ياسمين سعد تكتب: شكرا لزواجك من فتاة أخرى

نقلًا عن “اليوم الجديد”

عزيزي مازن ..

علمت من “نادين” أن حفل زفافك سيقام الأربعاء القادم، أرسل إليك أطيب التهاني والأمنيات بالزفاف السعيد ..

آسفة لإرسال برقية بالبريد، فلا يوجد لدي أي حسابات اجتماعية تخصك، حتى إنني لم يعد لدي رقم هاتفك، أنت تعلم.. منذ ذلك اليوم.. لا داعي لذكر ذلك الآن.

ياسمين سعد
ياسمين سعد

أتمنى لك زواجا.. أعذرني لا أجد في قلبي الكلمة المناسبة لوصف هذا الحدث، ولكن أريد أن تكون في أبهى طلّة بالتأكيد، ربما سترتدي بذلة رسمية سوداء أنيقة، وربما تكون قد أطلقت لحيتك حتى تواري بعض العيوب الصغيرة في وجهك، لا بأس كلنا لدينا بعض العيوب الصغيرة في وجوهنا، إنها ليست مشكلة، ستكون بخير.

هل تخلصت من ذلك “الكرش” الصغير؟ إنني أضحك الآن عندما تذكرته، لقد كان يميزك كثيرا، ويضفي على مظهرك بعض من المرح، أتمنى ألاّ تكون العروس جعلتك تتخلص منه، أتمنى..

لا تنسى أن تضع عطرك الجذاب، رائحته مثيرة فعلا، أتذكر عندما جلسنا سويا لنشاهد شروق الشمس أمام النيل؟ يومها سألتك عن نوع هذا العطر، لقد كان يوما جميلا، ضحكنا كثيرا، وحكينا كثيرا أيضا، يا الله أتذكر عندما تحدثنا عن طفولتك، لقد كنت تضحكني دون أن تقصد، ولكن ما الداع لهذه الذكريات الآن؟ يا لحماقتي لتذكري لهذه التفاهات الصغيرة، اعذرني.

فلتكن سعيدا يا مازن، ولتضحك كثيرا، أنت لا تعلم أنك صاحب ضحكة جميلة، ولكن أنا أتذكر اليوم الذي جلسنا فيه على السلّم لنحكي ونتسامر طوال الليل، ثم حكيت لك عن ذكريات المصيف مع عائلتي، أتذكر؟ لقد ضحكت حتى خرجت عيناك الواسعتان من مكانهما، ظننت أنك ستموت، ولكن حمدا لله أكملنا ليلتنا بسلام دون أن يموت أحد، على الأقل لم يكن أنت.

أعتذر أنني أتجنب رؤيتك في بعض الأوقات، فأنا أراك كل يوم، نعم مرّ أكثر من عام، ولكنني مازلت أراك في كابوس يتكرر كل ليلة، لم يتركني ولو ليلة واحدة، أرى دائما أنك تتركني في الصحراء، في مكان حالك الظلام، تتركني وحيدة وترحل، فأبكي كثيرا، ثم أنادي عليك، “لا تتركني يا مازن، لا أعلم كيف أذهب إلى البيت؟ ماذا فعلت لكي تتركني هنا وحدي؟ لا أعرف أحدا هنا؟” ولكنك لا تسمعني في كل ليلة، فقط تتركني وتذهب دون أن تنظر إلى الوراء، فأستيقظ والخوف يملأني، ولكن لا بأس يزول كل الخوف عندما أقرأ القرآن..

إنني بالفعل حمقاء، ما دخل كوابيسي التي أنت بطلها في برقية الزفاف؟ عندما تركتني يومها في الصحراء لم تكن “تخطط” لذلك، لقد بررت لي كثيرا لماذا فعلت ذلك وقد تفهمت فلماذا أرى ذلك كل ليلة؟ هذا خطئي.. آسفة لن يذهب عقلي لمكان آخر سوى التهنئة بالزفاف.

أقترح عليك فكرة لطيفة ستضفي على الزفاف بهجة كبيرة، لماذا لا تقصّ على الجميع كيف طلبت الزواج من العروس؟ حاول أن تبتكر قصة لطيفة، ولا تقل إن سرعتك في الزواج منها كان لتثبت لنفسك أن علاقتنا لن تنجح، لا تذكرني بالمرة حتى ولو بالإشارة فهذا فأل سيء.

لعلك طلبت منها الزواج تحت ضوء القمر ووسط مئات النجوم، كما حدث معنا في تلك الليلة، أتذكر عندما نظرت إلي تلك النظرة التي لم أر مثل حنانها ودفئها شيئا، نظرة جعلت عيناك تصبح بالنسبة لي محور الكون، توقف الزمن وقتها، لم أشعر بدوران الأرض، لم أشعر بأن هناك أشخاصا على الأرض سوانا، لم تكن تعلم ماذا ستقول لي؟ عيناك فقط لمعت لمعانا شديدا رأيت من خلالهما كل شيء بوضوح وسط الظلام، جسدك كان يبعث دفئا جعلني أشعر أن الكون يحتضني، ارتفعت دقات قلبي وتسارعت من شدة فرحة غمرتني.. هذا كله دون أن نتحدث بكلمة واحدة.

شعرت وقتها أنني سأموت من السعادة، وسأكون أول شخص يموت على الكوكب من فرط حبه وسعادته بحبيبه، حتى إنك جلبت لي بعض العصير لكي أعود إلى توازني، وقتها قلت لك لماذا لا نتزوج غدا؟ ونعيش سعداء لبقية العمر، أنت تحبني وإلا لم تكن لتحاول كل هذه الأيام لتتقرب مني، الجميع يعلم ذلك من تلك النظرة التي توجهها نحوي، لم ينظر لي أحد هكذا من قبل، هيا.. لنتزوج غدا.. وقد كنت سعيدا جدا وقتها، بالطبع قبل أن تنفصل عني في اليوم التالي.

أتمنى أن يدوم زواجك للأبد، فتعطي فرصة لزوجتك لكي تشعر بالاستقرار العاطفي، فيوم واحد في العلاقة هو صدمة كبيرة، حتى الآن لديّ مشكلة صغيرة، لا أعلم إن كان ما حدث بيننا حدث بالفعل أم كان حلما أم بالأحرى كابوسا؟ انفصلت عني بسرعة كبيرة، حتى إنني لم أجد وقتا كافيا لكي أتغزل فيك، كان لدي الكثير من الكلمات الجميلة حقا، لو أعلم أنك ستنفصل عني في يوم واحد، كنت قلتها كلها مرة واحدة، ولكن نفد الوقت مني، لا بأس، لا يزعجني ذلك الآن.

آسفة تتضارب الكلمات في عقلي، ربما من سخونة رأسي، فأنا من وقت ذلك الانفصال وأنا أخاف من الظلام، فأشعل جميع الأنوار مرة واحدة، مما يشعرني بالحرارة، في كل الأحوال لن أذكر هذا الموضوع بعد الآن.

لا تخف يا مازن على علاقتك بزوجتك، فعلاقتنا سويّا خلّفت جرحا لن تستطيع رؤيته زوجتك، أنت لم تكسر قلبي، فقلبي كان مكسورا من قبل، أتذكر عندما قلت لك، لا تؤذيني في نفسي، فقلبي مكسور لا أتحمل المزيد، فوعدتني ألا تكسر قلبي أبدا؟ حسنا لم يكن لدي شيء أعطيه لك سوى روحي، فقد كسرت روحي، فلا يوجد مشكلة بالنسبة لك، لا يوجد دماء، لا يوجد أدلة، لا يوجد آثار، لا أحد سيرى الجرح أبدا، ولا أستطيع اتهامك بشيء، فتزوج في أمان، وأنا من جهتي، أحافظ على ابتسامتي دائما، أتدرب عليها يوميا، لا تخف ستكون بخير، وسرنا الصغير سيدفن بيننا.

أنا سعيدة فعلا من أجل زواجك، قالت لي جدتي “عندما يريد الله أن ينتقم من رجل آذى امرأة، يعجّل له بالزواج، فلا تأخذ حق امرأة سوى امرأة مثلها، الجزاء من جنس العمل يا صغيرتي”، فلتتزوج يا مازن سريعا، وأدعو الله ألا يعطيك البنت التي كنت تتمناها، فلتنجب ذكرا، الذكور لا بأس بها، أخاف ألا يطبّق عليها جملة كما تدين تدان.. وهي ليس لها ذنب فيما حدث، لا أتمنى أن يحدث لها ما حدث معي.

انطفأ النور فجأة في عادة من عادات شهر أغسطس الطويل، فشعرت الفتاة بالفزع بعدما رأت “مازن” أمامها، يرقص رقصته الأولى في زفافه، فتابعت بكثب، حتى ذهبت الصورة بعودة الأنوار.. فنظرت للورقة الصغيرة من جديد..

ما هذا الهراء الذي كتبته له؟ الرجل لم يفعل شيئا، لقد قال لي كذلك، إنه لم يفعل شيئا، ربما كانت غلطتي إذا، بالتأكيد، فلأمسح ما كتبته له وأعيد كتابة البرقية من جديد دون ذكر ذكريات مؤلمة، فالله يعلم من المخطئ، وسيعطيه حقه، وسيعطيني حقي، فلا داع إذا للشجار الآن وإلقاء اللوم، وليحكم الله بيننا.. آه لو كان يعلم أن الله سيحكم بيننا..

ابتسمت الفتاة، واعتدلت في جلستها، وتغيرت نظرتها من الانكسار إلى الانتصار المفاجئ .. وأخذت قلمها كآخر سلاح تبقى لها وكتبت..

عزيزي مازن..

علمت من “نادين” أن حفل زفافك سيقام الأربعاء القادم، أرسل إليك أطيب التهاني والأمنيات بالزفاف السعيد.. شكرا لزواجك من فتاة أخرى..