التحليل النفسي للذين يرفعون البيادة فوق رؤوسهم

 أحمد عبد السميع/ نقلاً عن اليوم الجديد 

مشاهد احتفالات ذكرى تحرير سيناء الرابعة والثلاثين، أثارت جدلًا كبيرا بين المصريين، وانقسمت مواقع التواصل الاجتماعى بين المؤيدين والمعارضين لما حدث من المتظاهرين، فبعضهم أثنى على رفع أعلام السعودية فى تحرير سيناء، وعظم من شأن من رفعوا البيادات فوق رؤوسهم حباً فى الجيش، وهناك من رآهم التوصيف الأمثل للمواطن المصرى الذى تسيره عواطفه دون تفكير.

ما حدث فى 25 أبريل من المتظاهرين المحتفلين بذكرى تحرير سيناء، لم يعبر بالمرة عن تحرير سيناء، فلم تكن هناك صورة أو لافتة واحدة لمن حرروا سيناء، بل اكتفى المتظاهرون بالاحتفال بالسعودية وبيادة الجيش وأغنية «ادينى رمضان»، الهتافات أيضا كانت لا تعبر عن الحدث منها: مصر والسعودية والإمارات إيد واحدة!

يعلم الجميع أن هؤلاء المتظاهرين لم ينزلوا ليحتفلوا بتحرير سيناء، ولكنهم نزلوا للتعبير عن مساندة الرئيس فى قضية «تيران وصنافير» ونكاية فى من دعوا إلى التظاهر فى هذا اليوم رفضا لاتفاقية ترسيم الحدود، أيدهم البعض فيما فعلوا وانتقدهم آخرون، فقال الإعلامى أحمد موسى فى برنامجه «على مسؤوليتى» عن السيدة التى رفعت البيادة فوق رأسها: «المنظر دا وهى الست حاطة البيادة على راسها، وبنتها شايلة صورة الرئيس، هو دا الشعب، بيحب جيشه وبيعشقه»، ووصفت الكاتبة الصحفية سحر الجعارة فى مقال لها فى «المصرى اليوم» بعنوان «سفهاء فى مشاهد عبثية»، السيدة التى رفعت البيادة بأنها قدمت صورة للعالم عن المرأة المصرية كلها «ذل»، مؤكدة أن العار والذل والبلاهة اجتمعت فى مشاهد متفرقة لمَن يرقص على أنغام ماجنة فى «احتفالية عابدين»، ومَن يسجد على إيقاع «تسلم الأيادى»، ومَن ارتدى «البدلة الميرى» واحتل سلالم نقابة الصحفيين.. لكنهم لم يشعروا بالخجل أو بالعار الذى ألحقوه بنا!!».

ووصفت هالة شكر الله، رئيس حزب «الدستور» سابقا، رفع عدد من المصريين لعلم السعودية خلال احتفالات عيد تحرير سيناء بأنه «محزن»، وكتبت شكر الله عبر حسابها على «تويتر»: «صورة المرأة بالعلم السعودى والبيادة فوق رأسها محزنة وعلامة على مدى احتقار المؤسسات -التى تحكم وتتحكم فى الشعب- لهذا الشعب».

السفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية الأسبق، أحد أبطال حرب أكتوبر، انتقد أيضا صورة السيدة التى تحمل «بيادة» فوق رأسها، قائلاً: تؤلمنى جدا تلك الصورة التى يكرر إعلام العار إذاعتها، لامرأة مصرية بسيطة تضع بيادة فوق رأسها.. عندما كان رجال مصر الحقيقيون فى الجبهة، كانوا يدركون أن الشعب البسيط قد حرم نفسه من كل شىء كى يوفر لهم أفضل الغذاء والمعدات والذخيرة.. كان كل عسكرى يتمنى أن يحمل حذاء أبسط إنسان مصرى فوق رأسه لأنه صاحب الفضل الأعظم.

وتابع مرزوق «يجب أن يدرك الناس أن مؤسسات الدولة كلها تأخذ مرتباتها من الضرائب المفروضة عليهم، فكيف يحمل الشعب السيد حذاء الأجير فوق رأسه؟».

برر وانتقد المحللون تصرفات المحتفلين بتحرير سيناء، لكن لم يقف أحدهم على الأسباب التى تجعلهم يتصرفون هكذا، وإلى الدوافع التى تجعلهم يرفعون بيادة فوق رؤوسهم، وما مدلول هذه التصرفات من الناحية النفسية والاجتماعية.

الدكتور إيهاب الخراط:  مادفعهم لذلك هو المكايدة

رؤية الأطباء النفسيين لهؤلاء تختلف نسبيا عن التحليلات السياسية التى ملأت وسائل الإعلام فى الأيام الماضية، فيرى الدكتور إيهاب الخراط الطبيب النفسى الشهير أن مادفع هؤلاء لرفع البيادة فوق الرؤوس هو المكايدة، فساد قول شائع أطلقه الإخوان أن من يؤيدون الرئيس هم عبيد البيادة، ولذلك كان ردهم أن الجيش فوق رؤوسنا، فهو إفراط فى التأكيد على الاعتزاز بالجيش والرئيس السيسى الذى ينتمى للمؤسسة العسكرية والولاء لهما.

وأضاف الخراط أن هذه الممارسات تعبر عن الحماس الشديد لدى بعض المندفعين فى التوجهات السياسية دون رحابة، فتجد من رفع أعلام القاعدة ومن رفع أعلام إيطاليا ومن رفع أعلام السعودية، فكل هؤلاء يجسدون موقفا متطرفا بصورة بها قدر من السخرية.

وأشار الخراط إلى أن قدرا كبيرا من استدعاء الشعب المصرى للقوات المسلحة هو الشعور بعدم الأمان فى مواجهة الارهاب، وعدم رضا عن الحداثة بوضع عام فى هذا العصر، فيحاولون استجلاب عصر على أنه مثالى ويمكن تكراره، وفى المقابل تجد المعسكر المدنى المتطرف يشعر بالخوف من استمرار الأوضاع كما هى عليه.

وأكد الخراط أن الدولة والإعلام لهما دور فى مايحدث من المتظاهرين أيضا، موضحا أن الإعلام تدهور إلى التعبير عما هو رائج وبراق وما سيجذب الانتباه، وكل هذا يصب فى مربعات الخوف المختلفة، فالدولة والإعلام يعتمدان على الخطاب الشعبوى أو ما أطلق عليه الخطاب البراق.

هاشم بحرى: مؤيدو السيسى حملوا البيادة نكاية فى الجماعات الإسلامية

هاشم بحرى، رئيس قسم الطب النفسى بجامعة الأزهر أكد أنه من حق كل فرد أن يقول رأيه، وهذه هى الحرية فى الخلاف، تعبر عن رأيك ولا تجبر الآخر بتغيير رأيه، إلا بالمناظرة أو التفكير العلمى والمنطقى وكل فرد يقول دوافعه، واصفا ماحدث فى تظاهرات ذكرى تحرير سيناء بأن مؤيدى السيسى أكثر عددًا من معارضيه، وهذا مايسمى ضغط التأثير القوى، بمعنى أن الناس مجتمعة على هذا الرأى وهو مايزيد قوتهم، فهم لديهم دوافعهم التى ترتكن إلى أشياء فكرية محسوسة مثل «السيسى عمل قناة السويس، وقضى على أزمة الغاز والكهرباء وخلافه»، فهم بخلاف الإخوان الذين يعتمدون فقط على رأى المرشد، ويطالبهم بالخروج للتظاهر فيخرجوا، أما مؤيدو السيسى فتحركهم مشاعرهم وتفكيرهم الذى يدفعهم لتأييد نظام الحكم.

وأضاف بحرى أن من يصف الذين يحملون البيادة فوق رؤسهم بأنهم معدومو الثقافة مخطئ، والدليل أن الرئيس الأميركى أوباما، فعل هذا أيضا حينما وضع رأسه أسفل حذاء تمثال وهو طقس يمارسونه فى أحد أعيادهم.

وأشار الدكتور هاشم إلى أن رفع علم السعودية فى تظاهرة بمصر شأنه شأن من يرفعون أعلام الدول فى مباراة لبرشلونة، مؤكدًا أن الحدث كان مبالغا فيه، لكنه يعبر عن منتهى التداخل والمحبة بين الشعبين، لافتا إلى أن تصرفات مؤيدى الرئيس فى الاحتفال بذكرى تحرير سيناء، هو رد فعل لما تفعله الجماعات الإسلامية، يقولون لهم «أنتم عبيد البيادة» فيكون رد الفعل السريع حمل البيادة فوق رؤوسهم، فدعونا نلتمس لهم العذر، ونقدر ونقيم المرحلة الصعبة التى نمر بها، وعلى الرغم أنى لست من أنصار الدولة العسكرية فإننا نمر بفترة عصيبة من الممكن أن يقتل فيها أى شخص يسير فى الشارع.

سامية خضر: حاولوا الإمتنان لجيشهم برفع بيادته ليقولوا «شكرًا للجيش»

الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس، أكدت أن الإعلام كان يروج أن 25 أبريل ستحدث أزمة، فالجميع كان يشعر بالقلق وينتظر مسلسلا تخريبيا جديدا، بخلاف أن الكثيرين يعلم بوجود مؤامرة على مصر، فمن الطبيعى أن تحدث مثل هذه التصرفات، واصفة هذه التصرفات بأنها شعور بالقلق يمتزج بالرغبة فى الاحتواء، قائلة: «حينما يتشاجر شخص مع آخر وعند الصلح تجده يقول له هاشيل جزمتك فوق دماغى»، وهو معناه أنك غالى عندى، وهو ماحدث، فهى محاولة لتوضيح حبهم للجيش وتضحيات الشباب فى الجيش بأرواحهم من أجل مصر التى لولاهم ماكانت الدولة.

وأوضحت «خضر» أن كل فرد وثقافته فى التعبير، فمن حمل البيادة وغيرهم يعلمون تماما أن الجيش لن يفرط فى حبة رمل من أرضه، لهذا حاولوا الامتنان لجيشهم برفع بيادته ليقولوا «شكرًا للجيش».

كريم شوقى: ربط البيادة فوق الرؤوس مبالغة تفتح الباب للنفاق السياسى

الدكتور كريم شوقى، وصف من رفعوا أعلام السعودية، والبيادات فوق رؤوسهم بأنهم شخصيات غير متعلمة، من السهل أن تتقبل الإيحاءات بأن هناك مؤامرة على مصر، لأن لديهم ميلا للقلق الشديد عند الشعور بالخطر، مؤكدا أن هؤلاء يؤمنون بفكرة المخلص والمنقد، ولا يؤمنون بمؤسسات الدولة، فإذا قال لهم المنقذ شيئا فهى الطمأنة الوحيدة التى تتقبلها عقولهم.

وعلق شوقى على رفع أعلام السعودية فى ذكرى تحرير سيناء بأنه نابع عن انسياق مؤيدى الرئيس وراء عاطفتهم دون تفكير، فهم يرون أن السعودية دولة تساعدنا ولابد أن ندافع عنها بغض النظر عن التفريط فى الأرض، لكن فى المقابل يرى المثقفون أن السعودية دولة شقيقة وتساعدنا ويكنون لها كل احترام، لكن لديهم مبدأ وهو أن الأرض خط أحمر، وهو نفس الحال لمن رفعوا البيادة فوق رؤوسهم، فهو عمل فيه مبالغة فى العواطف، ومن الكرامة الإنسانية ألا يرفع شخص حذاءً فوق رأسه، فمابالك بمن ربطها فوق رأسه، قائلًا: «من الممكن أن أعبر عن تقديرى للجيش بصورة نضع فيها البيادة فوق الرؤوس، بينما ربطها فوق الرؤوس مبالغة تفتح الباب للنفاق السياسى».