في المنوفية صنع عيسى نفسه

أحمد عليمي

المنوفية محافظة الرؤساء والوزراء وكبار المسؤولين، هي المحافظة التي من صفات أبنائها الاجتهاد والبحث عن النجاح والتفوق والإبداع، يجتهدون بإخلاص، يعملون بكل قوتهم ولا يشتكون أبدًا، يحبون المناصب ويسعون إليها؛ لهذا تتفهم أن منها إبراهيم عيسى ولهذا تستغرب أيضًا أن منها إبراهيم عيسى.

فهو الطالب الذي عمل في الصحافة منذ أولى جامعة، هو الذي طوّر من موهبته وأضاف لنفسه الكثير حتى يصبح بعد فترة قصيرة أصغر رئيس تحرير لجريدة جديدة على الصحافة سواء في شكلها الصحفي أو موقفها ضد النظام؛ لهذا تستغرب أن هذا الرجل منوفي، فهي محافظة لم تعرف هذه القوة التي كان عليها عيسى من معارضة النظام، وإنه لم يقترب من منصب أو سعى أن يكون مسؤولًا في يوم ما، وكأنه قُدر أن تنتج محافظة «الأنظمة» معارضها.

المنوفية بالنسبة لإبراهيم عيسى أهم مكان له، فهو لا يترك مناسبة تذكر فيها المنوفية أو مدينته قويسنا إلا وذكر حبه لقرية الرمالي؛ لأن فيها مقابر العائلة، لا تغيب عنه المحافظة ولا المدينة والقرية، فهو الطالب إبراهيم السيد إبراهيم عيسى الذي كان أحد أهم الطلبة المتفوقين بالمدينة الذي حصل على المركز الأول بمحافظة المنوفية في الثانوية قسم الأدبي والمركز 17 على مستوى الجمهورية، وظل كل أساتذته في المدرسة يذكرون هذا الطالب الذي وضع مدرسة قويسنا الثانوية بنين في قوائم الأوائل، هذا الطالب الذي ذهب إلى كلية الإعلام على الرغم من أن مدينته كلها لم تسمع عن هذه الكلية الغريبة، وعلى الرغم من إقامته في الجامعة أول دراسته فإنه كان يأتي للمدينة بشكل يومي حتى إنه في أيام الامتحانات كان يضع لنفسه وقتًا أقل للامتحان للحاق بالقطار والرجوع إلى قويسنا، هو الفتى المثقف الذي كان يذهب يوميًّا لمكتبة محمد قطب بالمدينة لشراء الكتب والجرائد بصفة يومية، ما جعل صاحب المكتبة الراحل يذكر دائمًا للجميع عن هذا الفتى ويفتخر أنه أصبح رئيسًا لتحرير جريدة أسبوعية تتصدر الجرائد التي يبيعها، وكتبه التي كان يضعها في أول الرف حتى يعرّف المدينة ما أصبح عليه هذا الفتى.

لا يزال عيسى يذهب إلى بيته في قويسنا في كل المناسبات حتى إنك لا تعرف هل هو يعرف مجيء العيد من عدم مجيئه سوى بوجوده داخل بيت والده وأن تجتمع الأسرة كلها حوله يحكي ويضحك ويشاغب كأنه كلما جاء يستعيد حالة يريدها أو يبحث عنها، البيت الذي تقع حديقته بالخلف مع شجر الليمون والجوافة وزقزقة العصافير التي لا تنقطع بجمالها أو بصداعها أو مكتبه في البيت الذي خرجت منه رواياته الأولى من «صار بعيدًا، ومريم التجلى الأخير، ودم على نهد» أو عندما كان ممنوعًا بعد تجربة جريدة الدستور الأولى من الكتابة أو الظهور كان يترك كل شيء ويأتي لمشاهدة أحدث الأفلام الأجنبية مع أهم مرشدي الأفلام الأجنبية بالمدينة أخيه شادي.

وبعد أن أصبح عيسى نجمًا إعلاميًّا كبيرًا وأستاذًا مهمًّا في الصحافة لم تنقطع صلته بأي شيء منوفي، فهو لا يزال ذلك الفتى الباحث عن الإبداع والحقيقة في كل وقت ومازال أيضًا كما هو صاحب موقف ضد أي نظام يقيد الحرية ويهمل القانون.

46436