الجزيرة ووثائق بنما ..الصمت والصمت الآخر

محمود أبو بكر

فضح زلزال “وثائق بنما” وإرتداداته، الكثير من المنابر الإعلامية المنافحة بالمهنية ورموزها، أكثر من كشفه عن التعاملات المالية للشخصيات المتهمة بالتورط في إيجاد ملاذات ضريبية آمنة لثرواتهم، فالتحقيق الاستقصائي الواسع الذي شارك فيه صحفيون من أكثر من 100 صحيفة حول العالم، قد وضع عددا من المنابر الصحفية والتلفزيونية أمام حجمها الحقيقي بعيدا عن أسطوانات “حرية التعبير والرأي.. والرأي الآخر” التي طالما تغنت بها تلك المنابر عندما تعلق الأمر بدول وشخصيات معينة! كما هو الحال بالنسبة لتسريبات ويكليكس و تحقيق مخالفات HSBC!

فعلى سبيل المثال حرصت القناة التي تصف نفسها بالرائدة في الوطن العربي، على تناول الموضوع بشكل مجتزأ وعابر وذلك من خلال تقرير لا يشير بأي شكل إلى الشخصيات التي وثق التحقيق أسماءها وصفتها والمكاتب التي تتعامل معها مشفوعة بمستندات، ووثائق، وعمدت القناة القطرية -في موقعها – إلى استخدام تعبير “نشر اتحاد دولي يضم أكثر من مئة صحيفة ما قال إنه تحقيق واسع”! فيما وصفت الشخصيات بـ “عدد من الأثرياء والمشاهير والشخصيات النافذة حول العالم” دون أن تشير أن بينهم رؤساء دول وعلى رأسهم أمير الإمارة السابق حمد بن خليفة آل ثاني، الذي ورد اسمه مشفوعا بالمستندات التي تبيين كيفية  إخفاء ثروته عبر ملاذ ضريبي متمثل في شركة “موساك فونسيكا” للخدمات القانونية، وذلك من خلال شراء إحدى الشركات المسجلة في جزر “فيرجين” البريطانية!

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل ذهبت “الجزيرة” إلى إعداد تقرير آخر بعنوان “وثائق بنما: النظام السوري التفّ على العقوبات الدولية” والذي خصصته لكشف المخالفات التي قام بها النظام السوري من خلال رجل الأعمال رامي مخلوف (ابن خال بشار الأسد )، وذلك اعتمادا على تحقيقات “وثائق بنما” التي وصفتها سابقا بـ ” ما قيل إنه تحقيق واسع” في نبرة غير مستترة للتشكيك، في حين تغاضت تماماً عن مخالفات أمير قطر!

نرشح لك: كل ما تريد أن تعرفه عن “وثائق بنما” 

 وفي حين يجد الكثير من المتابعين العذر للقناة القطرية، عن عدم قدرتها على ذكر كل ما يتعلق ب “أمير البلاد -سابقا”، تساءل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن موقف أولئك الإعلاميين العاملين في القناة، الذين ما فتئوا يتحفون متابعيهم عبر السوشيال ميديا، ويحاضرون في المصداقية، والشفافية، وحرية التعبير، واستقلالية الصحفي إلى غيرها من القيم، والمثل العليا، واعتبروا أن الوثائق المسربة قد وضعت هؤلاء في محك الإختبار -أمام كل تلك القيم – على الأقل على صفحاتهم الشخصية في الفيس بوك وتويتر، بل راهن البعض على أنهم أهل لهذا الإختبار، وأنهم سينفدون بضمائرهم واستقلاليتهم، فيما ذهب البعض الآخر نحو “الاتجاه المعاكس” لهذا التصور!.. فما الذي حدث؟!

جولة سريعة لصفحات هؤلاء “النجوم” تبين الآتي: الإعلامي المصري أحمد منصور، حرص على أن لا يذكر بنما (من أصله)، حيث إن آخر تدويناته تعلقت بما أسماه “مذبحة القضاة في مصر”، وتدوينه أخرى عن “حجم ثروة قائد الأركان الجزائري السابق محمد العماري” اعتماداً على تقرير من إذاعة فرنسا الدولية! في حين فات على الإعلامي “الكبير” متابعة تحقيق “وثائق بنما” الذي يكشف بعض من ثروات “الأمير” الذي يقطن على بعد بضع كيلومترات من مقر سكنه!

من جهتها، الإعلامية الجزائرية (التي تحمل الجنسية القطرية والفرنسية) خديجة بن قنة، اكتفت بإعادة نشر الجزء المخصص  بالجزائر فقط من “وثائق بنما”، وذلك من خلال إعادة نشر ما كتبته “لوموند” الفرنسية، دون أي تعليق أو إشارة إلى دونها من الوثائق والمقالات الصادرة في ذات الصحيفة من بينهم قطر!

الإعلامي السوري فيصل القاسم صاحب برنامج “الاتجاه المعاكس” لم يتبع سياسة برنامجه بل اتبع نهج “بن قنة” عندما أعاد نشر مقال من أورينت نيوز، حول ما ورد في الوثائق، عن مخالفات النظام السوري فقط، دون أي تدوينات لاحقة أو سابقة عن الحدث أو الإشارة لقادة دول أخرى (بينهم قطر)!

فيما ذهب آخرون دون هؤلاء “المشاهير” إلى طُرق أكثر تطرفاً، عندما كتبوا تدوينات غامضة، أقل ما يقال عنها؛ أنها تحمل تشكيكا في الوثائق، التي حركت قضايا في الكثير من الدول الديمقراطية  من بينها بريطانيا وأستراليا ونيوزلاندا وفرنسا، حيث كتب أحد إعلاميو القناة متسائلا: كل هذه الملايين من الوثائق من شركة واحدة فقط!!!!!!!!!!

بينما غط معظم منتسبو “الجزيرة” في سبات عميق كأن شيئاً لم يحدث! وهم الذين طالما شبعوا “تشييرا ونشرا” في وثائق ويكليكس وHSBC وغيرها من التحقيقات دون أدنى تشكيك!!

المفارقة أن أرمدة الجزيرة -الذين ما فتئوا يقنعوننا في تدويناتهم ومداخلاتها لأكثر من ثلاث سنوات أن من يحكم مصر هو نظام مبارك العائد من النافذة (ولهم في ذلك كثير أو قليل من الحق والصدق)- فشلوا في اختبار استقلاليتهم، فيما نجحت المنابر الإعلامية المصرية في نشر وفضح فساد رجال مبارك -العائد من النافذة- حسب تعبير القناة القطرية!

اقرأ أيضًا:

رسالة شيريهان للسيسي

أول رد عربي على وثائق بنما

كل ما تريد أن تعرفه عن “وثائق بنما”

مشادة بين سمر يسري ونيرمين ماهر بسبب “صورة ساخنة”

كذبات أبريل الإعلامية.. نسخة 2016

ما الذي حدث بالفعل على طائرة برج العرب المختطفة ؟

أغرب طلب من المضيفة المصرية لخاطف الطائرة

تفاصيل الرحلة 181 (برج العرب – قبرص)

مصير هشام جنينة

قائمة الفائزين بجوائز السينما العربية

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا