د.محمد فياض يكتب: ملامح التدين الموسمي في رمضان

كم كان بديعاً ذلك المثل الشعبي الذي لخص الحالة الرمضانية في مصر عندما قال ” أول عشرة صلاة وعبادة ، تاني عشرة من ده على ده تالت عشرة لا ده ولا ده ” والمثل واضح المعنى والدلالة فهو يقسم التناول المصري لشهر رمضان المبارك بالمثابرة الشديدة على العبادة فى أول عشر أيام ثم يتغير هذا الإهتمام وصولاً لنهاية الشهر الكريم .

ورغم هذا فإن الإستعداد لرمضان يمثل خصوصية كبيرة في الشارع المصري، وكعادة الشخصية المصرية التي دائماً ما تُدهش المنطق، فيبدأ البعض بتوديع شهر شعبان وتحميله بالقدر الأكبر من الذنوب والخطايا فهم ” يشعبنون ” إستعداداً لدخول رمضان وهو الكفيل بغسل كل هذه الشعبنة .

تبدأ حالة الطوارىء في الإرتفاع فيتكاتف الجميع لأجل تنظيف المساجد، وغسل السجاجيد بكل عزم وإخلاص وكأنهم يغسلون ذنوبهم مع غسيل السجاد ، حالة من النشوة التي تتلألأ مع أضواء الفوانيس والكرنفالات الرمضانية والحنين للماضي ، وما إن تصدح المآذن بفجر اليوم الأول تجد المئات يخرجون ليزدحموا في المساجد فلا تجد مكاناً لا داخل ولا خارج المسجد ، يخرج الجميع أحدهم يحمل مصليته والثاني يحمل مسبجته والثالث تحتضن سبابته مسبحة إليكترونية صينية الصنع حتي يستطيع حساب تسبيحاته وحسناته بدقة ، وكلما زادت تكتكاته علي المسبحة كلما إقترب إلي الجنة ، وكلما زادت علامة الصلاة في وجهه كلما زادت ملامح تدينه ولا أعلم لما تقتصر علامة الصلاة علي المصريين دون غيرهم ولكن الإجابة بالطبع لأننا مجتمع متدين بطبعه فضلاً عن بعض ممارسات حك الرأس حكاً منتظماً في سجاد الجامع.

وفي الصباح يحمل الجميع مصاحفهم معهم فهذا الموظف الذي يكيد لزميله أنه أنتهي من قراءة الجزء الثالث في القرآن في حين لم يتجاوز زميله الجزء الأول ، وقبل أذان الظهر بساعة يهرع الجميع للوضوء إستعداداً للصلاة ومن بعدها استعداداً للتزويغ من العمل لأنه شهر الصيام وكل سنة وأنتم طيبين ورمضان كريم ، ولأن الجو مفعم بالتدين والإيمان لن تجد مصلحة حكومية في مصر تنجز عملاً طيلة الشهر الكريم ” إلا قليلاً ” وعندما تغضب السماء علي أحد المواطنين ويقرر الذهاب لقضاء أي مصلحة في رمضان سيواجه بعاصفة من الإستنكار عشان إحنا في رمضان وعبادة وكده .

ثم إن ملامح التدين تنتقل للشارع فتجد طوفاناً من العبايات السوداء ، وهجران مساحيق التجميل ، وعطور الجسد لأنه في حالة إستنشاق أحد الرجال عطر المرأة يصبح حسب بعض الفتاوي وكأنه زني بها ، لذا تتفنن بعض النساء في التماهي مع القبح وكأن تدينهم يعني القبح ليصح صيامها وقيامها ورمضانها .

وتستمر عجلة الأيام المباركة في الدوران ، ثم إنك تجد حالة من الكهن تعلوا وجوه البعض ، فبعضهم مع التدين الرمضاني يصبح أكثر دفئاً ومحناً ووسطية ، فيواظب الجميع علي الوضوء والبصق لمدة نصف ساعة عقب الوضوء حتي لا يشرب بعضاً من ماء الوضوء ويستمر بصقه حتي يوشك علي بصق عصارة معدته حفاظاً علي الحالة الرمضانية الخلابة.

وفي سياق آخر يرتبط التدين الرمضاني بعلو صوت الميكروفونات وكلما علا صوت الميكرفون كلما كان ذلك برهاناً علي التدين ، ثم أن شيوخ المساجد في رمضان تصيبهم حالة من الشبق الميكرفوني ، فيتدلل أمامه يصدح ويعلوا في فضاءات بعيدة ولا مانع من بعض الخنف الذي يدلل علي أن الرجل يرتل ويأسر القلوب ، وكلما زادت الخنفة كلما زاد المريدين والمصليين ، يبدأ التدين الرمضاني في مصر قوياً وكأنه أحد المشروعات القومية الكبيرة ، ثم يهدأ رويداً رويداً حتي يبدأ البعض من التململ إلي أن تحل العشر الأواخر من رمضان ولأن المصري بطبعه ذكي تمتلاً المساجد مرة أخري ولكن في الليالي الفردية علهم يستطيعون بلوغ ليلة القدر وقد لا يكون بنفس الحماسة في الليالي الزوجية ، ويستمر المصري محتفياً بتدينه الموسمي في رمضان وصولاً لليلة الكبيرة أو ليلة العيد.

وقد يكون مناسباً هنا أن نتذكر تعليق الفنان عادل إمام في مسرحية الواد سيد الشغال واصفاً الرجل النصاب الذي سرق أمواله بأن النسر اللي في وشه طار والدقن وقعت وقاله انت ملكش فلوس عندي ، فيخلع العديد ملامح التدين الرمضاني الموسمي ويهرع الجميع لينهمك في ما يرضيه من ملذات ومكيفات ، وإذا كنت تملك سيارة فنصيحة لا تسير في أي شارع يبيع الخمور لأنك ستجده مزدحماً علي آخره ، كما تزدحم الكوافيرات بهؤلاء اللاتي تمسكن بكل مظاهر القبح طيلة الشهر فصارت بعضهن ككائنات من الزومبي تنتظر عاملة الكوافير كمهدي منتظر يخلصها من كل ما حملته من مظاهر موحشه طيلة الشهر الكريم ، وفي الصباح يلبس الجميع جلاليبهم البيضاء ليرددوا تكبيرات العيد ، ويالها من لحظات مفعمة بالفرحة والمحبة ، ويخرج الجميع فرحيين فمنهم من يذهب للإحتفال مع أقاربه ومنهم من يذهب لإقتناص الطعام ومنهم من يذهب للتحرش . كل سنة وأنتم طيبين ومتدينين ورمضان كريم .

نرشح لك

د. محمد فياض يكتب: ماذا لو تحول مركز مجدي يعقوب لجامعة أسوان؟ 

أبو تريكة: هؤلاء اللاعبون ساندوني بعد التحفظ على أموالي

محمد عبد الرحمن يكتب: الجمهور لا يرحم

شارك واختار .. من أفضل ثنائي في إعلانات رمضان؟ أضغط هنـــا

بنر الابلكيشن