محمد مصطفى أبو شامة يكتب: أحمد.. الشبشب ضاع

شاهدت مذهولا “الست” سما المصري في أحدث كليباتها الفنية “أحمد الشبشب.. ضاع”، وبعد أن أعدت مشاهدته أكثر من مرة لأستوعب القيم الفنية التي تبثها إعلامية وفنانة بـ”حجم” وقدرات سما، أدركت مدى عبقريتها، ليس فقط لأن “الشبشب” كان بـ”صباع”، ولكن لأنها نجحت في أن تقدم لجمهورها “العريض” وجبة متكاملة وصريحة مما يشبع رغباته وغرائزه. قدمت “الست” بالبلدي وبالمختصر “اللي بيكيّف الزبون”.

سما المصري أصبحت ماركة مسجلة على هذا المستوى من العطاء الفني والإعلامي “المبتذل والرديء”، والذي تجسد جليا من خلال مشروعها قناة “فلول”.. فهي أفضل من غيرها من المتخفين وراء ملابسهم وأقنعتهم الملونة.. هي عارية وفاضحة وصريحة، و”متعودة” و”معودة” عشاقها على ذلك، وهو ما أكدته في تصريح صحفي أخير، قائلة: “الجمهور متعوّد مني على كده”. لن “تتهز” سما من بلاغات قدمت ضدها للنائب العام، ولن تتوقف عن إسهاماتها في انحطاط الذوق العام وإلهاء الناس.. هذا دورها وهذه رسالتها التي اختارتها، ولها كامل الحرية، ولنا أيضا حريتنا في أن نتابع أو نلعنها و”نغير المحطة”.

ما جعلني أتوقف عند سما وأفكر “أجيب لها المأذون” ليعقد عليها هي وحبيبها “المملوح”.. أحمد، ونلمّ الموضوع دون فضائح، هو أن عدوى “شبشبها” قد هبّت بشكل فجائي على بعض إعلاميينا “المحترمين”، أصحاب المقامات الرفيعة التي وصلت بأحدهم إلى منصب مستشار رئيس الجمهورية “في يوم أغبر ومتأخون”.

فعندما ارتبكت “فتارين” النميمة السياسية و”أكشاكها” المسماة خطأ برامج “توك شو”، وأصابها الكساد عقب عودة “السقف” للإعلام بعد أن عاش من دونه في “الطل” أيام الربيع العربي، حدث تحول درامي في المسار الإعلامي المصري، وتبدل الاهتمام بالنصف العلوي للمشاهد، إلى النزول عند نصفه السفلي، على طريقة “اللي بيكيّف الزبون”، ورغبة منهم في البقاء والوجود بأي طريقة، لجأ معظمهم إلى مدرسة سما المصري، وكل منهم أبدع بأسلوبه.

فبينما لجأ أحدهم إلى الجنس الصريح، مخلوطا بالدجل والشعوذة، قرر الآخر أن يطور أداءه بأن يتحرش بزميلته وتتحرش به عاطفيا على مرأى من جمهوره، وقرر ثالث أن “يشقلب” برنامجه ليكون “حلال” المشاكل والعقد على طريقة إسماعيل يسن، ورابع حولها إلى “مصارعة ديوك” وجلس يشعللها ويولعها ليخرج كل ضيف أقذر ما عنده، واستكمل أداءه المشرف بأن سلم أحد ضيوفه للداخلية على سبيل الوطنية.

وبلغ المشهد الإعلامي تجليه ببرنامج “المستخبي” على قناة “القاهرة والناس” الذي تقدمه “الست” منى عراقي، التي أصابتها النجومية مؤخرا على طريق “ستّها” سما المصري، بفضل حلقة لبرنامجها عن الشواذ، قدمت مادتها وضيوفها إلى النيابة في بلاغ رسمي وتم ضبطهم بحمام شعبي في شارع رمسيس بوسط المدينة.. ومنحتنا قضية خطفت الأبصار على طريقة “بص العصفورة”، وأسهمت دون أن تدري في فضيحة معتبرة للإعلام المصري اصطادتها وسائل الإعلام الغربية، وعملت لنا “زفة المطّاهر في يوم المولد”.

وسيحكي تاريخ الإعلام للأجيال القادمة عن قصة صحفي “بيشتغل مخبر وبيسلم مصادره للشرطة”

ومن محاسن الصدف، أن اشتعلت قضية الشواذ، لتعطي إعلاميي “الشبشب” فرصة ليخرجوا عدة الشغل على طريقة “سما” ويرقصوا بالأحمر والأسود “الفيزكوز” – والحدق يفهم – وكله “مستخبي”.. وبان.

في أوقات الأزمات والمحن وعند مفترق الطرق، يجب علينا مراجعة أنفسنا، وإعادة تعريف ثوابت ربما تكون قد تحولت إلى أصنام مقدسة في حياتنا، نعبدها دون أن ندري، ونرددها كالببغاوات في كل مناسبة ونتشدق بها عند كل مواجهة، دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث والاجتهاد.

إن “ دور الإعلام” في وقت الأزمة يحتاج إلى جهد كبير من العاملين بالمهنة، فلا يصح أن يتوقف دورهم في هذه المرحلة الملتبسة عند “الترفيه” فقط؛ بحسب حديث دار بيني وبين مدير إحدى القنوات الفضائية، تبريرا غير مقنع منه لمستوى “السفالة” الطافحة على قناة كانت محترمة إلى وقت قريب، وفجأة أصابتها حمى الجنس غير المبرر لتعوض هروب الجمهور وعزوفه عن برامجها.

في الحالة المصرية، يتحول الترفيه إلى إلهاء، وهذا أمر لا يقل في خطورته عن المخدرات، فلا يليق بمهنة رسالتها التنوير أن تتحول إلى “آلة” تغييب للوعي، لشغل الناس عما يدور حولهم من كوارث تستدعي انتباههم ويقظتهم حتى لا يسرق منهم الحاضر ويختطف من بين أيديهم المستقبل.

ليس دور الإعلام أن “يكيّف الزبون”، لكن دوره أن يحفز “الزبون” وينير بصيرته بما يقدمه له من مواد خاضعة لمعايير مهنية تناسب المجتمع، هذا ما تعلمناه وفهمناه في أكاديميات الإعلام.. هي مهنة ادعى أساتذتها أنها قائمة على مرسل ومتلقٍّ، وبينهما رسالة.

ولو لم يستوعب كل إعلامي أن الرسالة.. أمانة؛ فعليه أن يجمع أغراضه ويرحل، أو يمسك الديك لـ”الست” سما.

 

نقلا عن جريدة “جورنال مصر”