عمرو حسن يكتب : مذكرات مراسل في جمعة الغضب

بعدما ايقن الجميع ان 28 يناير سيكون واحدا من اهم الايام فى تاريخ مصر، بدأنا فى التحضير للتغطية الصحفية التى سنقوم بها لليوم المنتظر، العمل كمراسل بالجرائد الاجنبية الغربية يختلف عن نظيره بالصحف المصرية او حتى العربية، فالجرائد الاوروبية و الامريكية المعدودة التى لها مكاتب دائمة فى مصر عادة ما تقتصر طواقم العمل بها على صحفى واحد او اثنين الى جانب صحفى مصرى او مترجم على اقصى تقدير، من هنا كان الاختيار الصعب فيما يتعلق بمنطقة التواجد يوم 28 يناير: هل نتجه انا ومديرى الى ميدان التحرير حيث سيسعى المتظاهرون الى الوصول مثلما حدث قبل ثلاثة ايام؟ و لكن هناك الاحتمالية بان لا تنجح ايه مسيرات فى الوصول الى الميدان فى ظل التدابير الامنية المتوقعة وفى تلك الحالة قد نبقى في الميدان طوال اليوم دون كتابة خبر صحفى واحد او معرفة ما جرى خارج التحرير فى وسط قطع الاتصالات الخلوية.

اقترحت على مديرى ان نبدأ من مسجد الاستقامة حيث سيتواجد البرادعى مما يعطينا بداية جيدة لما يمكن ان نحرره من اخبار لبقية اليوم، خرجت مبكرا من بيتى الى مسكن مديرى ومنه انتلقنا بصحبة سائق الجريدة الى الجيزة حيث وجدنا العديد من المراسلين الصحفيين منتظرين بالمنطقة و خاصة الاجانب منهم، كان الجو مشحونا بطبيعة الحال وبدا وكأن المصلين لا يطيقوا انتظار تسليم الامام حتى بداوا الهتاف وفى ثانية واحدة بالتمام والكمال كان البرادعى يدفع من الناس دفع باتجاه مركبات الامن المركزى ولسان حال الرجل يكاد ينطق “ياخوانا انا كنت جاى اديكوا الدفعة المعنوية واتكل عالله، انا عجزت عالكلام دة”.

وجود البرادعى و الصحافة الاجنبية حال دون استخدام الامن لاكثر من الغاز ومدافع المياة، لكن الرد على تحرك المصلين جاء سريعا هو الاخر، ففى خلال ثوانى كانت الشرطة تضرب بقوة و لم نكن على بعد اكثر من مترين عن مركبات الشرطة المنتظرة خارج المسجد، حمل البرادعى جريا و اخذ الى داخل المسجد بجوار عدد اخر من الشخصيات العامة المتواجدة، اذكر منهم ابراهيم عيسى وعبد الجليل مصطفى، بقية المصلين المتظاهرين كانوا يركضون هربا من الغاز او من احتمالية الاعتقال فالمسيرة لم تكن قد تكونت اصلا حتى تحاول كسر حواجز الشرطة فجرى الجميع من المصريين، ما لفت انتباهى هو التوقف و الذهول التام الذى اصاب الصحفيين الاجانب.

فكرت كثيرا لماذا يقفون هكذا وسط قنابل الغاز ورشاشات المياة فى ظل هذا المشهد الفوضوى! ربما جرينا نحن كمصريين لاننا نجرى طوال حياتنا اما من اجل الوصول الى شئ او للهرب من شئ او شخص ما، اما الاجانب فهم لم يعتادوا مثل هذه المشاهد حتى اننى اضطررت الى جذب اثنان منهم جذبا بعيدا عن مسار عربات الامن بينما كانوا ينظرون الى و كأنهم مغيبون.

تمكنا جميعنا فى النهاية من الاحتماء داخل المسجد، و حينها كان يلهث البرادعى محاولا اختطاف انفاسه بينما انهمر عليه المراسلون الاجانب من اجل الحصول على تعليق، لقد قال ما ارادوا سماعه بالضبط “لا يجب على اوباما ان يصمت اذاء ما يحدث فى مصر لاكثر من ذلك”، هدات الامور خارج المسجد نسبيا و تمكننا من الخروج و المشى لمسافة ليست بالقصيرة بصحبة عدد من المراسلين حتى وجدنا سيارة اجرة بجانب جامعة القاهرة اوصلتنا الى الكورنيش حيث قال اقترح احد المراسلين المصاحبين ان ننضم لصحفيين متواجدين بغرفة بفندق سيميراميس، كان احد المراسلين الاجانب بالفندق يمتلك هاتف ثريا وسمح للاخرين باستخدامه، كنا نملى على المحررين بامريكا واوروبا الوضع كلمة بكلمة، الخبر المكون من فقرتين استغرق نصف ساعة فى الوصول!

من شرفة الحجرة الفندقية تمكننا من متابعة معركة كوبرى قصر النيل الملحمية فى صمت وتأمل و ذهول تام، الصراع الداخى بين العمل الصحفى والشعور الوطنى جعلنى افكر كثيرا فى تلك المشاهد، لقد قمت بمنع نفسى عن ايه مشاعر من اليوفوريا او الانبهار حتى لا تؤثر على عملى الصحفى، خصوصا وانا اكتب عن مصر لجمهور من القراء غير المصريين، لكن رويدا رويدا بدا الانبهار جليا على اوجه مراسلون عايشوا حروبا ببقاع مشتعلة كالبوسنة وكوسوفو. وقتها فقط ايقنت ان ما يحدث هو اكبر من استيعابنا اللحظى.

تركنا سميراميس حوالى الساعة الرابعة و قرر مديرى العودة لمنزله، قلت له سابقى بالشارع على كل الاحوال فاتفقنا على ان اتابع الوضع بالتحرير والمناطق المجاورة.

قال لى واحدة من اكثر النصائح سذاجة قبل رحيله: “لا تدع الغاز يدخل الى عينيك”.

نزلت وترجلت بهدوء تجاة التحرير الذى كان يعج بعدد من اعلى رتب الداخلية حولهم المئات بل الالاف من قوات الامن المركزى، بدا الميدان مؤمنا تماما فى ظل حالة من الاسترخاء النسبى من الضباط بداخله، طاردنى عدة مخبرين من فور نزولى من الفندق وحتى وصولى قرب عبد المنعم رياض، بطاقتى الصحفية لم تشفع لى كثيرا وهدد احدهم بالقبض على اذا لم اختفى من المكان، كنت امشى بعيدا لمئة او مئتين متر ثم اعود باتجاه الميدان مرة اخرى، الضباط المتواجدين لم يكترثوا كثيرا لوجودى بمفردى خاصة بعد ان اخترت بقعة صغيرة قرب سور المتحف المصرى اسفل كوبرى اكتوبر.

وقفت وحيدا اتابع المعارك الضارية بين الامن و المتظاهرين القادمين من ماسبيرو و شارع رمسيس، لم اتمكن من رؤية ما وراء الامن و كان الضجيج بعيدا، لحظة انعدام الامل المتأصلة بداخل كل مصرى كنتاج لسنوات من الكبت والاحباط السياسى والمجتمعى بالاضافة للثقة المفرطة من الضباط الجالسين وسط الميدان، كل هذا دفعنى للايمان بان الاعداد التى تواجه قوات الامن لا تتعدى الالف او الالفين.

بعد ساعة من المشاهدة، خيب ظنى المتظاهرون و تمكنوا من هزم الكوردونات الامنية ليزحفوا باتجاة الميدان، تحركت معهم للميدان لأجد ان كل الضباط قد رحلوا، لا اعلم كيف و متى و الى اين رحلوا. بدأت عربات الشرطة العسكرية فى التوافد الى الميدان و البعض اطلق هتاف الجيش و الشعب ايد واحدة لاول مرة، رفعت يدى و كنت على وشك البدء فى الهتاف معهم لكنى لم اكن متاكدا اذا كان الجيش قد نزل لحماية المواطنين او للقيام بما فشلت فيه الداخلية! قدوم المزيد من عربات الجيش دون مواجهة اى متظاهر بث الطمأنينة فى قلبى لكن الشعور اصبح ممتزجا حين دخلت احدى عربات الشرطة العسكرية لامداد الامن المركزى بالشحنة الاخيرة من الغاز بالقرب من مقر وزارة الداخلية.

انذاك سيطرت على شعورى كمواطن و جريت باحثا عن اى هاتف ارضى يمكننى الحديث لمديرى من خلاله، ففى النهاية انا فى الشارع لتغطية ما يجرى و نقل الصورة صحفيا و هو العمل الاساسى الذى لا يجب ان انساه، ظللت امشى و اشاهد التنكيل بعربات الامن المركزى و حرقها بل و حرق عربة الجيش التى امدت الامن بالغاز قرب الداخلية، كان المواطن المتحمس بداخلى يظهر كلما جريت لمدخل من مداخل الميدان لاتأكد من عدم عودة قوات الامن المركزى حتى وصلت الى جاردن سيتى من ناحية الكورنيش، قررت الطرق على اول باب اقابله و ليكن ما يكن، كان الباب لشقة ارضية فى احدى البنايات، شابتان فتحتا الباب و بايد احداهن هاتف لاسلكى مما سهل على مهمتى، ابرزت بطاقتى الصحفية و قلت ان كل ما اريده هو استخدام ذلك الهاتف دون حتى الحاجة للدخول الى المنزل، العامل الطبقى وكعادته يلعب دورا كبيرا فى حياتنا بمصر شئنا ام ابينا، فمظهرى المتقارب منهن اعطاعهن ثقة فيما اقول واصروا على دخولى للشقة.

هاتفت مديرى و كان اول شئ ينطق به هو “اتحدثت الى والدتك؟” قلت له لا و طلبت منه ان يطمئنها هو بعد ان انهى مكالمتى معه، شرحت له بالتفصيل كل ما كان يجرى بالميدان و طبعا بالانجليزية وسط ذهول و حماسة خفية من الشابتين، اخيهما الاصغر كان شديد الريبة الا انهن استمتعا بالمنظر كله على انه نوع من المغامرات التى قد شاهدوها قبل ذلك فى احد الافلام لكنها الان تحدث امام اعينهن، لقد كن يشاهدن ما يجرى بمصر عبر التلفاز حتى نقلت لهم جزء من المغامرة والمخاطرة لمنزلهن.

سألونى ان كنت اريد ايه مساعدة فشكرتهن وخرجت مسرعا الى الميدان مرة اخرى، ظللت اشاهد ما يحدث ودخلت عدة بيوت اخرى للبحث عن هاتف اخر الا ان احدا من الرجال بتلك المنازل لم يثق فى ليدخلنى بيته.

قررت العودة الى البيت فى كل الاحوال، وجدت سيارات ميكروباص تاخذ المارة من شارع رمسيس باتجاه العباسية، توقف السائق عند كمين قرب جامعة عين شمس واخبره ضابط الجيش ان يوم عمله قد انتهى نظرا لحظر التجوال، نزلنا جميعا ومشيت حتى منزلى بمدينة نصر، وجدنى والدى بحالة يرثى لها و ظل يسألنى عدة اسأله لا اتذكر منها شئ، كنت صامت لا اجيب، شارد الذهن احاول استيعاب كل ما جرى، لم اتمكن من تجميع احداث ذلك اليوم الا بعد تنحى مبارك بعدة ايام، استغرب أبي حالتي ولم يفهم ما كان يدور بخلدي، اعتقد انه وبرغم تشجيعه التام ومناصرته للثورة حتى الان، الا انه لم يفهم الامر برمته، العديد ممن شاهدوا الثورة على شاشات التليفزيون ومهما سمعوا من قصص عن 25 و28 يناير لن يستوعبوا ما حدث ذلك اليوم.

اقـرأ أيـضـًا:

عزمي مجاهد يسب أحمد حلمي

تعليق نيللي كريم على أزمة أحمد مالك

حقيقة قرابة نجم “مسرح مصر” بالضيف أحمد

15 صورة من حفل النهار 2016

أشهر 5 فيديوهات لمراسل أبلة فاهيتا

إعلام 25يناير مشاهد باقية‬

لهذا السبب.. هاجم تليمة أبو تريكة

عدد قياسي من النجوم في حفل إطلاق osn يا هلا سينما

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا