دراسة : السبحة والجلابية في السينما المصرية

أعدتها : د. دينا أنور   

بالرغم من تراجع دور وقيمة الفن المصري وصناعة السينما المصرية هذه الأيام، إلا أننا وبعد الضربات المتكررة من الإرهاب الديني وفرض نمط التدين الظاهري على المجتمع والأفراد، لابد أن نستعيد منظومة الفن المصري الراقي، والذي كانت له رؤية بعيدة في مسألة رجال الدين وتقديسهم لدرجة رؤيتهم كمعصومين عن الخطايا والذنوب.

فصناع السينما المصرية قديما وحتى وقت قريب كانوا من الوعي الكافي وبعد النظر  بإلقاء الضوء على رجل الدين في أعمالهم الفنية بشكل يكشف عنه غطاء القدسية ويظهره في صورة إنسان عادي يحمل الخير والشر ويقع في الخطايا ويرتكب الذنوب، وربما كان عديم الضمير يستخدم المظهر الديني كستار للتربح والنصب والدجل والشعوذة.

ولأن الفن المصري كان يساهم في تشكيل وعي الجمهور وصقل رؤيته للأمور، فقد نجحت الأعمال الفنية المصرية في إفشال محاولات أخونة المجتمع المصري، وخلقت أجيالا لديها الوعي الكافي لمواجهة الفاشية الدينية، فلم تشهد مصر على مدار مائة عام أو أكثر أي سيطرة للحكم الديني على المشهد السياسي، اللهم إلا مد الجماعات الإسلامية المتطرفة في منتصف السبعينات بعد إطلاق الرئيس الراحل “أنور السادات”مشروعه المسمى بالإنفتاح، ولكن التيار المثقف كان لايزال له اليد العليا في التأثير على مواقف الأفراد وتفكيرهم، إلى الحد الذي وصل ببعض المبدعين أمثال “وحيد حامد” و”يوسف شاهين” للتنبؤ بحكم الإخوان المسلمين في ظل سيطرة الفاشية الدينية وغزو المد الوهابي على تفكير العامة بل وعلى مؤسسات الدولة ورجال الدين التابعين لمؤسسات حكومية يفترض بأنها ترعى المنهج الوسطي للدين.

وهنا سنلقي الضوء على صورة رجل الدين في السينما المصرية الهادفة والتي غرست الوعي لدى الجمهور بخطورة الوقوع تحت شباك رجال الدين بإعتبارهم ظل الله على الأرض، فقد تعددت صورة رجل الدين في السينما المصرية بين الدجال والرجعي، بين الشهواني والمنافق،بين النصاب والغليظ المنفر، ومع التركيز على النماذج السلبية لرجل الدين في الأعمال الفنية وقلة الإشادة بالنماذج الإيجابية، نجد أن صناع السينما والمبدعون قد تنبأوا بأن السكوت عن كشف هذه النماذج التي تتخذ الدين “سبوبة” وتتربح من جهل البسطاء سيكون بداية حكم الإخوان المسلمين الذين إتخذوا من الشعارات الدينية والمظاهر إستراتيجية للوصول إلى الحكم، وهو ما حدث بالفعل إبان ثورة يناير.

 المنافق للسلطة

 الزوجة الثانية

برع الفنان الراحل”حسن البارودي” في تجسيد شخصية رجل الدين المنافق للسلطة في فيلم “الزوجة الثانية”، هذا العمل الخالد الذي جسدت فيه السندريلا شخصية “فاطمة” الفلاحة البسيطة التي تحب زوجها “أبو العلا”وتحيا معه في سلام حتى يقرر العمدة إنتزاعها من زوجها والزواج منها بالإكراه، وهنا يستعين برجل الدين عديم المبادئ الذي يوظف كلام الله بحسب مصلحة “العمدة” دون النظر للأخلاقيات، فيجبر الزوج على الإفتراق عن زوجته مستخدما النص القرأني القائل”وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، كما يطمئن العمدة على إتمام جريمته قائلا”الدفاتر بتاعتنا والتواريخ في إيدينا هوا حد هيحاسبنا”.

إلا أن تلك الفلاحة البسيطة رغم قلة تعليمها وضعفها فقد إنتفضت ضد الظلم الواقع عليها وقررت الإنتقام من “العمدة”ولم تقتنع بحجة الشيخ رغم أنه خاطبها بالقرأن، وهنا يبرز وعي صناع الفيلم في إظهار التمرد على كل مايخالف القيم حتى ولو خرج من فم رجل الدين وأستشهد فيه بالقرأن.

وظهر نفس النموذج ايضا في فيلم”التوت والنبوت”، الذي ظهر فيه رجل الدين الذي يفتي للفتوة الظالم بكل مايخدم إستغلاله لضعف الحرافيش وسرقة قوتهم وفرض “الإتاوة” عليهم بالإجبار، ووصل به إلى الحد الذي أفتى له بالزواج من زوجة أحد الحرافيش قبل إنقضاء عدتها وبعد أن أجبره على تطليقها، وهنا أيضا تظهر شخصية البطل”عزت العلايلي”الذي يقرر الثأر ويجمع الحرافيش للثورة على الفتوة الظالم وأعوانه والتخلص من الذل الذي سببه له من إهانة والدته وإخوته وإفساد حياته مع زوجته.

 الدجال والمشعوذ

 اسماعيل ياسين

كان لهذا النموذج المنتشر بكثافة في المجتمع المصري نصيب كبير من إهتمام المبدعين في السينما، فدور الشيخ الدجال الذي يتحايل على الناس بالعلاج بالقرأن وقدرته على تسخير الجن وطردهم وتصاحبه اللحية والبخور والمتطلبات الغريبة للجن كعرف ديك أحمر أو دم طائر أو ماشابه، تم تجسيده من قبل الفنان الراحل”إسماعيل يس” في فيلمه “إسماعيل يس في مستشفى المجانين”، كما جسده الفنان الراحل”توفيق الدقن”في فيلم “ثلاث نساء”الذي كان يدخن فيه السيجار ويقتسم الغلة مع صبيه.

 

الرجعي

قنديل أم هاشم

نموذج رجل الدين الرجعي الذي لا يؤمن بالعلم والتطور ويريد المعيشة في الجهل والظلام، وظهر هذا النموذج في فيلم”قنديل أم هاشم”الذي أبرز الصراع بين رجل الدين الرجعي الذي جسده الفنان الراحل صلاح منصور”عم درديري” وبين “شكري سرحان” رجل العلم والتنوير.

وكم نستشعر من هذه المشاهد عبقرية صناع السينما المصرية وقتها في التنبؤ بوجود فئات من رجال الدين تتخذ من العلم عدوا وتتهم العلماء بهدم الدين وربما بالردة والإلحاد.

 

الشهواني زوجة من باريس

وهذا النموذج الذي يظهر رجل الدين كإنسان تقليدي لديه شهوة وميل تجاه النساء، ولكنه لايبوح بها إلا سرا للحفاظ على صورته، للحد الذي يجعله يتسلل ليلا لممارسة الجنس مع إحدى خليلاته، مثلما كان الشيخ “ريشة” في فيلم “دم الغزال”، الذي أصبح أميرا لجماعة إرهابية بعد أن كان طبالا خلف الراقصة التي ذهب إليها يراودها عن نفسها بعدما توجه إلى التطرف وأصبح إرهابيا.

وجاء هذا النموذج أيضا في فيلم “لي لي” الذي لعب بطولته الفنان عمرو واكد ، الذي لم يستطع أن يؤذن لصلاة الفجر بسبب الفتاة التي تراوغه من شرفة منزلها، وكذلك الشيخ “حواش” في فيلم “زوجة من باريس” الذي يضعف أمام الصوت النسائي، وكذلك علي الشريف في فيلم “العصفور” ليوسف شاهين والذي يظهر بشخصية شيخ زاني.

دم الغزال

ويبدو أن تسليط الضوء على هذا النموذج كان ظاهرة صحية ربما لرجال الدين أنفسهم، فهم من يطلبون من المرأة التحجب والإنتقاب لكي يأمن الرجال شر فتنتها وإغوائها، ولاسيما رجل الدين نفسه الذي يغرق المنابر والأذان بالوعظ والإرشاد بينما لايستطيع التحكم في غريزته إذا ماراودته إمرأة، ممايزيح من عليه عباءة الفضيلة وتظهره كرجل  عادي تسيطر غرائزه على تفكيره إذا لم يستطع كبح جماحها والتحكم فيها وربما تقتاده لإرتكاب المحرمات التي ينهى الناس عن فعلها ويتوعدهم بعذاب الله إن إستسلموا لممارستها.

النصاب

الحدق يفهم

الحقيقة أن هذا النموذج هو الأكثر شيوعا في المجتمع، فلا يوجد شخص لم يتعامل في حياته مع شخص يرتدي عباءة الدين ويمسك السبحة ويرتدي الجلباب ويطلق اللحية ويتمتم بالأذكار والأدعية طيلة الوقت حتى أنه لا يرد التحية إلا لو كانت تحية الإسلام، ومع كل هذا تكتشف من معاملاته المالية والتجارية أنه كان يتخذ الدين ستارا لكسب ثقة الناس وإطمئنانهم لكي يستطيع خداعهم والإستيلاء على أموالهم، وظهر هذا النموذج في فيلم “كراكون في الشارع” الذي قام ببطولته الزعيم”عادل إمام” والذي ظهرت فيه شخصية الشيخ “نادي” الذي ذهب إليه ليشتري شقة فوجد عنده سكرتيرة محجبة وأهداه كيسا من التمر كبركة، ثم نصب عليه وسرق أمواله.

وكذلك الدور الذي لعبه  الفنان “محمود عبد العزيز” في فيلم “الحدق يفهم” الذي جسد فيه دور الطريد الذي ينصب على أهل القرية بزيه الأزهري.

وكذلك تجسيد شركات توظيف الأموال التي كانت تتخذ الطابع الإسلامي ودعمتها فتاوى الكثير من المشايخ بحرمانية التعاملات البنكية، كما تابعنا في مسلسل “الريان” أسطورة شركات توظيف الأموال في مصر.

المكفراتي

الارهابي

لعل الدور الأشهر في هذا الصدد هو دور الزعيم “عادل إمام” في فيلم”الإرهابي”الذي كان يرى المجتمع كافرا ويبيح لنفسه إتلاف الممتلكات وقتل الأبرياء.

وكذلك دور أحمد السقا في فيلم “ابن القنصل” الذي جسد فيه دور شاب متزمت  دينيا لايشاهد التلفاز ولايصافح النساء ويقضي حياته في التعبد، كما أن له خلفية فكرية سلفية تجعله يفرض المزيد من القيود على أبيه الخارج من السجن، بالإضافة إلى صداقته بأشخاص متشددين يريدون جره معهم إلى طريق التطرف.

ابن القنصل

وكذلك ظهرت الفنانة”ياسمين عبد العزيز” في فيلم “الثلاثة يشتغلونها” بعد تأثرها بإحدى مشايخ الفضائيات وهي ترتدي الأسود وتذهب ساخطة على والديها وحياتها بالكامل لدرجة أنها تصرخ بهم بأن كل شيئ يفعلونه حراااام، حتى أن “الأباجورة “أيضا حراااااام.

الثلاثة يشتغلونها

وهذا النموذج من رجال الدين يسبب العزوف عن الدين نفسه، فالناس ينفرون من المشايخ المتشددين ويهجرون دروسهم ومجالسهم لأنهم يحولون الحياة إلى كابوس من المحرمات،فكانت السينما المصرية لهم بالمرصاد وتكشف مغالاتهم وتشددهم الذي يحث على النفور والهجر.

ولكن..هل إكتفت السينما المصرية بالنماذج السيئة؟

جعلوني مجرما

قطعا لا.. فقد ألقت السينما المصرية الضوء على كثير من نماذج رجال الدين الشرفاء والوسطيين والذين لايبيعون ضمائرهم.

فمن دور الشيخ “حسن” الذي جسده الفنان الراحل”يحيى شاهين” في فيلم “جعلوني مجرما” والذي أظهر رجل الدين بصورة الشيخ الورع الذي يحاول هداية الناس.

إلى دور الشيخ”ابراهيم” في فيلم “شيئ من الخوف” والذي قدمه أيضا الفنان الراحل “يحيى شاهين” والذي يقود ثورة شعبية على “عتريس “الظالم الذي تزوج “فؤادة “بدون رضاها بعد مقتل ولده على يد رجال “عتريس”.

شيء من الخوف

مرورا بدور الشيخ في فيلم “التعويذة” والذي كان يرفض الدجل وينصحهم بالصلاة وقراءة القران لأن الجن ضعيف وأن أيات المصحف ستنجيهم من كل شيئ.

لذا فلم يقصد صناع السينما المصرية تشويه صورة رجل الدين بشكل متعمد كما يدعي البعض، بل كانوا من الوعي والإدراك وبعد النظرة ان يحركهم الإبداع لإستنتاج مستقبل المجتمع إذا ماسيطرت عليه روح المغالاة في الدين وتقديس رجال الدين وعدم الإيمان بأنهم بشر عاديون لاكرامة لهم وليسوا واسطة للوصول إلى الله.

وحيد حامد

وبرع كاتبنا العظيم “وحيد حامد” في التنبؤ بالكثير من الأحداث التي أعقبت الثورة خاصة قفز الإخوان المسلمين للحكم،ليس بالدجل والشعوذة وإنما بالقراءة والإستنتاج والرؤية البعيدة، وها نحن الأن نتابع أعماله لنستغرب  كيف كان لهذا الرجل أن يعرف أن كل هذا سيحدث بالفعل.

لذلك يجب أن نزيح ثوب العصمة عن رجال الدين ونتعامل معهم بإحترام شديد لكن بدون تقديس أو تبرك، ولانستعجب لو رأيناهم يخطئون ويرتكبون الذنوب، فهم بشر عاديين لهم زلاتهم وكبواتهم ، والأفضل أن تعمل عقلك وتستفتي قلبك ولاتلجأ لرجل الدين إلا عندما تريد الإستعانة به في فهم أمر صعب عليك فهمه، وفي النهاية لاتقتنع إلا بما يقبله عقلك ويصدقه قلبك.

اقرأ أيضًا:

كل هؤلاء قتلوا جوليو ريجيني

صبا مبارك أول نجمة عربية تنضم لوكالة C.A.T

شيخ الزمالك المزعوم : أنا سبب خسارة الزمالك من الإنتاج

متصلة لخالد عليش: “أنا موطية صوتي عشان جوزي ميسمعش”

وثائق بنما (ملف كامل) ‎

عماد أديب يوضح دور سيف اليزل في “رأفت الهجان”

رسالة شيريهان للسيسي

شاهد :أدق تقليد للرئيس السيسي

مشادة بين سمر يسري ونيرمين ماهر بسبب “صورة ساخنة”

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا