عمرو رخا يكتب : 25 يناير ومعنى الحياة

“المشاركة في مظاهرات الغد قرار شخصي وعلى كلٍ أن يزن رغبته في المشاركة مقابل قدرته عليها..”

كانت هذه كلماتي لصديقي محمد في نهار يوم الرابع والعشرين من يناير عام 2011.. منذ أولى أيام الحدث وأنا أجاهد لأوضح علاقتي به وبالعالم الذي خلفته الأحداث.. كنت مثل الكثيرين أحاول أن أجد مكاني وسط هذا العالم الجديد الذي انفتح أمامي فجأة، يحركني مزيج من البحث عن “دوري” ومجدي مع الرغبة الحقيقية في المشاركة في تغيير مصر للأفضل، وعلى مر الخمس سنوات الماضية شاهدت كما شاهد رفقائي مساحة هذا العالم الجديد وهي تتضاءل تدريجيًا فتجبرني على الانسحاب منه حتى وصلنا لهذه النقطة.

واليوم وبعد مرور خمس سنوات على أحداث 25 يناير ترى مواقع التواصل الاجتماعي وقد ازدحمت بكلمات الرثاء على الثورة وما آلت إليه. الشعوربالمرارة حقيقي، ما بين ألم اجترار ذكريات جميلة كحبيب يتذكر الأيام الأولى لحب قد ولى، ومقارنة الآمال التي صاحبت الأيام الأولى للثورة بالواقع، والاتهامات المتبادلة بين من كانوا يومًا رفقاء الميدان بالمسئولية تجاه الوضع الحالي، والشعور بالحصار النفسي والإعلامي لمن شارك وأيد، والغضب المستطر تجاه مؤيدي الوضع الحالي، بينما تطل على استحياء بعض كلمات الأمل أن الثورة مستمرة وأن انتصارها حتمي.

في ذكرى الثورة تعكس مواقع التواصل الاجتماعي الواقع النفسي لمن شارك فيها وهو واقع مؤلم إلى حد كبير، وكما قال لي صديقي خالد منذ أيام، “لم أستطع المشاركة الفعلية في أحداث الثورة ولكني كنت أرقص فرحًا ممسكًا بعلم مصر بينما أشاهد الأحداث في التحرير على القنوات المختلفة.. الآن أشعر بخواء حقيقي لا أجد له حلًا سوى العمل لساعات طويلة وأن أكون قدوة مهنية لمن يعمل معي..”

ما الحل للتعامل مع هذا الشعور بالخواء والمرارة؟ في النهاية لا نملك أن نشكل الواقع السياسي بالشكل الذي يرضينا، فإما أن نعيش بهذه المرارة وننتظر أن تختفي تدريجيًا من داخلنا بينما تشغلنا الحياة ومتطلباتها، أو أن نراجع فهمنا لأحداث 25 يناير وعلاقتنا بها بشكل يسمح لنا أن نتغلب على هذا الخواء.

من خلال مشاهداتي للمسارات الحياتية للعديد ممن هم في دائرتي بعد أحداث 25 يناير إلى اليوم، أكاد أجزم أن انحسار الأمل في التغيير ليس السبب الحقيقي لخيبة الأمل.. بالنسبة لغالبية من شارك في الموجة الأولى لثورة 25 يناير مثلت الثورة نقلة نفسية هامة من الحياة التقليدية للطبقة المتوسطة بأهدافها الاقتصادية والاجتماعية المحدودة، إلى حياة تحمل معنى أكبر من العمل والأسرة والمصيف وتسديد أقساط السيارة وشاليه الساحل، فجأة انفتح للكثيرين عالم تصبح لحيواتهم فيه معنى أكبر فأصبحوا مفعمين بالحياة، ومع مرور الوقت وانحسار مساحة الأدوار اضطررنا للتراجع لتلك الحياة التقليدية والتي لم تعد كافية، تمامًا مثل التشبيه المستهلك للأعمى الذي أبصر فجأة ثم عاد بصره لينحسر حتى صار أعمى مرة أخرى.. لن يعود له العالم كما كان، ولن يعود لنا العالم كما كان بعد أن اكتشفنا أن الحياة قد يكون لها معنى أكبر من تلك المعاني التقليدية الموروثة من المجتمع حولنا.

السؤال الحقيقي إذًا ليس ما آلت إليه الثورة أو ما قد تؤول إليه ولكن يكمن السؤال في المعنى الحقيقي لحياة كل منا، ولقد شاهدت من فطن إلى هذه الحقيقة وهو يستقل بمعنى حياته تدريجيًا بعيدًا عن المشهد السياسي العبثي باحثًا عن معنى أكبر يمكنه أن يحققه عمليًا في ظل محددات الوضع، وأرى بوضوح أن هذه الفئة هي أقل الفئات شعورًا بالألم وأقلهم تعبيرًا عن المرارة مع حلول الذكرى الخامسة للثورة، بينما يظل العالقين في مساحة العدم بين الرغبة في معنى أكبر للحياة وربط هذا المعنى بالمشهد السياسي أو تركه تائهًا بلا رابط – يظل هؤلاء هم أكثر الفئات شعورًا بالألم في هذه الأيام.

في تقديري أن الوصول للسلام النفسي يكمن في قبولنا للواقع الحالي والانتقال منه للبحث عن المعنى الأكبر لحياتنا، لا يمكن أن نغفل في رحلة البحث هذه أن المعنى الذي سيسمح لنا بتحقيق الذات هو معنى يمكن السعي له عمليًا على أرض الواقع آخذين في الاعتبار السياق العام والمحددات العملية لحياتنا، وقد يكون هذا الدور الأكبر والمعنى الأهم أن نكون قدوة مهنية وعملية للأخرين – مثل صديقي خالد – وهو معنى بالتأكيد لا يحتاج إلى ميدان للتعبيرعنه وتحقيقه.

اقـرأ أيـضـًا:

14 تصريحا من مراسلة الميدان ضحي الزهيري

عندما كتب عبد الله كمال : نلتقي بعد الثورة

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا