إخاء شعراوي يكتب : ماسبيرو أين وإلى أين ! (4-1)

كيف تبرأ السيسي من ماسبيرو .. وهل حقا اتحاد الإذاعة والتليفزيون هو “إعلام الدولة” ؟

بالطبع لا يخفى على أحد أن الدولة بكامل أركانها، لا تؤمن أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون، أو كما يطلق عليه المتوهمين من العاملين به “الإعلام الرسمي للدولة”، قادرا على أن يكون صوتا للدولة، أو ذراعها الإعلامي الذى ينقل رسائل وأهداف حكومتها إلى المواطنين، فالحقيقة أن جميع المؤسسات المسئولة في الدولة بداية من رئاسة الجمهورية، ومرورا بالسلطة التنفيذية الممثلة فى الحكومة، والسلطة التشريعية الممثلة في البرلمان، فقدوا الأمل في “ماسبيرو”، هذا الصرح الكبير الذى أسسه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في الستينات، إضافة إلى كافة المواطنين الذين انصرفوا عن متابعته لأسباب كثيرة سنتحدث عنها باستفاضة لاحقا.

بالفعل أصبح ماسبيرو عبئا ثقيلا على الدولة، أصبح كيان وهمي لا ينفعها في شيء، لم يعد له أي دور أو وجود في الدولة الجديدة الغير قادرة على التخلص من هذا العبء لأسباب كثيرة، أولها عدد العاملين بالمبنى العريق وتاريخا، و الوهمي حاضرا والغائب مستقبلا، نعم “ماسبيرو” لن يكن له مستقبل في هذه الدولة.

كان هذا محور مناقشة مع الدكتور محمد الباز رئيس التحرير التنفيذى بجريدة البوابة، أثناء جلسة جمعتنا مؤخرا، تحدثت خلالها بغضب من موقف الدولة تجاه ماسبيرو وتجاهلها له، وذلك إثر مشاهدة حلقة تليفزيونية للكاتب الصحفي عبدالله السيناوي، عرضت على شاشة التليفزيون المصري منذ أيام، تحدث خلالها السيناوي عن وجود خلل كبير فيما أسماه بالإعلام الرسمي للدولة، والمتمثل في اتحاد الإذاعة والتليفزيون، طبقا لرؤية البعض حتى الأن، وأبدى السيناوى غضبه الشديد من تجاهل الدولة لماسبيرو، واتهمها بدعم كيانات إعلامية أخرى جديدة لوجستيا وماديا، كان رد الباز قاطعا وشافيا، عندما قال لى نصا : “لا يمكن لأحد في هذه الدولة أن يحسب ماسبيرو على الرئيس عبد الفتاح السيسي أو نظامه، فالرجل منذ الظهور الأول له في المشهد السياسي، كان متخذا قراره بالابتعاد عن هذا المبنى والتبرؤ منه تماما، فلم يدخله مره واحدة، ولم يطل من خلال شاشاته أو يجرى معه أي مداخلات منذ توليه منصبه”، وأضاف الباز، قائلا “ماسبيرو هو إعلام دولة عبدالناصر التي انتهت منذ سنوات طويلة، ولا يمكن أن تعتمد الدولة الحديثة على ذراع إعلامي لم يتغير أو يطور من أدائه منذ أكثر من 60 عاما”.

انتهى حديث الباز عند هذا الحد، وبدأت التفكير جديا في كتابة سلسلة مقالات تحت عنوان “ماسبيرو أين وإلى أين !”، سيعتبرها البعض من زملائي في ماسبيرو قاسيه، ولكن حقا اهذا هو واقع ماسبيرو، لم تعد الدولة فى حاجة إليه، بالفعل ماسبيرو لم يعد صالحا لهذا العصر، خاصة فى ظل عجزه عن تحقيق أي إضافة للرئيس أو الدولة أو الحكومة، إضافة إلى عدم قدرته على جذب انتباه المشاهدين من الشعب، لم ولن يرضى طموحاتهم لأسباب كثيرة بدأت أعقاب ثورتى 25 يناير و30 يونيه، سنتناولها جميعا فى المقالات التالية، منها فشل ماسبيرو أن يكون صوتا للدولة فى أصعب اللحظات التى مرت بها، وهو ما جعل المسئولين يتوجهوا إلى القنوات الخاصة التى سحبت البساط منه المبنى العريق.

نضيف إلى ذلك المليارات التى تهدر سنويا على هذا المبنى، والعاملين به دون تحقيق أى عائد سواء ربحى أو تنموى، وهو ما ساهم بشكل كبير فى فقدان أمل الدولة فى إصلاح حال المبنى بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة، لم تفلح جميع المحاولات التى بدأت عام 2011 وحتى أخر المحاولات عام 2014، لتتوقف بعد ذلك هذه المحاولات وتنحى الدولة هذا الملف جانبا فور تولى الرئيس السيسى مقاليد الحكم.

كان الرئيس السيسي صريحا مع نفسه ومع الجميع منذ اللحظة الأولى لظهوره، تجاهل ماسبيرو فى البداية ليرسل رسالة واضحة للجميع مفادها أن هذا المبنى ليس إعلاما للدولة ولا ممثلا لها، إلا أن بعض الموهومين لازالوا يؤمنوا أن ماسبيرو هو صوت الدولة وذراعها الإعلامى، ينتقد هؤلاء ماسبيرو وأدائه ويتهموه بالفساد والفشل، وهذا لا يمكن إنكاره، إلا أنهم يروجوا أن هذا الفساد والفشل يجب أن يتحمله السيسي، متناسين أن الرجل منذ اللحظة الأولى لتوليه المسئولية وحتى اليوم، لم يدخل المبنى ولم يتحدث من خلاله، وبرغم إجرائه عدة لقائات تليفزيونية ومداخلات هاتفية، لم يكن انحيازه فيها لماسبيرو، بل ظهر من خلال القنوات الخاصة، حتى أنه قبل تولى الحكم أيضا، فضل أن يجرى عدة حوارات تليفزيونية لحملته الإنتخابية مع القنوات الفضائية الخاصة وإعلامييها.

كانت هذه الرسالة الأولى التى أراد الرئيس إرسالها للجميع ضمن عدة رسائل أخري نلقى الضوء عليها لاحقا، إلا أن البعض لم يفهمها حتي الأن، وخاصة العاملين داخل هذا الصرح الكبير اسما وعبئا، فهم لايزالوا يعيشوا فى وهم “إعلام الدولة”.

فلا يجب أن نحاسب النظام الحالى على فشل ماسبيرو وفساده، خاصة بعد أن تبرأ منه من البداية، كان النظام أكثر فراسة من الجميع، تأكد أنه لا أمل فى إخراج ماسبيرو من كبوته بأى وسيلة ممكنة، وذلك بعد عدة محاولات جرت للإصلاح والتطوير و استعادة الريادة بعد ثورة 25 يناير، واستمرت هذه المحاولات حتى عام 2014 ، سنرصدها لاحقا، لتتوقف بعد ذلك محاولات الإصلاح نهائيا، فور تولى الرئيس السيسي مقاليد الدولة، لذلك يظل ماسبيرو هو إعلام دولة عبدالناصر، والتى اختار من بعده السادات ومبارك أن يستمروا معها، أما السيسي قرر أن يكون له إعلاما بديل، أو بمعنى أدق إعلام موازي.