د.إبراهيم مجدي يكتب: تناول الدراما للمرض النفسي

يتساءل كثير من المشاهدين عن سر تناول أغلب أعمال رمضان للأمراض النفسية، وخصوصا المرضى المحجوزون في المستشفيات. البعض فسّر الموضوع على أنه بسبب انتشار هذه الأمراض في المجتمع، وأن ما يُعرض على الشاشة انعكاس للواقع، ولكن الإحصائيات العالمية تقول إن معدل حدوث الأمراض النفسية معدل طبيعي وليس مرتفعا مقارنة بدول أخرى، وأن هناك فرقا بين ضيق المزاج وعدم الشعور بالسعادة بسبب عوامل اقتصادية ومادية، وبين المرض النفسي.

وحين نأتي إلى تعريف المرض النفسي والاضطراب العقلي -كما تقول مراجع الطب النفسي-، فإن الاضطراب العقلي هو نوع من الأمراض التي تتصف باضطراب في إدراك الفرد وتنظيم العاطفة، أو السلوك الذي يعكس خللا وظيفيا في العمليات النفسية والبيولوجية أو التنموية الكامنة وراء الأداء العقلي.
عادة ما ترتبط الاضطرابات النفسية مع محنة كبيرة في المجالات الاجتماعية والمهنية أو الأنشطة الهامة الأخرى؛ الاستجابة المتوقعة للأحداث الكبيرة وفقا لثقافة المجتمع، والإجهاد أو فقدان مشترك -مثل وفاة أحد أفراد أسرته-ليس اضطرابا عقليا.
إذا، المراجع تؤكد أن الأحداث الاجتماعية والتفاعل معها ليس اضطرابا عقليا، ولكن عدم التفاعل والانعزال مؤشر على المرض النفسي.

نأتي إلى تفسير آخر طرحه البعض، وهو التفسير الذي يعتمد على نظرية المؤامرة وحروب الجيل الرابع وإدارة الوعي الجمعي. يقول هذا الطرح، إن الدراما من الممكن أن يتم استخدامها في غسيل المخ وتصدير أفكار معينة إلى الناس، كانتشار الأمراض النفسية والاكتئاب، مما يؤدي إلى إصابة الناس بحالة من الإحباط واليأس. وتعتمد هذه النظرية على أن شركات الأبحاث التسويقية والمعلنين الكبار أغلبهم يتبعون شركات أوروبية وأمريكية كبرى، وأن هذه الشركات لها صلة وثيقة بأجهزة مخابرات عالمية وأنها تشير على القنوات وشركات الإنتاج الفني بطرح هذه الأعمال، وأن هذه الأعمال سوف تحقق نسبة مشاهدة عالية.

الطرح الثالث -والذي أميل شخصيا إلى تصديقه- هو أن هناك استسهال وعدم احترافية وتنسيق بين شركات الإنتاج وكتّاب الدراما، فنجاح عمل درامي سابق اعتمد على تيمة الطب النفسي، يجعل أغلب الكتاب والمنتجين يقومون بتكرار نوعية هذه الأعمال.

ولفترة طويلة من الزمان، تسببت الأعمال الدرامية في زيادة الوصمة على المرض النفسي، وتشويه صورة المرض النفسي وجعله مرضا لا شفاء منه، وأن المرضى يتعذبون داخل المستشفيات وأن المريض النفسي عنيف، ومن الممكن أن يقتل ويرتكب جرائم بشعة، وأن الطبيب النفسي غير متزن، ويتم تجسيده بشكل مضحك أو في صورة شخص شرير يسطير على مرضاه ويبتزهم.

وإذا تناولنا مسلسل نيللي كريم كمثال، نجد أن نيللي كريم كممثلة وأحمد وفيق كممثل ومريم نعوم ككاتبة، كانت لهم سابقة ناجحة جدا العام الماضي، في تناول مرض نفسي وهو الادمان، وذلك في مسلسل “تحت السيطرة”.
هذا العام، يتم تناول المرض النفسي بصورة مختلفة ومن زاوية مختلفة، وهي زاوية الطب النفسي الشرعي. وهذه نبذة قصيرة عن ما يتعلق بالطب النفسي الشرعي:

بتطبيق المعرفة والخبرة في مجال الطب النفسي على القضايا التي تتناولها المحاكم، وعلى القانون بشكل عام، تصبح المهمة الرئيسية للطبيب في هذا المجال هي تحضير تقرير طبي نفسي للمحكمة عن كل معتد (offender) أو متهم مصاب بالمرض النفسي، وكذلك إعطاء رأيه في كيفية العلاج. كما يُلتجأ إلى الطبيب النفسي الشرعي لإبداء الرأي في كيفية التعامل مع المرضى النفسيين العدوانيين أو المضطربين جداً، حتى وإن لم يكن ضدهم أي شكوى أو حكم. ويعمل الأخصائي في هذا المجال في وحدات خاصة تابعة لمستشفيات الأمراض النفسية أو مستشفيات متخصصة في مجال الطب الشرعي النفسي، وعادة ما يكونون أكثر اطلاعا من المحامين على القوانين المتعلقة بالجرائم والجنح التي يرتكبها مرضى نفسيون.

عالميا، نسبة ارتكاب المرضى النفسيين لجرائم لا تزيد عن 15 في المئة. وأغلب هذه الجرائم تكون جرائم غير منظمة ويتم اكتشافها بسهولة. وهناك أمراض في الطب النفسي من الممكن أن يكون المريض فيهم عنيفا، وهو مرض الفصام الذهاني البارانودي (paranoid schizophrenia) أو الفصام الكتاتوني (catatonic schizophrenia (، والاضطراب الوجداني ثنائي القطب -الهوس bipolar manic) (- الذي جسدته نيللي كريم.

والفصام الكتاتوني أو catatonic schizophrenia، نعني به الأعراض النابعة من اضطراب في القدرة الحركية للفرد، وأحيانا ترمز هذه الأعراض لصراعات لاشعورية في حياة المريض، وعادة ما تعبر عن اضطراب شديد في إرادة الفرد. وتختلف الأعراض الكتاتونية من فرد إلى آخر، ولكن يجب أن لا يغيب عنا أن الأعراض الكتاتونية تظهر في عدة أمراض عضوية، وليست مقصورة على مرض الفصام، فأحيانا ما نواجه هذه الأعراض مع أورام الفص الجبهي في المخ، وبعد الحمى المخية.. الخ.
وأهم هذه الأعراض:

1 – الذهول والغيبوبة الكتاتونية

وتتراوح من توقف بعض الحركات الى غيبوبة تامة، ولا يتحرك أثناءها المريض، ويستمر في السبات، ولا يرد على الأسئلة، ويرفض الطعام والشراب، وبالطبع يجب أن نفرق بين هذه الغيبوبة والأسباب العضوية الأخرى، وذلك بالفحص الدقيق وبعض الأبحاث اللازمة، وفي هذه الحالة يجب العلاج الفوري، ويستحسن أن يكون بالمستشفى.

وعندما يشفى المريض يتذكر هذا الذهول بل ويصف كل ما كان يحدث أمامه، ويفسر ذهوله بأنه كان تحت تأثير أصوات تلعنه وتسبه، وأن تفكيره كان متوقفا.. الخ.

2- الهياج الكتاتوني :

تنتاب المريض فترات من الهياج الشديد ويحطم أثناءها الأثاث ويعتدي على الغير، ويصرخ ويهاجم كل من يقاومه، وتعتري المريض في هذه النوبات قوة خارقة وغير مناسبة مع تكوينه الجسماني، وأحيانا ما يتخلل الذهول الكتاتوني هذه النوبات من الهياج، ثم يعود بعدها لحالة الذهول الأولى.

حاولت نيللي كريم وبقية الممثلات في الأعمال الفنية، الاجتهاد في تقديم الأدوار. مريم نعوم وبقية ورشة العمل معها من كتاب، أعتقد هدفهم كان محاولة تنبيه المجتمع لكيفية التعامل مع المرض النفسي وتحسين الصورة. كما أن بعض الأطباء النفسيين -وأنا منهم- يعتبرها محاولة ناجحة، خصوصا وأن نيللي كريم قد أدت بعض الأعراض بإتقان شديد. وهناك أطباء آخرون ينتقدون العمل، وأنه أدى إلى زيادة الوصمة، واتهام المريض النفسي بأنه قاتل وعنيف. ولكن في النهاية، هو عمل درامي، ومن المعروف بديهيا، أن المبالغة مطلوبة في الدراما.

نرشح لك

د.إبراهيم مجدي يكتب : التحليل النفسي لإعلان الدندو

دعاء فاروق تكتب: الكماشة رقم (١) في مصر.. قناة الحياة سابقًا

تعرف على معنى ” الدوندو” في إعلان جهينة

شارك واختار .. ما هو المسلسل الكوميدي الذي تتابعه في رمضان؟ أضغط هنـــا

بنر الابلكيشن