نبراس حميد يكتب: هل تتغير قواعد اللعبة للقنوات التلفزيونية الإخبارية؟

منذ سنوات عندما لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد وصلت بعد الي مستوى الهيمنة، لم أكن متحمسا او مقتنعا بما تقدمه هذه المنصات الجديدة المقترحة. أنا متأكد أن الكثير شاركوني نفس الرأي آنذاك. ومع ذلك، فإن العديد من الأجيال الشابة المتمرسة في شبكة الإنترنت وجد فيها منصة جديدة تتمتع بإمكانات كبيرة تلبي طموحاتهم ومنبرا لهم. بعد ذلك كان ظهور الهواتف الذكية دعم نمو وسائل التواصل الاجتماعي إلى أبعد من ذلك حتى بلغت ذروتها لتحمل مصطلح “الإعلام الجديد”.

باتت وسائل الإعلام الجديدة التي تتألف من وسائل التواصل الاجتماعي بل وتقودها الآن جزءا من حياتي الى درجة اني لا أستطيع التوقف عن تصفح آخر الاخبار (Newsfeed) على الفيسبوك والتعرف على المواضيع المتداولة على تويتر (trends)، والتحديثات على موقع لينكد ان طوال اليوم.

أصبح هذا الامر حاجة يومية مُلّحة وبمثابة ادمان يمتد فيما وراء منصات وسائل التواصل الاجتماعي، حاجة لم أكن أعتقد أبدا اني قد احتاجها يوميا او انها سوف تستحوذ علي بهذا الشكل.

مهما كان من ابتكر هذا المفهوم لوسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها فانه لم يبتكر منتج أو شيء بل خلق حاجة أو عادة او حالة من الادمان تستحوذ علينا مع مرور الوقت، إنه سهل وفي متناول اليد. انها تسمح لنا بالمشاركة في كل ما يدور حولنا من احداث، وتمكن لأي شخص في التعبير عن رأيه واختيار اي نقاش نريد متى ما نريد. إن الامر يعود الي اختيارك ورغبتك وفي أي وقت تختاره. هنا لا يوجد جدول زمني أو او مواعيد عرض البرامج مثل القنوات التلفزيونية وعليه فانه لن تضيع فرصة المشاهدة او الاستماع او حتى المشاركة.

من ناحية أخرى، وللأسف، لا يمكن للقنوات التلفزيونية الإخبارية أن تعطينا نفس المزايا والخصائص التي تتمتع بها وسائل التواصل الاجتماعي. ويعني تسجيل المزيد من المستخدمين انفسهم في حسابات وسائل التواصل الاجتماعي أن مزيدا من الجماهير يديرون ظهورهم للقنوات التلفزيونية والقنوات الأخبارية وهذا قد أدى إلى أن توجه أموال المعلنين بعيدا عن التلفزيون، وهنا بدأت المشكلة.

دق ناقوس الخطر وادركت القنوات التلفزيونية الإخبارية أن عليها أن تفعل شيئا. لم تحاول القنوات التلفزيونية الدخول في منافسة مع وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بدلا من ذلك بدأت في محاولات استخدامها واللحاق بالركب والتكيف مع ما تقدمه وهنا بدأت نهاية القنوات التلفزيونية الإخبارية حسب رأيي الشخصي.

معظم القنوات التلفزيونية الأخبارية لديها الان ملايين المتابعين عبر كافة وسائل التواصل الاجتماعي وهذا امر جيد، ولكن لسوء الحظ أنذلك لا يساعد على الإطلاق فامتلاك مزيد من المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعني أن المزيد من الناس يتحولون بعيدا عن التلفزيون. فما هو الحل؟ هل نحن نشهد الأيام الأخيرة للقنوات التلفزيونية الإخبارية بالطريقة التي أعتدنا عليها؟

من وجهة نظري الخاصة، أنا لا أعتقد أن القناة التلفزيونية الإخبارية سوف تنتهي لكنها لن تستطيع الاستمرار كما هي الان تبقى، يجب قبول التغيير وإحداث تحول جوهري إذا كانت تريد القنوات الاخبارية البقاء على قيد الحياة. انهم في حاجة الى فهم أن العادة، والعقلية والمتطلبات الخاصة للمتابعين او المشاهدين قد تغيرت وأنهم لا يمكنهم أن يستمروا في القيام بنفس طريقة إنتاج الاخبار أكثر من ذلك. أعتقد أنه حان الوقت لقنوات التلفزيون الإخبارية أن تغير استراتيجيتها واستثماراتها، وطريقتها في تحرير الأخبار، ولغة الأخبار، والأهم من كل ذلك هو كيفية تقديم وعرض الأخبار. الآن هو الوقت المناسب لبدء التفكير في كيفية خلق الاحتياج إلى القنوات التلفزيونية الأخبارية بين أفراد الجمهور.

والاحتياج هنا يعني أنه على القنوات التلفزيونية أن تتوقف عن كونهاتابعا وان تعود مرة أخرى إلى دور القائد، وعليه يجب على القنوات الاخبارية أن تعيد اختراع الطريقة التي تقدم او تعرض بها الخبر وتجد وسيلة مختلفة لصناعة الخبر.

من أجل البدء في عملية التغيير نحن بحاجة أولا إلى فهم وتصحيح بعض المفاهيم التي لم يتم التفكير والتدقيق فيها على مر السنين لدى الغالبية من العاملين بمجال صناعة الاخبار والقنوات الاخبارية، أفكار ومفاهيم تم الأخذ بها كمسلمات ثابتة وترسخت منذ فترة طويلة ولم يتم اعادة النظر فيها أو تحديثها. انا أتحدث هنا بشكل رئيسي عن بناء علامة تجارية للقناة (branding) وماذا يعني هذا للقنواتالتلفزيونية الأخبارية، وكيف أن بناء العلامة تجارية يمكنه بل سوف يلعب دورا رئيسيا في عملية التغيير.

التكنولوجيا المستخدمة في القنوات التلفزيونية الإخبارية تعتبرمتقدمة جدا في الوقت الحاضر مقارنة بالعقد السابق، وهذا سوف يلعب دورا أساسيا مع تحديث فهمنا ومنهجيتنا في هذا العصر الجديد على خلق منصة أخبار تخاطب جميع الجماهير. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق بناء العلامات التجارية للقناة، وإعادة اختراع أسلوب عرض الأخبار عن طريق الاستفادة الكاملة من التكنولوجيا المتاحة حاليا.

ولتحقيق ذلك نحن بحاجة للسعي لاحداث تغيير في طريقة بناء علامة التجارية للقنوات التلفزيونية الإخبارية. ولكن قبل أن نناقش ما يحتاج إلى تغيير أو كيف يحدث التغيير نحن بحاجة لشرح ماذا يعني بناء العلامةالتجارية للأخبار، وسيكون هذا هو موضوع مقالتي القادمة.

كاتب المقال هو نبراس حميد رئيس قسم الابداع في قناة العرب الاخبارية. وهو حاصل على جائزة الابداع ولديه خبرة 20 عاما في العمل في قطاع التلفزيون والبث الاذاعي في منطقة الشرق الأوسط وبريطانيا.

نرشح لك

[ads1]