عمرو شوقي يكتب: مذكرات صحفي ممسوح به بلاط صاحبة الجلالة (7)

وإنت يا هذا.. قول لي لماذا.. عايز أجازة؟!

بمناسبة شم النسيم. أعلن رئيس الوزراء بنفسه أن اليوم إجازة لجميع العاملين بالمؤسسات الحكومية والخاصة، أما عندنا في المؤسسة الصحفية الخاصة كان القيادات “سُكتُم بُكتُم” لا حس ولا خبر، فقط طلب رئيس “الشيفت” مني مراجعة خبر رئيس الوزراء قبل نشره. قلت له:

– هو إحنا بنراجع بس؟ مابنّفذش؟

فهم مرادي، فرد:

– عندك مدير التحرير روح استأذن منه.

**

دخلت لمدير التحرير. سألته عن الإجازة، فرد بتهكم:

– هتعمل إيه في شم النسيم يعني؟ إنت كبرت ع الكلام ده.

ذكرني بسؤال سعاد حسني في فيلم “الزواج على الطريقة الحديثة”: وإنت يا هذا.. قول لي لماذا.. خدت أجازة؟

لم أقل له إني أرغب في قضاء اليوم مع خطيبتي، بل اخترت رد الضيف أحمد من بين ثلاثي أضواء المسرح في الفيلم، فقلت:

– هـ”ألعب ملاكمة وأرفع أثقال

وأركب مراجيح وأنط احبال

وأعوم ميت كيلو وأعدي جبال..”

نظر إليّ بغيظ شديد، وقال:

-ولما الصحفيين ياخدوا أجازة يا خفيف.. مين هيغطي أخبار تسمم الناس من الفسيخ؟

فرددت:

– يا ريس الناس بتبقى فرحانة وعايزة ترحرح في الأكل براحتها.. مش عايزة تسمع أخبار التسمم.

فقال بنصف حزم:

– ريح نفسك وريحني.. مفيش أجازات.

-بس رئيس الوزرا قال فيه أجازة للقطاع الخاص.

-إنت متعاقد؟ لما يبقى ليك عقد هنسمع كلام رئيس الوزرا!

-طب ما دي فرصة أسأل حضرتك: إمتى هيكون ليا عقد؟

-ده مش موضوعنا دلوقتي. مفيش أجازة، ولو غبت هيتخصم منك يومين.

وباصطناع واضح، قال:

-الصحفي لازم يحترق من أجل الآخرين.. قَدَره كدة.. لازم تنقل معاناة الناس.

– وأنا.. مين ينقل معاناتي؟

فشلت في الظفر بإجازة، فعقدت العزم على أن أملأ مكان العمل في يوم شم النسيم برائحة الفسيخ والرنجة والسردين والسلامون والتونة.. مجتمعين، وفوقهم رائحة البصل الأخضر!

صبّرت نفسي بأن رمضان على الأبواب، وهناك إجازة عيد الفطر، وسأقضيها مع أهلي وخطيبتي براحتي، كمن يصبّر نفسه وهو يستيقظ مبكرًا على غير رغبته، بأنه سيعود في المساء وينام براحته..

**

تم البدر بدري، واقترب عيد الفطر، لكن هذه المرة دخلت إلى رئيس التحرير، عله ألين! لم أكن أعرف أن نفس الحوار تقريبًا سيدور:

– ما إنت ليك أجازة يوم، عايز إيه؟

-رئيس الوزرا قال 3 أيام.

-ده للمتعاقدين.

-طب وهتعاقد إمتى؟

-مش موضوعنا. ثم مين هينقل أخبار التحرش لما الصحفيين ياخدوا إجازة؟!

كدت أُجَن. قلت بانفعال قبل أن أخرج:

-وأنا مين هينقل أخبار التحرش بيا من الإدارة؟

لن أرى خطيبتي في العيد أيضًا، صراحة هو أراحني من الـ200 جنيه التي كنت سأعطيها لها “عيدية” فاشتريت بها المروحة، أما عن الإجازة فلا بأس، صبّرت نفسي هذه المرة أيضًا، فبعد شهرين سنتزوج، وسأهبر إجازة زواج لا تقل عن 15 يومًا.. ده بالميت يعني.

**

ها هو موعد زواجي يقترب، دخلت إلى رئيس التحرير -وكلي ثقة- لأقدم طلبًا بإجازة زواج 15 يومًا، وإذ بالمفاجأة.

قال:

-في واحد زميلك في نفس القسم واخد أجازة عشان طالع عمرة.

-يعني إيه؟

-مش هقدر أديك غير 3 تيام بس. الظروف ماتسمحش.

-الظروف ماتسمحش؟! 3 تيام؟! ده يا دوبك أخلص فيهم الحَمَام اللي حماتي عاملاه.

-هديك 4 تيام.

-ما اليوم الرابع ده اللي هخلص فيه البط اللي أمي عاملاه.

-آخر كلام.. هديك 5 تيام.

-ده شهر العسل هيبدأ في اليوم الخامس بعد ما أشحن بالحَمَام والبط.

قال بهدوء:

-إنت جاي تهزر، وأنا مش فاضي.

– أنا مش بهزر.. أنا مصدوم.

ثم أعطيته هاتفي وأنا أشير إلى رقم على الشاشة. فقال:

-إيه ده؟

-ده رقم خطيبتي. كلمها اقنعها تأجل الجواز، وقول لها إن الظروف ماتسمحش.

رزع الموبايل على مكتبه وهو يقف منفعلًا، ثم قال:

-أهو أسلوبك ده اللي موديك في داهية. مفيش أجازات خالص، ولا حتى يوم فرحك، عايز تأجله أجله، وابقى قول لها يا أخويا إن الظروف ماتسمحش.

**

طبعًا غِبت.. وطبعًا خصموا.. وفي الشهر الأول لزواجي عرفت قيمة ذلك النظام الاجتماعي الاقتصادي المصري الأصيل، المعروف بـ”النقطة”.