علاء الغطريفي يكتب: لا سياسة.. لا إعلام!!

نقلًا عن “المصري اليوم”

قبل أسبوع كنت فى بيروت، فقد دعيت للمشاركة فى جلسة عن الإعلام والاستقطاب السياسى فى إطار منتدى «الإعلام والتحول الديمقراطى فى المنطقة العربية» الذى نظمه المعهد السويدى بالإسكندرية ومنتدى البدائل للدراسات. لن أسهب فى المقدمة وسأدخل فى تفاصيل ما أبتغى فورا، إليك عزيزى القارئ سؤالاً: هل الإعلام المصرى انعكاس لمجتمعه أم لا؟.. بالقطع الإجابة: نعم، فالإعلام مثل شارعه مع الاعتذار للاستثناء، والاستثناء هنا هم هؤلاء الزملاء الذين يقدمون محتوى جادا مهنيا يلتزم المعايير ولا يجنح للممارسات غير المسؤولة. إذن نحن أمام حقيقة يتوجب علينا مواجهتها دون الهروب منها، فما ينعكس من فوضى على الشاشات ليس إلا تعبيراً عن غيبة أشياء كثيرة وأولها المنطق وانتهاء بالقيم، وهنا الغياب ليس مقصوراً على المهنة بل الغياب عن التعدد والتنوع ذاته الذى هو الأصل فى الإعلام، فالقيم لن تفيد إذا حضرت فى عالم من التقييد والمنع، والعكس أيضا، فالحرية إن حضرت دون قيم ومعايير فلن تكون سوى لافتة نبيلة تخفى وراءها كل الشرور.

لذا سنضع صورة لهذا الإعلام فى المشهد الحالى تقربنا من أزمته أو أعتبرها رسماً لملامح مرضه:

– البيئة السياسية والتشريعية فى مصر لا توفر ظروفا صالحة لتنظيم الإعلام وتطويره والتزامه بالمعايير بل بالعكس، فالجميع يعتبر الإعلام مطية يجب استخدامها حتى ولو بأساليب تتحكم فيها السذاجة وتفتقد أى حصافة بل تصبح سبباً فى تعميق أزمات أو النفخ فى وقائع وأحداث لن يتجاوز تأثيرها زمن حدوثها.

– الإعلام لعب أدواراً خلال السنوات الماضية ليست أدواره، ومن ثم وجدنا مقدمى البرامج زعماء سياسيين بل بعضهم اعتبر نفسه مؤسسة خيرية، وفريق ثالث ظن أن بإمكانه التثوير والتهدئة، وأن الناس على أطراف أصابعه يحركهم متى شاء وكيفما شاء، وفريق رابع احتل قصرا مواقع الحكومة ومؤسسات الدولة وأسرع إلى أوهام مبادرات الشاشة لدغدغة مشاعر الناس والسلطة أيضا فى إعادة إنتاج رخيصة لفكرة التشارك والدعم رغم أن الإعلام ليس كذلك، فنقل الواقع، كما هو، هو المهمة وما دون لك فلا يتخطى التسلية والتثقيف ونشر المعرفة، فلم يكن الإعلام يوما مسرحا لجلب البطاطين أو توزيع الأبقار.

– سيادة أنماط جديدة من الملكية صارت علنية تضر بالصناعة وتخلق صوتا أحاديا فى عالم أصبح فيه التحكم فى منافذ المعرفة ضربا من المستحيل، وتعانى فيه مؤسسات الإعلام التقليدى فى ظل التطور التكنولوجى، ومن ثم فإنك تسيطر بتصور ماضوى فى دنيا لا تعترف سوى بالتطور والحداثة.

– علاقة ملتبسة بين السلطة والإعلام يخطئ فيها الاثنان فى فهم مغلوط لقضية الاصطفاف، ومن ثم تاه المسعى واختلطت الأغراض فوجدنا خطايا أضرت بالصالح العام وضربت الفكرة من الأساس دون تغليب لرؤية تحترم الأدوار وتملك إدراكا حقيقيا لمعنى الإعلام.

– تتغول مواقع التواصل الاجتماعى وترسم صورة لاستبداد الإعلام البديل فى ظل غياب أصوات فى الإعلام تشتبك بصدق مع الواقع، مع تغييب معالجات مهنية فى الصحف ووسائل الإعلام المصرية لكثير من القضايا رغم أنها فى صلب اهتمامات الرأى العام.

– الصحافة المطبوعة فى طريقها إلى الزوال، ولن تتمكن أى صيغ جديدة من إنقاذها بسبب تجاهل اقتصاديات الصناعة والتصورات المهنية المختلفة، فضلا عن انصراف القراء إلى منصات الإنترنت لاستقاء الأخبار والمعلومات والمعرفة، والتبرير بأن التليفزيون لم يلغ الراديو والراديو لم يلغ الصحافة- بات ساذجا، لأن المعادلة هنا تتعلق بالمتلقى الذى يدفع ثمن الصحيفة كل يوم وينتظر أن تحمل دهشة ما لحثه على أن يشتريها كل يوم!.

– جرى استكمال التجريف السياسى الذى بدأ قبل عقود فلم نصادف إعلاما حقيقيا، وانعكس الأمر على المحتوى الإعلامى، فكانت النتيجة صفرية للجميع «لا سياسة.. لا إعلام».

لا يمكن لأى إعلام أن يحيا بدون بيئة حاضنة، ومن ثم لن يجد الإعلام منزلاً مثل حمامات الأحزان لدى الأتراك ليغسل يأسه وتراجعه، فالحل واضح وجربه العالم، أن تقنع الناس أفضل كثيرا من أن تفرض عليهم الرضا، فالإعلام عنوان حرية وليس نافذة تسلط!!.