من النادر أن ترى الكاتب إبراهيم عيسى يبكى، فى العادة نراه غاضبًا من الأوضاع السياسية، ساخرًا من بعض طباعنا فى مصر، يتحدَّث بحماس وانفعال دائم خلال مناقشة الوضع العام، لكن كان مفاجئًا أن نرى عيسى يتحدَّث بهذا القدر من التأثر والحب، فحتى إذا كنت من المختلفين معه، لا يمكن إلا أن تشعر تجاهه بالتعاطف، لأنه لم يرَ الرفاعى فى الحقيقة، لم يصافحه ولم يُجرِ معه حوارًا.

تحدَّث عيسى خلال تقديمه برنامج «بلدنا بالمصرى» على شاشة «ontv»، عن الرافعى فى ذكرى ميلاده، التى توافق 27 يونيو، حيث بدأ حديثه بانفعاله المعتاد، على عدم معرفة الكثير من المصريين بالرفاعى، وسرد بسرعة أبرز العمليات التى قام بها البطل مع مجموعته، وأشار عيسى خلال حديثه إلى اهتمام الأديب الكبير الراحل جمال الغيطانى، بسيرة وحياه الرفاعى، ورواية «الرفاعى» التى كتبها عنه، لكن الحديث هنا عن علاقة الغيطانى بالرفاعى لن تأخذ حقَّها مهما تحدثنا، يكفى أن نقول إن خبر استشهاده وصل إليه بهذه الصيغة.. «حبيبك مات».

نعود إلى حديث عيسى عن الرفاعى، فيبدو أن القائمين على البرنامج وقاتها لاحظوا التأثُّر الذى ظهر على وجه عيسى خلال الحديث عن الرفاعى، فقاموا بإدخال موسيقى عسكرية على المشهد لتتوافق مع معارك الرفاعى التى حكى عيسى بعض تفاصيلها المثيرة للدهشة.

فى نهاية الفقرة، لم يتمكن عيسى من إخفاء دموعه، وبالتأكيد لم يكن هذا البكاء على استشهاد الرفاعى فقط، فربما كانت رحمة من الله أن اختار له الشهادة خلال معارك أكتوبر، لأن شخصًا فى شهامة ونُبل الرفاعى كان سيعانى بالعيش معنا الآن وسط ما نراه، وفى الختام طلب عيسى من الجمهور الوقوف حدادًا على الرفاعى الذى مثَّل بالنسبة إلى عيسى «مصر الحقيقية».

46436