عماد الدين حسين يكتب:شاب متمرد عمره ١٧ عامًا

نقلاً عن الشروق

عصر يوم الجمعة الماضى تلقيت اتصالا من أحد الأصدقاء، يقول لى فيه إن الشاب فلانا ابن صديقنا فلان قد تم القبض عليه فى منطقة وسط البلد بتهمة المشاركة فى المظاهرات المعارضة لاتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التى تم توقيعها يوم الجمعة قبل الماضى، وانتهت إلى اعتراف الحكومة المصرية بأن جزيرتى تيران وصنافير تخصان السعودية.

الشاب حاول التظاهر أمام مسجد مصطفى محمود بالمهندسين عقب صلاة الجمعة، وبعد أن فرقت الشرطة المظاهرة، اتجه إلى منطقة وسط البلد فى محاولة للوصول إلى المظاهرة التى تجمعت أمام نقابة الصحفيين. عندما عرفت بالخبر تضامنت مع صديقى، وقدرت خوفه وكل أسرته خصوصا والدته على الابن.

لكن السؤال الذى ظل يرن فى أذنى هو: ما الذى يدفع شابا عمره 17 عاما للنزول إلى الشارع وتعريض نفسه للخطر، وتعريض أسرته للحظات، بل ساعات من القلق وربما الرعب؟!.

هذا الشاب كان عمره أقل من ١١ عاما حينما اندلعت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، أى كان فى الصف الخامس الابتدائى، فكيف وصل إلى هذه الحالة الآن؟!.

الإجابة يفترض أنها موجودة عند الحكومة وأجهزتها وكذلك مراكز البحوث الاجتماعية، وعلماء وخبراء السياسة والاجتماع، وإن كنت أشك أن أيا من هذه الجهات المصرية قد انشغلت فعلا بهذه الظواهر المهمة، خلافا لدراسات أجنبية كثيرة، بعضها علمى جدا ومحترم، وبعضها قد يتم استخدامه من قبل أجهزة مخابرات دولية لإشعال الفتن فى مصر.

لولا الروح التى بثتها ثورة يناير، لربما ظل هذا الشاب وأمثاله إما مشغولين بالدراسة فقط، وإما بالرحلات والكشافة والأجهزة والألعاب الإلكترونية، وربما السفر للفسحة والتنزه، أو حتى الوقوع فى فخ ومصيدة الإدمان ورفاق السوء أو التنظيمات الدينية المتطرفة التى كانت منتشرة فى الجامعات، ولاتزال بقاياها وجذورها مستقرة.

الشاب لا ينتمى لأى من التنظيمات المتطرفة أو حتى المعتدلة، فقد نشأ فى أسرة مصرية متوسطة ووالده أقرب إلى الفكر الناصرى، وكان مشاركا فعالا فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وبالتالى يصعب تماما، إن لم يكن مستحيلا القول إن الابن إخوانى أو تأثر بهم.

هذا الشاب يعيش مرحلة التمرد الطبيعية شأن معظم أقرانه، يتمردون على الأسرة والمجتمع الأبوى بكل أشكاله خصوصا أبوية السلطة. قد يكون شارك فى انتخابات اتحاد الطلاب الأخيرة، ثم فوجئ أن الحكومة قررت تجميد هذا الشكل المحترم، وعدم الاعتراف بالنتيجة، التى أفرزت اتحادا يمثل الطلاب بصورة حرة مستقلة، وربما يكون ذلك أحد أسباب كفر الكثيرين بفكرة الديمقراطية والانتخابات، حينما يرون الحكومة، أو أيا من أجهزتها تجمدها بجرة قلم، من دون حتى تبرير مقنع. لا أقصد وزارة التعليم العالى، فأغلب الظن أنها مغلوبة على أمرها فى هذا الملف.

وأغلب الظن أن هذا الشاب لم ينزل للتظاهر من أجل تيران وصنافير فقط، بل ربما وصله إدراك أن التواصل بين الحكومة وأجهزتها وبين الشباب مفقود، خصوصا شباب الجامعات.

قد يكون سمع من والده أو أسرته أو أصحابه وشلته أن الحكومة لم تقاتل كثيرا للحفاظ على الجزيرتين، وربما يشعر أيضا بأن كل السلطات الأبوية، من أول والده إلى الحكومة مرورا بسلطة المجتمع، عجزت عن التواصل والتفاهم معه كما ينبغى.

للحقيقة والموضوعية، فمن الصعب تماما أن نتهم هذا الشاب وكل زملائه وربما معظم جيله، نحن الكبار كنا مقصرين تماما معهم، منذ سنوات طويلة.

بعد 25 يناير لاحت بارقة أمل، للتواصل معهم، لكنها مرت للأسف من دون استغلال.

سيكون خطأ قاتلا إذا اعتقدت الحكومة وسائر أجهزتها أن الأزمة مرت، وسيكون الخطأ مضاعفا إذا ظنت أن الأمر يتعلق فقط بالجزيرتين.

لو كنت مكان الحكومة والأجهزة والرئاسة لفتحت باب النقاش مع الشباب على اختلاف نوعياتهم خصوصا المتمردين والغاضبين واستمعت إليهم وتفهمت مطالبهم، واستوعبتهم.. ذلك هو طريق الخروج من المأزق والأهم طريق الدخول إلى المستقبل.

اقرأ أيضًا:

رصد شامل لمواقع بث سموم التحريض في عقول المصريين

قائمة الموافقين على التنازل للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير

تعرف على “أبو جلابية” الذي أحرجه الرئيس

حرب خرائط بين السعودية ومصر .. لمن النصر؟

أسوأ 11 تصريحًا عن “تيران وصنافير”

تعرف على مواقف 14 شخصية عامة من جزيرتي “تيران وصنافير”

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا