طارق الشناوي يكتب: البحث عن العنوان

لو لم نجده عليها لاخترعناه» هكذا غنت نجاة بشعر نزار قباني وموسيقى عبد الوهاب قصيدة «ألف أهواه»، بالطبع تقصد الحب، حاول أن تصل بالدائرة إلى أبعد أطرافها لتكتشف أن أشياء كثيرة في الحياة نحتاجها ولو لم نجدها لاخترعناها، مثلا النجم الأول في السينما «الجان» والنجمة الأولى «الفيديت»، تظل هناك رغبة عميقة تظهر على السطح في كل حقبة زمنية، تدفع الجمهور لكي يضع في المقدمة من يصبح هو عنوان المرحلة.

النجم عادة يعبر عن رغبة لا شعورية للجمهور، السينما المصرية مثلا ورغم كل التحفظات على محمد رمضان دفعت به للمركز الأول، الجمهور هو الذي صعد به لتلك المكانة، على الجانب الآخر لدينا فراغ واضح في الفتاة الأولى، هناك بالطبع عشرة على الأقل لديهن حضور ومساحة ولكن أقصد نجمة الشباك التي تحقق الملايين، لا توجد في الحقيقة تلك النجمة، ويبقى نجم الكوميديا، دائما في كل زمن مضحكون، ودائما هناك واحد يصعد للمقدمة، من الممكن أن تقول مثلا إن نجيب الريحاني مسرحيا منذ العشرينات وسينمائيا منذ منتصف الثلاثينات مع بداية السينما الناطقة في مصر، كان هو النجم الأول، نعم ستجد عبد الفتاح القصري وماري منيب وشرفنطح وغيرهم لديهم مساحات، ولكن النجم هو الريحاني، ويغادر الريحاني الحياة، وكانت قد بدأت نجومية إسماعيل يس، إلا أنه لم يكن قد صار النجم الأول إلا في الخمسينات لتدفع به بطلا استثنائيا، ومعه وكالعادة عدد آخر من النجوم، مثل زينات صدقي وعبد السلام النابلسي وعبد المنعم إبراهيم وغيرهم، ويخبو بريق «سُمعة» في الستينات ليصعد نجم فؤاد المهندس ومعه كالعادة نجوم آخرون على حواف الدائرة، منهم محمد عوض وعبد المنعم مدبولي وأمين الهنيدي، وتحمل نهاية السبعينات جيل عادل إمام ليتصدر الأفيشات والتترات، ومعه سعيد صالح ويونس شلبي وسمير غانم وجورج سيدهم وغيرهم، والظاهرة اللافتة أن عادل كان الاستثناء، مهما كان لي أو لغيري من ملاحظات سلبية إلا أنه اقترب من أربعين عاما ولا يزال هو الأول رقميا، نعم شاهدنا على الخريطة أسماء أخرى وحققت في توقيت ما إيرادات أكبر، مثل محمد هنيدي ثم محمد سعد ثم أحمد حلمي، ولكنه، أقصد عادل، لا يزال في البؤرة.

أشعر أن الزمن بعد ثورات الربيع العربي في حاجة إلى نجم كوميدي يملأ الفراغ، لا يزال هناك ترقب لكوميديان يأتي بعد ذلك بقوة ليملأ التراجع الرقمي، الذي هو انعكاس لغياب النجم الذي يستحوذ على الملايين في لحظات.

من واقع استقرائي أرى أن الكوميديان مثل سلاح نزع الألغام في الجيش، يبدأ بتمهيد الأرض وإبطال مفعول المتفجرات، ليحطم الحواجز أمام تقدم باقي القوات، هكذا مثلا في نهاية التسعينات فتح محمد هنيدي الباب ليخرج من بعده نجوم كوميديا وتراجيديا.

دائما داخل المعادلة تلعب السياسة دورًا حاسمًا، كلنا نعايش تعثرًا في أحلام ثورات الربيع العربي، بل نرصد قسطًا وافرًا من المحللين السياسيين بات متشككا في أنها كانت حقا ثورات، ناهيك بكونها ربيعا، بالمناسبة لست من هؤلاء فأنا أراها ثورات، عبرت عن رغبات شعوب إلا أنها افتقدت العقل والآلية التي تحيل نار الثورة إلى نور الحرية، هناك تعثر في أحلام الثورات وهناك أيضًا تعثر في تدشين نجم كوميدي شاب يعبر عن كل ما هو مكبوت في الضمير الجمعي للشعوب، ولن يستمر الفراغ طويلا وسنعثر على كوميديان يُصبح هو عنوان المرحلة لأننا حقا «لو لم نجده عليها لاخترعناه»!!