رائد عزاز يكتب: التعصب الرياضي

نقلا عن جريدة الفريق

ظاهرة التعصب الجماهيري متفشية في جميع الرياضات التنافسية، خصوصا لعبة كرة القدم، التي يصاب فيها المشاهد المتحمس بحالة هوس تشجيعي تدفعه لمناصرة ناديه ومهاجمة منافسيه بطريقة استفزازية، تبدأ عادة بتراشقات لفظية وتنتهي غالبا بمعارك دموية يسقط فيها ضحايا أبرياء لا ينتمون لفئة القادة أو الزعماء، الذين يشعلون الفتن بمكر ودهاء ليحرقوا بها غيرهم من البسطاء.

علماء النفس والاجتماع توقفوا طويلا أمام ذلك السلوك البشري الخارج عن حدود المنطق وقاموا بإجراء سلسلة طويلة من الأبحاث والاستقصاءات بغرض كشف أسبابه التي أرجعها الباحثون إلى عدم قدرة بعض الأشخاص العاديين على مواجهة الضغوط العصبية للحياة اليومية، وهو الأمر الذي يجعلهم يحاولون الهرب من واقعهم الأليم عن طريق الاندماج ضمن جماعة المتفرجين المجانين الذين يفرطون في اطلاق الهتافات المؤيدة أو العدائية بغرض تفريغ طاقاتهم السلبية والتغلب على مشاكلهم الاجتماعية وأزماتهم النفسية.

اللاعبون عادة لا يعانون من داء التعصب اللعين إلا على أرض الملعب فقط بحكم قوة الصراع الدائر، بينما هم خارجها زملاء وحبايب وأحيانا نسايب.. المدربون والإداريون يقومون بدور المتعصب العصبي الذي يحترق في سبيل نصرة فريقه لكنهم فعليا ليسوا أكثر من مجرد ممثلين محترفين يسعون لرفع أسهمهم و تسويق أسمائهم، بدليل أنهم يكررون نفس المشهد بحذافيره مع كل الأندية التي يشرفون عليها.. المشجعون هم الذين يصدقون الحدوتة الملتوتة ويعيشونها بكل مشاعرهم المكبوتة بل ويضحون في سبيلها بالجهد والوقت والمال رغم أنها تصيبهم أحيانا بالإحباط وتعاسة البال.

منظومتنا الرياضية تعاني من نفس المشكلة السلبية التي تتفاقم عندنا بصورة تصاعدية تهدد انتظام المسابقات المحلية وتمنع عودة المشاهدين للمدرجات الخاوية.. مسؤولية هذه الجريمة الآثمة تقع على عاتق العناصر الآتية:

الإعلام الرياضي: عدد كبير من العاملين بهذا المجال غير مؤهل لإدارة حوار ثري أو توجيه نقد بناء نظرا لضحالة مستواه الفكري واللغوي الذي يدفعه لاختلاق المنازعات وإثارة البلبلة بغية الحصول على موضوعات ساخنة يثبت من خلالها وجوده الباهت الضعيف.. هؤلاء العابثون لا يعبأون بحالة الاحتقان والتطرف الجماهيري التي وصلنا إليها نتيجة جهلهم الواضح وغبائهم الفاضح.

روابط الأندية: معظمها يخضع لقيادة حفنة من المرتزقة أرباب السوابق الذين يقدمون خدماتهم لمن يدفع أكثر حتى لو كان ذلك على حساب أمن العباد وسلامة البلاد. عصابة الكابوهات الباحثة عن الشهرة والثروة تستخدم أساليب شيطانية لاستقطاب أكبر قدر من الشباب المراهق البريء الذي ينجرف وراءها بعفوية في الأعمال التخريبية تحت دعوى الولاء والانتماء للكيان.

رؤساء النوادي: بعضهم يحاول التغطية على أخطائه الإدارية بافتعال المعارك الوهمية وإطلاق التصريحات النارية عن المؤامرات الكونية التي تهدف لمنعه من تنفيذ خططه اللوذعية لاقتناص كل البطولات المحلية والدولية في الألعاب كافة، الفردية والجماعية. هذا الأسلوب الرخيص يزرع الفتن بين المشجعين ويحرضهم على العنف تحت دعوى الانتقام من الخصوم الظالمين.

وسائل التواصل الاجتماعي: صارت مرتعا لبث الأخبار الكاذبة الملفقة، ومكانا تتبادل فيه الشتائم القبيحة ومشاعر العداء الصريحة التي تترجم إلى تصرفات هوجاء في الشارع والإستاد. صفحات تويتر وفيسبوك كانت مخصصة سابقا لعرض الآراء السديدة والأفكار الرشيدة لكنها تحولت الآن إلى أبواق للأفاقين الذين يعملون وفقا لخطط ممنهجة تسعى لنشر الفوضى العارمة.

اتحاد الكرة: يكيل بمكيالين ويعمل فقط من أجل مصلحة الأندية الكبرى دون الالتزام بقواعد المساواة التي تنص عليها القوانين الدولية والقيم الانسانية، لذلك كثرت ضده الاعتراضات وتعاظمت الاحتجاجات بصورة لم يسبق لها مثيل على مدار تاريخ الكرة المصرية. جمال علام ورفافه فشلوا في كل المهام الموكلة إليهم، وعلى رأسها إيجاد حلول جذرية لقضية شغب الملاعب.

الحلول المقترحة لمواجهة آفة التعصب المتأصلة داخل مجتمعنا تتلخص في النقاط التالية:

أولا: البدء فورا في اتخاذ خطوات سريعة حاسمة لملئ الفراغ الفكري الذي يعاني منه قطاع شعبي واسع نتيجة انهيار مستوى التعليم وغياب دور المؤسسات التربوية في زيادة معدلات الوعي الثقافي بين كل طبقات المجتمع، خصوصا الفئات المهمشة داخل العشوائيات.

ثانيا: إخضاع كل من يرغب في الترشح لانتخابات مجالس إدارات الأندية لكشف نفسي دقيق حتى يتأكد الناخبون من تمتعه بتوازن كامل يؤهله لتولي المنصب المهم الذي يتطلب شخصية عقلانية سوية تخلو من مرض الأهواء الشخصية وهوس الاستحواذ على النجومية.
.
ثالثا: التعاقد مع نجوم الكرة المحبوبين ورموز الألعاب الأخرى المعروفين، لتقديم برامج توعية -مرئية ومسموعة ومقروءة- تهدف لإفهام الجماهير أن المنافسة بينها تقتصر فقط على حدود المستطيل الأخضر ولا يجب أبدا أن تمتد لخارجه مهما كانت المسببات.

رابعا: التوسع في إقامة المباريات الودية الاستعراضية بين الفرق الجماهيرية -تحديدا الأهلي والزمالك- مما سيعمل على التخفيف من حدة التوتر المصاحب لمواجهاتهم الرسمية التي تجري غالبا تحت ضغط شديد نظرا لأهميتها في تحديد هوية الفائز بالبطولات.

خامسا: تفعيل دور رابطة النقاد الرياضيين وغرفة صناعة الإعلام في الرقابة على محتوى ما يقدم عبر الشاشات وما يكتب داخل الصحف والمجلات، بما يضمن التقليل من كم التجاوزات التي تضرب بعرض الحائط الأصول المهنية والقواعد الأخلاقية المتعارف عليها.

أحاول أن أقنع نفسي وإياكم، أن كل ما سبق من اقتراحات نظرية، يعتبر روشتة علاج مثالية ستقضي بصورة فورية على الاحتقانات الجماهيرية والالتهابات التشجيعية، لكن الحقيقة الفعلية التي أعلمها أنا وغيري هي؛ أن غالبية المشجعين يحبون التعصب ويستمتعون بعذابه، شأنهم شأن الملايين الذين يعشقون التدخين ويتلذذون بسمومه.