محمد إسماعيل يكتب: مش نوستالجيا خالص

لو لم يكن في ماضينا أشياء جميلة لما اشتقنا إليه، والدليل هو قدرتنا على إسقاط تفاصيل كثيرة من هذا الماضي واعتبارها كأن لم تكن. وفي مطلع هذا الأسبوع، مرت الذكرى الثالثة والثلاثون لرحيل الشاعر الغنائي الكبير والاستثنائي حسين السيد الذي توفي في 27 فبراير 1983م، واحتفلت إذاعة الأغاني السبت الماضي بذكرى رحيله فبثت أغنية دينية بصوت فايدة كامل بمشاركة حسين السيد بالإلقاء بصوته متخللاً غناءها، وبثت مجموعة أغاني خفيفة وصباحية وعاطفية ووطنية بأصوات كبار المطربين من معاصريه وعلى رأسهم محمد عبدالوهاب الذي كان له الفضل في اكتشافه (غنى له: ساعة ما بشوفك جنبي/ ياللي نويت تشغلني/ يا مسافر وحدك/ حكيم عيون/ أحبه مهما أشوف منه / بلاش تبوسني في عينيّ/ قلبي بيقول لي كلام/ كان أجمل يوم/ علشان الشوك/ قل لي عمل لك ايه/ بافكّر في اللي ناسيني/ خي/ فين طريقك/ عاش الجيل الصاعد/ دقت ساعة العمل الثوري/ لأ مش أنا/ عاشق الروح/ ست الحبايب/ قالولى هان الود) وفريد الأطرش (غنى من كلماته:إرحمني وطمنّي/ قالت لي بكرة/ يا بو ضحكة جنان) والعندليب الأسمر(غنى من كلماته: بيع قلبك/ توبة/ يا قلبي يا خالي/ ظلموه/ شغلوني/ قل لي حاجة/ عقبالك يوم ميلادك/ حاجة غريبة / جبّار / فاتت جنبنا).

وبثت إذاعة الأغاني حلقة مسجلة من برنامج «غواص في بحر النغم» غاص فيها الراحل عمار الشريعي في بحور أشعار حسين السيد، وأذيعت مجموعة متميزة من الأغنيات من كلماته بصوت محمد الحلو وأنغام ومدحت صالح «يا مسافر وحدك، وبسبوسة وحمال الآسية»، بالإضافة إلى كلماته التي شدت بها وردة وفايزة ونجاة، وكانت الاحتفالية من إعداد حسن حمدي سيف النصر، وإشراف الإذاعية سونيا محمود.

إن التوق لكل جميل في ماضينا يعبر عن حالة طبيعية مميزة للإنسان عن جميع المخلوقات الأخرى شريطة أن لا نسمح للماضي بامتصاص طاقاتنا والتأثير على إدراكنا للحاضر وأن لا يقودنا الاغراق في الماضي لنسيان أو إهمال ما يتوجب علينا فعله الآن، وأزعم أن هذا الاشتياق ينبع من تقديرنا لجودة أعمال عظماء أجادوا في فنونهم وشهد لهم الناس بذلك في عصرهم وحتى بعد رحيلهم، وهي الجودة التي نفتقدها الآن في أيامنا الرثة التي لا يدرك معظم الناس فيها أن الجودة صارت تخصصًا مستقلاً بذاته ولها دراسات ومراكز أبحاث بل وظهرت فروع معرفية جديدة غير معنية بشيء إلا مراقبة الجودة والجودة الشاملة وإدارة الجودة، إلى آخره، لذلك أنصحك أيها القارئ الكريم بأن لا تفزع إذا اتهمك أحدهم مستنكرًا بالنوستالجيا، بشرط أن تكون على وعي كاف بحاضرك ومدركًا لطرق الارتقاء به وتغيير الواقع، لا تقلق إلا من الإغراق المخل في الماضي والذكريات إذا تحول لهروب من الواقع واستحضار دائم للتاريخ يكاد يفقدك القدرة على التمييز بين قيم ومفاهيم لم تعد صالحة وبين قيم ومفاهيم أخرى قديمة نعم، ولكنها تبدو صالحة كنواة لنبتة جديدة قادرة على المساهمة في الفعل الثقافي المعاصر، ولا تكتفي أبدًا بدور المتفرج المتوجس الخائف من الجديد، متذرعا بأنه جاء ليلغي القديم. ينبغي أن نفخر بماضينا ونحترمه وأن ندرك أهميته، ولكن الأهم هو أن ندرك ما نحن عليه الآن ونحدد خطواتنا للمستقبل بوضوح.

اقرأ أيضًا:

محمد إسماعيل يكتب: دليل المعارضة والرئيس.. في عصر تويتر والفيس

محمد إسماعيل يكتب: الإسم إيجيبت والحلم خلافة روبرت موجابي

محمد إسماعيل يكتب: رأي نور الشريف في داعش والسنة والشيعة و11 سبتمبر

محمد إسماعيل: الجزيرة تهين أمير الشعراء

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا