د.محمد صلاح البدري يكتب: عن "حمزة نمرة " ...الذي يشبهنا!

محمد صلاح البدري

أعترف أنني أصبحت لا أستمتع بأي عمل موسيقي لمطرب جديد علي الساحة الفنية.. حتي مطربي جيلي الذين اعتدت عليهم صبياً..والذين كنت أنتظر البوماتهم الجديدة عند المتجر الشهير بمدينتي الصغيرة ..لأتلقفها بشغف شديد فور وصولها ..و أهرع إلي حجرتي مسرعاً بعدها لأُسكن الشريط البلاستيكي الصغير جهاز الكاسيت الفضي العتيق ..فلا يخرج منه إلا بعد أن أكون قد حفظت الأغاني بالكامل!!

حتي هؤلاء المطربين..لم أعد أستمتع بما يقدموه من أعمال جديدة!

الأمر لا يعود فقط إلي إختلاف الأجيال.. ولكنه قد يتخطاه إلي ذلك الشعور” بالإكتفاء” مما يقدمون جميعاً!.. لا يبدو أن أحداً يملك الجديد أبداً.. الكل قد قدم كل ما لديه في الموسيقي.. حتي أنهم فشلوا في المزايدة علي أنفسهم .. فأصبحت أعمالهم الجديدة نسخاً مشوهة مما قدموا من قبل..!

نرشح لك : محمد صلاح البدري يكتب : كان اسمها يصلح لكل الأديان

لقد أصبحت مكتفياً برصيدي من أغاني الثمانينات والتسعينيات الجميلة.. مازلت أهرع إليها ..لأغوص بين ألحانها المتشابهة التي تشبه آلة الزمن .. فأتذكر الأيام الخوالي وأنا أدندن بصوت مرتفع مزعج مع الأغنية التي أحفظها عن ظهر قلب!
حتي ظهر ذلك الشاب ..ليقلب المائدة علي رؤوس الجميع..وأولهم أنا!!

إنه هادئ الملامح.. حليق الوجه .. يهذب شعره بأسلوب بسيط محترم .. لا يبدو أنه مطرب محترف.. فلا يرتدي تلك الملابس اللامعة المميزة.. أو يبذل مجهوداً في تصفيف شعره بطريقة غريبة مثلاً.. بإختصار إنه يشبهنا .. يشبهنا جميعاً..!
لقد كان يغني أغنية هادئة .. يبعث بها رسالة شعبية لإسرائيل .. يخبرها بأنه ليس نظاماً سياسياً .. أو رئيس أو ملك يستتر بحراسه.. إنه يمثل وطناً قديماً قدم التاريخ .. وطن إسمه مصر!

لقد أعجبت بالأغنية وقتها كثيراً.. وأثار فضولي ذلك الشاب الذي يغنيها..حتي بدأت أكتشف بعدها .. أنه ليس مطرباً محترفاً فحسب.. بل أنه قد تخطي مرحلة الإحتراف منذ زمن بعيد!!

إنها كانت معرفتي الأولي ب “حمزة نمرة”.. الشاب الموهوب الذي يغرد خارج السرب حقاً.. والذي يقدم لوناً متميزاً مختلفاً.. لوناً لا يحمل أصلاً تاريخياً في عالم الموسيقي الشرقية ربما إلا “طقاطيق” سيد درويش.. ولا تحمل أغنياته التي ينتقيها بعناية كلمات خارجة قط..!

لقد نجح حمزة نمرة في أن يخلق لوناً لا يلتفت إلي ذوق المستمع الذي تأثر بإنحدار القيم المجتمعية ..والذي أصبح يستمع بسعادة إلي “ولاد سليم اللبانين” .. و ينتظر الأغنيات الجديدة في أفلام السبكي..

إنه يقدم فناً يمكن وصفه بالراقي دون أدني مجاملة.. و نجح في أن يعبر عن أفكار إنسانية شديدة الصدق.. تجعله رائداً لهذا اللون حقاً.. إن كنا نملك ذاكرة موسيقية منصفة!

لقد خلق حمزة ذوقاً جديداً بين الشباب .. وتمكن من صنع الحالة التي يريدها ببساطة و هدوء و دون ضجة .. فلم تقرأ له خبراً صحفياً مثيراً.. و لم تشاهده في لقاء تلفزيوني يتحدث عن زميل بسوء، أو يثير ضجة بتصريح مستفز !

سيظل ذلك الشاب حالة فريدة .. ستجد طريقها في تاريخ الفن الشرقي.. لتحافظ علي الذوق الفني قبل ان يقتله “ولاد سليم اللبانين” ..

و سأظل متيماً بكل جديد يقدمه .. لأنه ينتمي إلينا .. ولأنه يشبهنا.. يشبهنا جميعاً!!