طراد العمري يكتب: الإعلام السعودي بين الكاتب الوفي والرقيب الخفي - E3lam.Com

نقلاً عن “بوابة مصر 11”

 

أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، منهجه الواضح للتعاطي مع الرأي وحرية التعبير في اجتماع مع الكتاب والمثقفين وقال بالنص “رحم الله من أهدى إلي عيوبي”، واستطرد الملك بأن آذاننا وأبوابنا وهواتفنا مفتوحة لكل صاحب رأي أو نصيحة أو نقد. كما أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، قبيل إطلاق رؤية 2030 ما نصه “نرغب في نقدكم أكثر من ثناؤكم”. وقد أشار وزير الثقافة والإعلام، أيضاً، في مقابلة تليفزيونية إلى ما نصه ”نحن لدينا حرية تعبير عالية داخل المملكة العربية السعودية وبإمكان أي صحفي انتقاد أي وزير أو وزارة أو أي خدمة بكل سهولة ولا يتأثر ..”هذا هو المنهج والوجه الإعلامي في السعودية، وكاتب هذه السطور يشهد بذلك و “يبصم بالعشرة” على ذلك من خلال الممارسة، وليس من قبيل المديح والتطبيل. لكن يبدو أن في وزارة الإعلام السعودية من يعمل في الخفاء عكس ذلك تماماً. كيف؟

 

اتصل بي ابني الساعة (14:05) ظهر يوم الأربعاء 31 أغسطس 2016 يسألني عن هاشتاق في تويتر (#وزارة_الاعلام_توقف_طراد_العمري) بحثت عن الهاشتاق, وإذا به نشط وأطلقه شخص في الساعة (13:45)، أصابتني الدهشة. لكن لم تطل دهشتي ففي الساعة (14:10) تلقيت اتصالاً هاتفياً من موظف في الإعلام الداخلي بوزارة الإعلام في جدة يطلبني للحضور، أخبرته أنني في الرياض، قال: سأبلغ الرياض لأنهم من طلب منا استدعاءك، وسيتصلون بك. لم تمض دقائق حتى وردني اتصال في الساعة (14:17) من موظف في الإعلام الداخلي بوزارة الإعلام في الرياض، وطلب مني الحضور بكل لياقة وأدب، قلت: إيش الموضوع؛ قال: أبداً نريد أن ندردش حول مقالك الأخير حول “السبهان”. سألته: هل صدر إيقاف بحقي من الوزارة؟ قال: لا، لم أسمع بذلك أبداً. قلت: متى تريد مني الحضور؟ قال: الآن لو أمكن. قلت: لا بأس، ووصف لي مقر الإعلام الداخلي. ذهبت مع ابني إلى مقر الإعلام الداخلي، ووصلت الساعة (15:31) مع زحمة الشوارع بسبب ساعة الانصراف من العمل.

 

انتظرنا انتهاء صلاة العصر، ثم بدأ الاجتماع الساعة (15:50) بحضور ثلاثة أشخاص تحلقوا حول طاولة الاجتماع، ثم طلب الموظف من ابني عدم الحضور. وبينما نحن في الاجتماع اكتشف ابني وهو في الانتظار يعبث بجواله أن خبراً نشرته صحيفة “المناطق” على تويتر في الساعة (14:39) يحمل عنوان الهاشتاق الآنف الذكر، وتذكر الصحيفة في المقال أنها علمت “من مصادرها الخاصة أن وزارة الثقافة والإعلام، أصدرت قرارا بإيقاف الكاتب السعودي المثير للجدل “طراد العمري” عن الكتابة في جميع الصحف السعودية والورقية والالكترونية”! يا غافل لك الله، فلازال الاجتماع منعقداً، ولم يصدر إيقاف!!! قدم الموظف لي نسخة من مقال “السبهان”، ثم أراد أن يفتح محضر تحقيق بعد أن طلب مني بطاقة الهوية الوطنية، أعطيته البطاقة، وقلت له: أنا لبيت دعوتكم وحضرت بشكل ودي، وسأرد على استفساراتكم شفاهة، لكنني لن أكتب كلمة واحدة، فلا يوجد طلب رسمي لكي أحضر ومعي المحامي. تحدثنا في عموميات، وشرحت للحضور وجهة نظري، لكن يبدو أنهم كانوا بانتظار شخص آخر.

 

حضر الشخص المنتظر (الرقيب الخفي) وبيده ملف، وقدم لي نفسه على أنه من مكتب الوزير، ثم استلم دفة الحديث وناولني ورقة بها بعض الفقرات حول بعض آرائي، ومقابلة باللغة الفارسية، لا أعلم محتواها. قلت له: أنا لا أعرف فارسي، قال: أنا أترجم لك مافيها. قلت: تفضل. لم يترجم، بل عاد إلى موضوع مقال “السبهان” وزعم أن المقال خطأ، وتوقيته خطأ، وضد سياسة الدولة. ثم تفرع الحديث إلى بعض من آرائي التي أكتبها حول اليمن، سوريا، وإيران، ثم يعود الحديث إلى المقال حول “السبهان” محور النقاش، الذي يبدو أن ما عاداه مجرد ديكور للتخويف والتخوين. لم نصل إلى أي قناعة مشتركة، ولم يكن لدى المجموعة المكونة من أربعة أشخاص ومعهم “الرقيب الخفي”، أي خلفية عن كثير من مقالاتي، أو المنهج حول دور الكاتب الوفي والمثقف الواعي. وقبل نهاية الاجتماع “الودي”، قلت لهم: إذا كان ولابد ابعثوا لي على الإيميل طلبا رسميا مبيناً فيه المقال، أو المقالات قيد التحقيق، لكي أحضر برفقة المحامي، حسب أنظمة وزارة الإعلام ذاتها. انتهى الاجتماع في الساعة (17:00) وودعت بشبه ما استُقبلت به من فجوة سحيقة بين مفهوم الكاتب الوفي و”الرقيب الخفي”.

 

المثير للسخرية والاستهزاء، هو أن سعادة “الرقيب الخفي” الذي يزعُم أنه من مكتب وزير الثقافة والإعلام، هو من قاد كل تلك الحملة، فأطلق الهاشتاق من حسابه الشخصي الذي لا يتجاوز متابعيه العشرة آلاف، ثم أرسله الساعة (13:47) لكي ينتشر في حساب رديف يصل عدد المتابعين فيه إلى (147.8K) ويشرف عليه سعادة “الرقيب الخفي” بنفسه. ثم كتب تغريدة ثانية في الحساب الرديف الساعة (13:54) تقول: “لا غرابة بأن يكتب هذا المقال المسيء والرخيص؟ فهو من عمل لقاءً خاصا مع وكالة أنباء فارس الإيرانية! مرفقاً بالتغريدة المقابلة مع وكالة فارس ومقال “السبهان” مع وسم #كلنا_ثامر_السبهان”،  ومن ثم تسريب خبر الإيقاف إلى صحيفة المناطق الإلكترونية، بعد ذلك قام بمسح التغريدة من حسابه الخاص، ثم جاء سعادة “الرقيب الخفي” لكي يحضر الاجتماع، بكل براءة وكأن شيئا لم يكن، وبيده ذات المقالات التي تم نشرها في الحساب الرديف، لكي يُنظّر ويجادل حول سياسة الدولة وما يجب وما لا يجب. كل ذلك حميّة قبليّة لمقال ورأي ووجهة نظر يرى هو أنها مست واحدا من أبناء قبيلته.

 

من يتتبع الجدول الزمني لسير الأحداث المذكورة آنفاً، بدءاً بالهاشتاق الذي يتجنى على وزارة بأكملها، ومن شخص يزعُم أنه يعمل في مكتب الوزير ويفترض أن يكون أكثر حرصاً على سمعة الوزير والوزارة. خصوصاً، وتويتر والمجتمع لم يهدأ حول التعريض بالوزير في إيقاف الكاتب حسين بافقيه والجدل الدائر فيما إذا كانت الوزارة أوقفته أم لا؟ نتساءل هنا: هل نحن أمام “كيانٍ موازٍ” في داخل الوزارات الحكومية يعمل ضد توجهات الدولة؟ كاتب هذه السطور من أكثر المستفيدين والمفاخرين بسقف حرية التعبير العالي الذي نتمتع به في السعودية، وقد كتبت ذلك قبل أيام معدودات في رسالة خاصة لواحد من أشهر الإعلاميين في قناة الجزيرة. السؤال المحوري والجوهري: هل يقبل معالي وزير الثقافة والإعلام أن يدار الإعلام عكس توجهات الدولة والحكومة وما ينادي به هو شخصيا؟ وهل يقبل الوزير والوزارة التمثيلية والحملة التي قادها شخص محسوب على الوزارة والوزير؟ أما كاتب هذه السطور فعلى قناعة تامة بأن الدولة القوية تحتاج إلى أمرين: شعب قوي؛ ورأي قوي. فالرأي قبل شجاعة الشجعان.

 

استمر صاحبنا “الرقيب الخفي” بعد انتهاء الاجتماع في حملة التشويه فيما نؤكد، أو الحميَّة القَبَليَّة فيما نظن، مستعينا ببعض الحلفاء في “الإرهاب التويتري”، ومحاولات “تهكير”، ونقل كل التفاصيل حول الاستدعاء لبعض الحسابات في تويتر. فقد غرد شخص من لندن بخمس تغريدات متواصلة تنشر تفاصيل لا يعلمها إلا خبير أو “رقيب خفي”، الأولى تقول: “من مصادر موثوقة الساعة الرابعة عصر اليوم كان المدعو #طراد_العمري في وزارة الإعلام بعد استدعائه 1″ .. الثانية: كان في وكالة الإعلام الداخلي ورفض إجراء تحقيق معه وتم تحويله للجان القضائية 2” وهكذا بقية التغريدات لتنقل معلومات تنبئ عن ما في نية “الرقيب الخفي”. مع أهمية وضع الهاشتاق الأصلي لزيادة التشويه حتى بلغ الهاشتاق رقم (14) في الترند بمجموع (8580) تغريدة في ساعات. لم يكن أمام كاتب هذه السطور من اختيار إلا أن يطلق تغريدة في الساعة (18:24) تقول: “تصحيح، لم يتم إيقافي، والخبر غير صحيح، من خلف الزوبعة معروف، ويزعم أنه من مكتب وزير الإعلام، وسيحاسب، انتظروا التفاصيل، ادعم بريتويت فضلاً”، وبعدها تغريدة تقول: “حسبنا الله ونعم الوكيل”.

 

المحزن، بعد هذه التجربة الأولى مع الإعلام السعودي، أن أي رقيب غبي أو “الرقيب الخفي” لا يشعر بمعاناة الكاتب الوفي لبلده ووطنه ومجتمعه. لا يعلم رقيب الإعلام ومقصه أو سلطته أو سطوته أنه ليس أكثر وطنية أو ولاء أو انتماء من الكاتب الذي يحمل وطنه في عقله وقلبه وكيانه ووجدانه، فيبحث عن الموضوع والفكرة والصياغة والحروف والجمل، لكي يسطر رأي يقبل الصواب والخطأ. لا يعلم الرقيب أنه لا يستطيع “التوحّم” على فكر الكتّاب وأقلامهم لكي يدبجوا ما يبهج المسئول الذي يظن الرقيب أنه يمثله خير تمثيل. لا يعلم الرقيب الغبي، أي رقيب، أن دولة أو حكومة تهزها تغريدة أو مقال، هي دولة كرتونية هشة لا تصمد أمام هبة الرياح إلكترونية. ولا يعلم “الرقيب الخفي” أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي يظن أنه بارع فيها، تُمكّن المجتمع اليوم من معرفة كل ما يجري في العالم، كما تُمكّن أي كاتب وفي أن يتجاوز أي رقيب غبي أو “الرقيب الخفي”.

 

أخيراً، من حق وزارة الثقافة والإعلام أن توقف أي كاتب أو إعلامي بحسب الأنظمة والقوانين وليس بمبدأ “خذوه فغلوه”. لكن، الذي لم يدركه “الرقيب الخفي” أن ما كتبناه في مقال “السبهان والمهايط الدبلوماسي” لم يكن موجهاً بصفة شخصية ضد ثامر السبهان الذي له كل الاحترام كشخص ولعائلته وقبيلته، وكنا سنكتب نفس الشيء لو حدث ما حدث مع أي سفير أو وزير. يقول أستاذنا محمد الرطيان في مقال بعنوان “رسالة مفتوحة إلى سمو الأمير”: الأوطان التي لا تقبل النقد تترهل. النقد عافية، وغيابه مرض. ليس من الوطنية أن تمتدح أخطاء بلادك! وقال أيضاً: أننا: ننشغل كثيراً بنقد الفروع الفاسدة. وعلينا أن نتوقف قليلاً ونفكر بالبذرة التي أنبتتها. فلا قيمة لأي نقد لا يصل إلى العمق! (عكاظ، 24 ديسمبر 2015). ما حصل من سعادة “الرقيب الخفي” أمر خطير يناقض توجهات الدولة في إعلام يعالج بالنقد والنصيحة الداخل قبل الخارج ولا يخضع رأيه لوجهات النظر الفردية أو يعيد عصبية قبلية تنقض ما عملت عليه الدولة منذ تأسيسها. ختاماً، هذا المقال هو تبيان للحقائق والناس وبلاغ لوزير الثقافة والإعلام السعودي، حول زوبعة تويترية أراد مهندسها أهدافا شخصية، أما الحقوق القانونية للكاتب فسيتولاها المختص عبر القنوات الرسمية، ولا يضيع حق وراءه مطالب.