أحمد الصاوي يكتب:شاهد زور وطنى ويُحب بلده

نقلاً عن المصري اليوم

يحب المهندس محمد فوزى بلده، وكمواطن «وطنى» صالح أثار استياءه ما يتعرض له وطنه من استهداف بسبب مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى فى القاهرة.

كل مرة يجلس أمام شاشة تليفزيون أو كمبيوتر ليشاهد أولئك المغرضين الخونة الممولين من الخارج، حسبما يظن، يتهمون الشرطة المصرية أو بعض أفرادها بقتل الباحث الإيطالى بعد تعذيبه، ترتفع الهرمونات الوطنية فى دمه، حتى تطغى على عقله، فلا يشغل تفكيره سوى نصرة وطنه، ومحاولة إنقاذه من كرة اللهب التى يريدونها أن تتدحرج لتحرق البلد وسمعته وعلاقاته الدولية.

مثله مثل كل «الوطنيين» الذين دأب على مشاهدتهم على الشاشات طوال العامين الماضيين، لا يجد فى الكذب عيبا، طالما كان دافعه وطنياً ونيته خيراً للبلد، هكذا شاهد من هم أهم وأشهر منه يفعلونها ويُفلتون بفعلتهم، وهكذا تعلم أن كل شىء فى سبيل الوطن جائز.. بقاء الدولة يستحق أن يقتل خارج القانون، وأن يحبس دون اتهام، وأن يخفى دون إعلان، وأن يُعاقِب دون إدانة، وأن يُخوِّن دون دليل، وأن يُشهر دون حياء، وأن يعد دون وفاء، وأن يقول للناس ما يعرف أنه مجافٍ للحقيقة، ومخالف للواقع، ومتخاصم مع المنطق، ومتجاوز للمعقول.

محمد فوزى ابن هذا المناخ الملتبس، وكل ما فعله أنه حاول إثبات هذه البنوة، بشهادة لا فارق بينها وبين مذكرات تحريات كثيرة تُقدم للمحاكم، حاملة من الوقائع ما لم يره أحد، ومن الإسنادات للمصادر المجهلة والمرشدين السريين ما لا يعرفه غير كاتب التقرير، لكنها قد تكفى عند من يريد لإحكام قرار ضبط أو احتجاز، أو حتى أحكام فى درجاتها الأولى قد تصل لطلب إعدام المئات دفعة واحدة.

لذلك فكر كمواطن «وطنى»، أو فكر له «وطنيون» آخرون، أن «يتطوع» فى مهمة «وطنية» جداً، لإنقاذ سمعة بلده، وإسكات وإخراس من يستهدفونها ويستهدفون أجهزة أمنها من الخونة والعملاء والطابور الخامس، وأن يذهب إلى النيابة لرفع سكين الاتهام الموضوع على رقبة الدولة، بسيناريو من تأليفه، أو تأليف آخرين، يروى فيه ما ادعى أنها مشاهداته يوم اختفاء جوليو ريجينى، وزعمه أنه رأى وسمع مشاجرة بين القتيل وأحد مواطنيه بجوار القنصلية الإيطالية بوسط القاهرة.

ولأنه سيناريو «وطنى» مكتمل، فقد كان لابد أن يلتقط الشاهد «الوطنى» مذيع «وطنى» أيضاً، دأب طوال مسيرته القصيرة على الشاشة أن يمارس «الوطنية» كما فهمها محمد فوزى وأن يتفوق فيها، مروجاً نظرية حب «الوطن» الذى يستحق أن نضحى من أجله بكل قيمة وقاعدة وقانون، وأن نكذب ونكذب ونكذب حتى يحيا «الوطن». يجتمع الوطنيان «الشاهد والمذيع» على شاشة «وطنية» واحدة، لممارسة الكذب «الوطنى» وترويجه والاحتفاء به وتصديره للناس.

لذلك كله لم يجد الشاهد ما يحتج به بعد أن كشفت النيابة شهادته «الزور» سوى القول بأنه فعل ما فعل لأنه «يحب البلد»، هو ببساطة يريد أن يقول إنه مثله مثل الجميع، السياسى والمذيع والمسؤول، وكل الذين يكذبون ويشهدون الزور ليل نهار، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ببلدهم، ولذلك أيضاً رأيت صرفه من النيابة دون توجيه اتهامات له بـ«الشهادة الزور» عادلاً أكثر، فما معنى ملاحقة شاهد زور صغير بينما مناخ كامل من «الزور» ترسخ واتسعت مساحته، وصارت ممارسته أكثر بجاحة وأقل حياء، على الشاشات وفى التحريات الأمنية، وفى التصريحات الرسمية، وأحياناً فى مشروعات السلطة التى تبدأ قومية وتنتهى إلى «فنكوش»، وفى مزايدات المعارضة التى لا تستند لغير الضجيج، ولم يعد هناك فوارق كبيرة بين من يشهد الزور ومن يتبناه ومن يروجه ومن يعيش عليه.

محمد فوزى مثله مثل غيره ممن عاشوا مناخ «الكذب الوطنى» وانجذبوا إليه وحاولوا المشاركة فيه، حتى ولو بمشاركة يُنذر مستوى إتقانها وضبطها وإخراجها، بتراجع فادح حتى فى كفاءة الكذب، وما يتطلبه من جهد وتستيف وقائع وأوراق واتساق مع المنطق.

 هامش:

«ما كنتش بغشِك ولا بخدعِك، أنا كنت مؤمن إن كل حاجة بنعملها كانت فى سبيل الوطن، كانوا بيسمونى جنرال السراير، ماكنتش بزعل، زيها زى المدفعية، زى المدرعات، ده كان اعتقادى الراسخ وقتها.. لا أنا كنت قواد رخيص ولا إنتوا كنتوا بنات ليل، كلنا كنا فاكرين إننا بنخدم الوطن، حتى اللى عذبوا الناس فى السجون كانوا فاكرين إنهم بيخدموا الوطن… دايماً أعظم لحظة فى الوجود هى لحظة اكتشاف الحقيقة، اللحظة اللى أنا بتمناها لناس كتير هى لحظة ما اكتشفت إنى حمار… لإن الحمار بس هو اللى يصدق إن الوطن ممكن يستفيد من العمليات القذرة».

حوار من فيلم «كشف المستور»، تأليف: وحيد حامد، إخراج: عاطف الطيب.

اقرأ أيضًا:

سادية الملكة أحلام

إلهام شاهين ترد على اتهامات غادة إبراهيم

طوني خليفة: لهذا أرفض دخول ابني الإسلام

يوسف فوزي.. الفنان الذي جسد مشهدًا تحول لحقيقة

ظافر العابدين يكشف سبب ظهوره عاريًا في فيلم بريطاني

بالفيديو.. أول ظهور لمحرك شخصية آبلة فاهيتا

الشناوي: عادل إمام “مكسوف” من مهنة والده

مشاري العفاسي قريبًا في دويتو مع “فضل شاكر”

أول حصر لتبرعات السيسي لصندوق تحيا مصر

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا